تعتمد هذه المادة على مصادر تم وضعها في نهايتها وأهمها مدونة "لست ذكي بما يكفي" لديفيد مكريني وتدوينته “الانحياز التأكيدي" التي تم الاستفادة من طريقته وأسلوبه مع تنزيل ذلك على واقعنا العربي. بما أن هذه المادة حصلت على نسبة قراءة ملفتة، من الجيد محاولة الإطلاع على كتابي ديفيد مكريني القديم والجديد حول هذه المواضيع وفيها كثير من الطرح الرائع.

---------------------------

في الغالب لا تكاد تجد شخصاً عاقلاً إلا ويقول بأن آراءه موضوعية ومنطقية وأنها نتيجة سنوات من تجارب الحياة والإطلاع والقراءة والمتابعة لما يحدث من حوله وفي العالم. 
ولكن الحقيقة أن آراءنا ليست موضوعية وليست بتلك المنطقية التي نزعمها لأننا في الغالب نلتفت ونعطي جل اهتمامنا للمعلومات التي تؤكد أفكار وقناعات مسبقة نؤمن بها، ونتجاهل بقصد وبدون قصد المعلومات التي ربما تعارض وتتحدى قناعتنا المسبقة..


الوهم التكراري مدخل إلى الانحياز التأكيدي

هل سبق وأن خطر على بالك فكرة مشروع معين، وفجأة تجد أن شخصاً ما يتحدث حول نفس الفكرة أو قريب منها؟ أو وجدت مقالا لكاتب يدور حولها؟ أو شاهدت تقريراً إخبارياً عن مشروع مشابه؟ أو مررت على موقع انترنت يحاول القيام بتنفيذ نفس الفكرة؟
هل فكرت في شراء سيارة جديدة معينة أعجبتك وفجأة أصبحت ترى نفس السيارة يقودها آخرون في الشوارع في كل مكان من حولك؟ فجأة بدأت ترى صور السيارة على لوحات الشوارع الدعائية؟
تنتظر ولادة طفلك وفكرت في إسم معين له، هل حصل أنك وجدت هذا الإسم يتكرر على مسامعك من الناس؟ فجأة تشعر بأن هذا الإسم من حولك في كل مكان؟ شخص في المقهى ينادي آخر يحمل نفس الإسم؟ 
ماذا يحصل هنا؟ شيء غريب؟ هل يحاول هذا العالم أن يرسل لك رسالة ما؟ لا، في الحقيقة أن هذه حالة تسمى علمياً بـ “الوهم التكراري” Frequency illusion أو Recency illusion.

ما يحصل هنا هو أن عقلك الباطن قام بتخزين هذا الاهتمام الجديد لك (السيارة الجديدة، اسم المولود، فكرة مشروعك) في مكان خاص في ذاكرتك، وأعطاه انتباه و أهمية وقيمة عالية تفوق كثيراً من المعلومات الأخرى. تمارس حواسك (العين، الأذن،..) عملها بشكل طبيعي ومعتاد وترسل ما تلتقطه لعقلك الباطن كالعادة، وعندما ينتبه عقلك الباطن بأن تلك المعلومة المهمة التي كان قد خزنها مسبقاً وأعطاها قيمة واهتماماً خاصاً يفوق غيرها، قد التقطتها للتو أحد حواسك، فإنه يقوم فوراً بلفت انتباه عقلك الواعي بها. 
تشاهد يومياً مئات السيارات من حولك في كل مكان، ولكن عقلك الباطن لفت انتباهك فقط لتلك السيارة التي تفكر بشرائها لأنها مخزنة بقيمة أعلى من غيرها في ذاكرتك. وتسمع وتقرأ يومياً الكثير والكثير من الأسماء ولكن عقلك الباطن لم يلفت انتباهك إلا عندما مررت حاسة السمع أو العين اسم مولودك الذي تفكر فيه عندما التقطته للتو ، وكذا الحال بالنسبة لمشروعك الجديد، فأنت تشاهد يومياً الكثير من المشاريع من حولك وفي النت، ولكن عقلك الباطن لفت انتباه عقلك الواعي عند تمرير أحد الحواس لفكرة مشروعك أو فكرة مشابهة له.
لا يوجد هناك مؤامرة ، وهذا العالم لا يحاول أن يرسل لك رسالة خاصة، كل ما في الأمر أن عقلك الباطن يقوم بتجاهل الكثير والكثير مما تلتقطه حواسك، ويقوم بدور المراقب اليقظ حيث يلفت انتباه عقلك الواعي بما خزنته مسبقاً بأنه مثير لاهتمامك ، بدون أن تشعر.

