بعد سنوات طويلة من الخطاب الرسمي المسيطر على الساحة العراقية والمدعوم من عدة خطابات ظاهرية اخرى ؛ تعمل لنفس الهدف في العهد الملكي ؛ ومن ثم سيطرة الخطاب الرسمي الاوحد على وسائل الاعلام الحكومي الرسمية وغيرها ؛ انفتح العراق عام 2003 على وسائل الاعلام العالمية وكذلك انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد الفضائيات والاذاعات العراقية ولاسيما المملوكة لجهات وشخصيات قد تعمل ضد الحكومة والدولة والاغلبية العراقية الاصيلة , بالإضافة الى توسع دائرة الصحافة الورقية والالكترونية ... الخ , مع الاخذ بعين الاعتبار قلة المؤسسات الاعلامية الحكومية التي تعاني من ضعف الاداء العام والهشاشة والضبابية وانعدام الرؤية الوطنية المركزية ... الخ .
وبناء على ما تقدم ؛ انتشرت ظواهر سلبية بل ومدمرة في المجتمع العراقي ؛ ومنها : تعدد الخطابات الرسمية والحكومية وتعارضها وتضاربها الى حد الاسفاف والتناقض ... وكثرة ظهور القادة والمسؤولين والموظفين العامين في وسائل الاعلام الحكومية وغير الحكومية بل والعربية والعالمية بسبب ومن دونه بل في الحالات الاعتيادية التي لا تتطلب الظهور ... واختفاء هؤلاء من الظهور في الحالات الضرورية والطوارئ والاحداث الجسام ... ؛ و انتشار الفضائيات والاذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف وغيرها التي تعمل على بث الدعايات والاشاعات ونشر الافكار السوداوية والطوباوية والمنحرفة والتفاهات والمملوكة من قبل الشخصيات المرتزقة والجهات المشبوهة والمخابرات الاجنبية والغريبة , وساد الفراغ الفكري والثقافي والسياسي بين الشباب بسبب الإعلام غير الهادف والمعادي والذي ينشر معلومات سلبية وتخريبية بأساليب جميلة وجذابة ولكن غير مفيدة ونافعة بل ومدمرة عن قصد مبيت وعن غير قصد أحيانًا - من قبل الحمقى والتافهين والجاهلين - ؛ لإنشاء جيل لاهٍ بملذات الحياة وشكلياتها ومتناسٍ للمستقبل والعمل الوطني السامي ، مما يؤثر على إنتاجية العمل لديهم وتغييب العقل والوعي والتحليل المنطقي عندهم ، ناهيك عن اصابة العراقيين بمشاعر الإحباط النفسي واليأس والقنوط ؛ الذي يدفع الأفراد العراقيين إلى الإعراض واللامبالاة وعدم التفاعل مع الاحداث العراقية وعدم التواصل مع القيادات الوطنية ... ؛ وذلك بسبب الإعلام المتحيز والمنفلت والمعادي والمنكوس الذي لا يعتمد على حقائق ومعلومات مؤكدة ؛ وحتى لو عرض بعض الحقائق والانجازات فأنه يظهرها و سيُنظر إليها بعين الريبة والحذر والشك والتزييف ؛ لتشويه معالمها ... ؛ بالإضافة الى تتفشى الجريمة والعدوان والتعدي على الأملاك العامة والخاصة والكوادر الحكومية وشيوع الانتهاكات والسلوكيات الاخلاقية السلبية ؛ لاسيما وان بعض وسائل الإعلام متحررة من القيم الأخلاقية والتعاليم الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية العراقية الاصيلة .
وعليه لابد للحكومة العراقية والقيادات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني العراقية النزيهة ؛ العمل على اصلاح السلبيات انفة الذكر , والرقي بمستوى اداء المؤسسات والدوائر والفضائيات الاعلامية الحكومية والوطنية العراقية الاصيلة ؛ والتواصل مع الجماهير العراقية وبمنتهى الصدق والشفافية والحيادية , ورفد المجتمع العراقي بالمعلومات الحقيقية والاحداث الواقعية وتسليط الاضواء على فضح وكشف الاوهام والاكاذيب الاعلامية المنكوسة ... ؛ وحظر الفضائيات والاذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف وغيرها ان كانت معادية وخائنة وعميلة ومرتبطة بالأجندات الاجنبية المشبوهة وتعمل ضد مصالح الوطن والمواطن .