عندما تبدأ حالة الوهم التكراري لديك من التحول من حالة الخمول (قبل تخزين المعلومة الجديدة المهمة لديك) إلى الحالة النشطة المتحفزة (بعد التخزين) فإن ذلك يؤدي لأن تبدأ في الدخول لحالة ما يسمى علمياً بـالانحياز التأكيدي Confirmation bias.

الانحياز التأكيدي

بحسب تعريف موسوعة المعرفة، فإن الانحياز التأكيدي هو ميل الأشخاص لتفضيل المعلومات التي تؤكد أفكارهم المسبقة أو افتراضاتهم، بغض النظر عن صحة هذه المعلومات. الانحياز التأكيدي يعمل بمثابة المرشّح (فلتر) الذي ترى من خلاله الأمور التي تتطابق مع توقعاتك. ليست المشكلة في أن الانحياز التأكيدي يجعلك تفكر بأسلوب انتقائي فقط، ولكن المشكلة الحقيقية عندما يؤثر على سعيك في البحث عن الحقيقة كما هي بدون أي انحياز مسبق، فيجعلك تكتفي بما انتقيته من معلومات لا شعورياً.


وسائل الإعلام ودورها في ترسيخ الانحياز التأكيدي

يمكن أن ننظر لحالة قناتي الجزيرة و العربية كمثال على مفهوم التأكيد الانحيازي. هناك جمهور مخلص لكل واحدة من القناتين، يتابعها بشغف ويكاد يصدق كل ما تقوله. خذ مثلاً موقف القناتين من الربيع العربي، تتخذ الجزيرة بشكل واضح موقفاً إيجابياً من الربيع العربي وتدعمه، وتتخذ العربية موقفاً سلبياً منه وتدعم كل ما يدعو لفشله. كلا القناتين وداعميهما لديهم من المبررات والحجج ما يكفي لإشعارهم بأن موقفهم سليم وأخلاقي ومنحاز للشعوب. جماهير القناتين كذلك في الغالب يحملون نفس المواقف، فمن النادر أن تجد متابعاً مخلصاً للجزيرة يكون موقفه ضد الربيع العربي، ولا تكاد تجد متابعاً مخلصاً للعربية له موقف مؤيد للربيع العربي.

ما تفعله القناتان ووسائل الإعلام والمحللين السياسييين بشكل عام هو النظر للأخبار والأحداث بشكل عام، ثم انتقاء ما يحتمل أن يثير اهتمام جمهورهم، وتقديمه لهم بأسلوب وطريقة تدعم قناعات وآراء جمهورهم المسبقة. خذ حدثاً معيناً تناولته القناتان وستجد أن كل وسيلة إعلامية ستقوم بتقديمه بما يوافق توقعات جمهورها المسبقة ولن يحاولوا مصادمة الجمهور بتحليل مناقض لما كان يتوقع أن يسمعه منهم.
ولذلك يمكن القول بأنك تتابع وسيلة إعلامية معينة ليس لأجل المعلومات بل لأجل تأكيد قناعاتك المسبقة. وكذلك الحال بالنسبة لقراءة مقال لكاتب معين اعتدت منه أن يقدم لك رأيه وتحليله بما يتفق مع قناعاتك المسبقة، وأيضاً نفس الحال مع الكتب.


دور النقاد وصنّاع الرأي العام ومشاهير تويتر في ترسيخ الانحياز التأكيدي

ما يفعله النقاد وصنّاع الرأي العام هو ممارسة الانحياز التأكيدي بشكل واضح، ودعم انتشاره بقوة بين متابعيهم.

لظروف معنية تختلف من حالة لأخرى، يصبح لشخص معين متابعون كثر ويصبح ناقداً / صانع رأي. هؤلاء المتابعون في العادة يقومون بمتابعته وبمتابعة كل ما يقوله والاهتمام به لأنه يدعم قناعات مسبقة لديهم وليس لأن لديه أخباراً ومعلومات جديدة بالضرورة ، يعتقدون بأنهم يبحثون عنها.
يقوم هذا الناقد بنشر معلوماته وآرائه بأسلوب معروف به ومتوقع منه ليدعم قناعات متابعيه التي يعرفها ، فيعمل على تعزيزها لإرضائهم وإرضاء ذاته، وتوسيع وتضخيم دائرة متابعيه وتأثيره. لن تجد هذا الناقد يقوم بنشر معلومات أو آراء ضد ما يتوقعه متابعوه منه، وإلا فإن ذلك سيكون بمثابة الصدمة لهم وربما يكون لذلك نتائج عكسية.

مثلاً، ماذا سيحصل لو أن المغرد “مجتهد” قام بنشر معلومة أو رأي أو خبر يفهم منه أن الحكومة قامت بشيء إيجابي؟ سيتسبب ذلك في صدمة متابعيه وربما ثورتهم عليه وتخليهم عنه ، حتى وإن كانت المعلومة صحيحة تماماً. كذلك، ماذا ستكون ردة فعل متابعي محمد عبداللطيف آل الشيخ لو نشر خبراً أو معلومة يفهم منها موقف إيجابي عن جماعة الاخوان؟ سيستغرب متابعوه وسيهاجمونه حتى وإن كان الخبر صحيحاً . وفي نفس السياق ؛ فيما يخص محمد الشنار، ماذا لو نشر خبراً صحيحاً يفهم منه بأن الديمقراطية شيء جيد؟ ماذا لو نشرت الجزيرة خبراً صحيحاً عن جريمة ما ، ارتكبها شخص ينتمي لجماعة الاخوان؟ ماذا لو نشرت العربية خبراً صحيحاً يفهم منه بأن الانقلاب العسكري في مصر هو عمل كارثي وأهوج؟
في كل الحالات السابقة، سيشعر متابعو هؤلاء الأشخاص وتلك الوسائل الإعلامية بالاستغراب أو الصدمة، ليس لأن الخبر صحيح أو خاطئ ، ولكن لأنهم يتابعون هؤلاء الأشخاص وتلك الوسائل الإعلامية كونها تعزز قناعاتهم المسبقة (الانحياز التأكيدي)، وليس لأنهم يبحثون عن أخبار ومعلومات جديدة كما يتوهمون.
وسائل الإعلام والنقاد وصناع الرأي العام يعيشون على الانحياز التأكيدي وهم يعلمون ذلك في الغالب، وجل الناس مصابون بالانحياز التأكيدي (ميل الأشخاص لتفضيل المعلومات التي تؤكد أفكارهم المسبقة أو افتراضاتهم، بغض النظر عن صحة هذه المعلومات) بدون أن يعلموا في الغالب.

في رواية “الحقيقة”، يقول مؤلفها تيري براتشيت على لسان شخصية لورد فيتناري:

كن حذراً، الناس يحبون أن تخبرهم بما يعرفونه مسبقاً. إنهم يتضايقون عندما تخبرهم أموراً جديدة لم يكونوا يتوقعون سماعها منك بالذات. هم لا يتوقعون أموراً جديدة مفاجئة، ولذلك لا يرتاحون للمفاجآت. لا بأس أن تخبرهم مثلاً أن كلباً ما قام بعض إنسان. ذلك ما تفعله الكلاب. سيشعرون بالصدمة لو أخبرتهم عن قيام إنسان بعض كلب مثلاً! لأن العالم لا يجب أن يعمل بذلك الشكل.
ما يعتقد الناس أنهم يرغبون سماعه ، هو الجديد، ولكن ما يرغبون حقاً في الاستماع له هو الشيء المعتاد، القديم. إنهم يرغبون في سماع شيء يقول لهم بأن ما يعرفونه مسبقاً هو أمر صحيح.