وفي ظل هذه الاجواء السلبية ومشاعر الاستياء والياس والقنوط الشعبية ؛ والتي قد تكون الحكومة سببا فيها كباقي الاسباب الاخرى التي ذكرناها انفا ؛ لابد للحكومة العراقية والقيادات الوطنية من مراجعة حساباتها وتصحيح السيرة وتغيير وتعديل المسيرة بما يتلاءم والتحديات الانية والارهاصات السياسية والاجتماعية الحالية ؛ فمن غير المعقول ان تلتزم الحكومة الصمت وتلوذ القيادات الوطنية بالفرار والانكفاء على الذات والاعتزال الاعلامي والرسمي والاجتماعي العام في ظل هذه الاحداث والظروف والتحديات المصيرية ؛ فبينما الشعب العراقي يترقب الاحداث والنتائج ؛ والاغلبية العراقية مشدودة لمتابعة الاخبار والتحركات والفضائيات , والكل يعيش مشاعر القلق والتوجس والريبة والخوف من القادم المجهول ... ؛ يلتزم المسؤولون العراقيون الصمت وكأن على رؤوسهم الطير .
مع شديد الاسف السياسي العراقي في اغلب مواقفه ما خلا استثناءات قليلة – خرج بها عن المألوف ومنهم الدكتور الجلبي وعبد المهدي والخزعلي وكريم ماهود وقلة معهم - , بعد العام 2003 ؛ عندما يواجه المواقف والاحداث السياسية المهمة والخطيرة فأنه يسلك طريقين فقط : اما ان يتفوه بالأكاذيب والادعاءات والمبالغات كما ادعى الشهرستاني بانه سوف يصدر الكهرباء الى خارج العراق ... ؛ او يلوذ بالصمت واللامبالاة او يصرح بأمور لا تمت للحدث والواقع بصلة ( يعني يخوط بصف الاستكان ) ؛ فاغلبهم عندما يظهر في الفضائيات يقوم بوصف الاحداث الخارجية ؛ وكأنه صحفي او مراسل فضائية وليس مسؤولا حكوميا وصاحب قرار ...!! .
وعليه يجب على النخب السياسية الوطنية والقيادات العراقية والحكومة من الاتفاق على صيغة معينة يتم من خلالها توحيد الخطاب الرسمي وعدم السماح لكل من هب ودب من مسؤولي وموظفي الدولة وقيادات واعضاء الكتل السياسية بإطلاق التصريحات حول الاحداث والقرارات وغيرهما , بالإضافة الى تحديد قنوات اعلامية معينة ومعروفة بالصدق والشفافية والنزاهة والحيادية وذات كفاءة عالية واداء متميز لتكون منبرا حكوميا وموقعا رسميا لنقل تصريحات وقرارات الحكومة العراقية للجماهير العراقية والعالم اجمع , والتواصل مع الجماهير العراقية بصورة مستمرة وعلى شكل حلقات اسبوعية او شهرية يخرج فيها رئيس الوزراء العراقي او الناطق الرسمي باسم الحكومة ويقوم بتبيين الاحداث والوقائع وتحليلها ان اقتضى الامر ذلك , والاعلان عن القرارات والاجراءات الحكومية وبيان اسبابها والنتائج المترتبة عليها ؛ والاهم من كل ذلك ؛ التزام الشفافية والصدق من قبل المسؤول العراقي وذلك من خلال توثيق المعاهدات والاتفاقيات الدولية وعرضها على الشعب ان امكن ذلك , وعقد الاجتماعات الحكومية وجلسات البرلمان العلنية ، وطرح بيانات الذمة المالية ، وتشريع القوانين التي تصب في صالح الوطن والمواطن ، واستعراض الميزانية، وإجراء عمليات تدقيق الحسابات، ومراجعة قرارات واجراءات الحكومة ومتابعة سلوك المسؤولين والموظفين ومحاسبة الفاسدين والمقصرين , وعرض المحاكمات العسكرية والمدنية التي تتم بحق الخونة والعملاء والسراق والفاسدين ... ؛ ليكونوا عبرة لمن اعتبر ولكي يشعر المواطن بقوة القانون واهمية تطبيق العدالة ، وما إلى ذلك ... ؛ ولعل في تجربة خطابات وتصريحات السيد حسن نصرالله وتواصله المستمر مع قواعده الجماهيرية , واتصاف خطابه بالصدق والشفافية والواقعية ؛ وشهادة اعداءه له بذلك احيانا ؛ من الشواهد الحية على نجاح هذه السياسة في التعامل مع الاحداث والتواصل مع الشعب .