دراسة الانتخابات الأمريكية

خلال فترة انتخابات 2008 للرئاسة الأمريكية، أجرى الباحث فالديس كريب دراسة على مشتريات الكتب السياسية التي تمت عبر موقع أمازون. وجد الباحث أن الذين قاموا بشراء كتب تظهر باراك أوباما بصورة إيجابية كانوا مؤيدين مخلصين لحملته الانتخابية وينوون انتخابه. والذين اشتروا الكتب التي تظهره بصورة سلبية كانوا جمهوريين، لا يحبونه وسيصوتون ضده. أي أن الذين اشتروا كتباً تصوره بصورة إيجابية أو سلبية، لم يشتروها لأجل المعلومات أو رغبة في معرفة الجديد، بل لتأكيد نظرتهم الإيجابية أو السلبية نحوه، النادر هو من اشترى كتاباً عن أوباما بتجرد تام لغرض الاطلاع الموضوعي المحايد وهذا شخص غير مصاب بالانحياز التأكيدي.

بالإضافة لبحثه في أمازون، أجرى كيرب الكثير من الأبحاث حول الشبكات الاجتماعية طوال سنوات. نتائج أبحاثه تقول: الإنسان يرغب أن يكون موقفه وفهمه ونظرته للعالم صحيحة، ولذلك فإنه يبحث عن المعلومات التي تؤكد قناعاته ومبادئه، ويتحاشى ويتجنب الآراء والأدلة التي تناقض قناعاته.


تجربة جين، حتى ذاكرتنا مصابة بالانحياز التأكيدي

تجربة أخرى شهيرة قام بها الباحثان مارك سنايدر و نانسي كانتور في جامعة مينيسوتا 1979، عرض الباحثان على مجموعة من الأشخاص قصة حياة 7 أيام لشخصية وهمية اسمها جين. خلال هذا الأسبوع قامت جين بأعمال وتصرفات ومواقف يمكن أن يفهم منها أنها ذات شخصية انطوائية وتحب الوحدة، وقامت كذلك بأعمال وتصرفات يفهم منها أن شخصيتها اجتماعية ومنفتحة.
بعد أيام، طلب من المجموعة العودة وقام الباحثون بتقسيم المجموعة إلى مجموعتين. المجموعة الأولى وجه لها سؤال محدد: هل ترون بأن شخصية جين مناسبة للعمل في وظيفة أمين مكتبة؟ (وظيفة أمين المكتبة في الثقافة الأمريكية مرتبطة بالأشخاص الانطوائيين والخجولين). أما المجموعة الثانية فقد وجه لها سؤال: هل ترون بأن شخصية جين مناسبة للعمل في وظيفة بائع عقارات؟ (وظيفة بائع/وكيل العقارات في المجتمع الأمريكي يشغلها الأشخاص الاجتماعيون الجريؤون البعيدون تماماً عن الانطوائية والخجل)
أفراد المجموعة الأولى تذكروا مواقف جين كشخصية انطوائية خجولة وقالوا بأنها مناسبة لوظيفة أمين مكتبة ، وأفراد المجموعة الثانية تذكروها كشخصية اجتماعية جريئة وقالوا بأنها تناسب تماماً العمل كبائعة عقارات.
عندما طرح على المجموعة الأولى سؤال عما إذا كانت جين تصلح أن تكون بائعة عقارات؟ اتفق الأعضاء على أنها لا تصلح لهذه الوظيفة واحتفظوا برأيهم الأول ودافعوا عنه بشراسة مؤكدين بأن وظيفتها المناسبة هي أمين مكتبة. ونفس الحال بالنسبة للمجموعة الثانية الذين رفضوا تماماً فكرة مناسبتها لوظيفة أمين مكتبة ودافعوا عن تقييمهم ورأيهم الأول بأنها مناسبة كبائعة عقارات.
تستنتج هذه الدراسة الشهيرة بأن ذاكرة الأشخاص كذلك يمكن أن تقع في فخ الانحياز التأكيدي، فتقوم الذاكرة باسترجاع الأشياء/المعلومات/الذكريات التي تؤكد قناعاتنا الحالية، وتتناسى/تنسى الذكريات والمعلومات والمواقف التي تناقضها.

حاول أن تسرد قصة من ماضيك وستجد أن ذاكرتك تحاول استرجاع أمور تؤيد قناعاتك الحالية وتتجاهل بقصد وبغير قصد أموراً ضد ما تعتقده وتؤمن به الآن.


دور قوقل في ترسيخ الانحياز التأكيدي

سهل الانترنت وقوقل سرعة الوصول إلى المعلومات والاستشهادات والأقوال بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية. هذا أمر رائع بحق، ولكن المشكلة إذا ما اعتدنا أن نبحث عن ما يؤكد قناعاتنا المسبقة فقط وبالتأكيد هناك الكثير منها. كتب المدون جستن أونقز:

شكراً قوقل، بإمكاننا الآن البحث عن أدلة تدعم حتى أكثر الآراء غرابة! إذا لم تظهر قوقل نتائج البحث المرضية لنا والتي تدعم تلك الآراء، فإننا لا نقوم بإعادة التفكير في الفكرة واحتمالية خطئها وغرابتها، بل نقوم بتعديل كلمات البحث والبدء من جديد لكي نصل للنتائج التي نرغب في الوصول لها

الانحياز التأكيدي، ملاذنا الآمن..

كلنا نبحث عن ملاذ آمن يحمي ويدعم قناعاتنا الحالية، نريد أن نطلع على ما يؤكد صحة ما نعتقده من آراء وأفكار، ونظرتنا تجاه المجتمع والعالم من حولنا. وسائل الإعلام وصنّاع الرأي والنقاد وقادة الفكر يعلمون مدى حاجتنا هذه، ولذلك يقومون بتقديم الآراء التي تطربنا عندما ترسخ ما نعتقده مسبقاً، ولا يحاولون التجرّد في نقل الخبر والمعلومة لأن ذلك سيصدمنا ويجعلهم يخسروننا كمتابعين.

المشكلة الكبرى هي عندما تلتحم آراء الفرد مع صورته الشخصية التي كونها حول ذاته ويتخيلها لنفسه، تلك اللحظة يصبح من الصعوبة أن يتنازل الفرد عن رأي معين ورؤية معينة دون أن يتسبب ذلك في الإضرار بشخصيته ونفسيته.

في دراسة في جامعة أوهايو عام 2009 أظهرت النتائج بأن الشخص يقضي 36% وقتاً إضافياً في قراءة مقال/تقرير إذا كان هذا المقال يتماشى مع آرائه المسبقة.

مع مرور الوقت، وعندما يتوقف المرء عن الانفتاح على آراء أخرى ومضادة، فإنه وعبر سنوات من قراءة مجلات وصحف وكتب وآراء معينة من خط واحد، وعبر مشاهدة قنوات وبرامج محددة، يتكون لديه ثقة كبيرة حول صحة نظرته للحياة عبر منظوره الذي خرج به من تعريض عقله وذاكرته لذلك الخط الوحيد، ولا يكاد يقبل التشكيك في صحة رؤيته للعالم.

ولذلك، في المرة القادمة عندما تقول لي يا صديقي بأن وجهات نظرك موضوعية ومنطقية ووسطية وجميلة، قل لي كم اعطيت من اهتمام ووقت وجهد لاكتشاف معلومات وآراء مضادة لرأيك، تختلف عنها وتتحداها؟ هل بنفس المقدار الذي أعطيته للمصادر والأشخاص الذي يؤكدون قناعاتك المسبقة؟

يقول ديفيد مكريني -بتصرف-: في العلم، يقولون بأنه حتى تقترب من الحقيقة وتؤكدها فإنه يجب عليك أن تسعى للبحث عن أدلة مضادة تنقضها، ربما علينا عمل نفس الشيء بالنسبة لآرائنا. حتى نتأكد من صحتها، ربما يجب علينا البحث عن ما يضادها وندرسه بحياد بدلاً من البحث عن المزيد من الآراء التي ترسخ قناعاتنا المسبقة.

كلنا مصابون بالانحياز التأكيدي، نميل لتفضيل المعلومات التي تؤكد أفكارنا المسبقة وافتراضاتنا، بغض النظر عن صحة هذه المعلومات. من الجيد معرفة ذلك والإقرار به. ربما حان الوقت لأن نتعامل معه إن استطعنا، ولكن علينا أن نكون مستعدين لدفع الثمن.

مصادر: