مما يدعوا للعجب أن كثير من الفضلاء عندما يرى الظلم الذي تمارسه الحكومات العلمانية الديمقراطية يستغرب كيف أن هذه الحكومة الديمقراطية وفيها هذا الظلم، أو التعدي على حقوق الانسان أو الحرب الصريحة على الاسلام والمسلمين، والواقع أن المتعجب هذا لم يعرف الديمقراطية حق المعرفة، وإنما انخدع ببعض المظاهر البراقة التي تستخدم لخداع السذج من الناس.

وتعريف الديمقراطية حسب قاموس أوكسفورد ”نظام حكم يمتلكه الشعب ويديره عبر ممثليه بالانتخاب“[1] فالمتأمل لهذا التعريف يجد أنه يخلوا من معيار للعدل والظلم والصواب والخطأ والأخلاقي واللاأخلاقي، وهذا من أبرز عيوب الديمقراطية ألا وهو غياب المعيار المبني على الحجة والبرهان، كما أن (الديمقراطية نظام مخالف للإسلام ؛ حيث يجعل سلطة التشريع للشعب، أو من ينوب عنهم (كأعضاء البرلمان) ، وعليه: فيكون الحكم فيه لغير الله تعالى ، بل للشعب، ونوابه، والعبرة ليست بإجماعهم، بل بالأكثرية، ويصبح اتفاق الأغلبية قوانين ملزمة للأمة، ولو كانت مخالفة للفطرة، والدين ، والعقل)[2] فكل طريق للظلم والعمل اللاأخلاقي يمكن الوصول إليه بشرط أن يكون عن طريق التصويت أو الانتخاب، فلا عجب أن يكون العمل ظلم ولا أخلاقي وبنفس الوقت ديمقراطي بامتياز، إذن فعبارات الاندهاش من الظلم الذي تمارسه الحكومات الديمقراطية سواء على شعوبها أو على الشعوب الأخرى خصوصًا المستضعفة لا محل لها من الإعراب.

فإذا صادفت أحدا يدافع عن الديمقراطية أو يراها طريق للحقوق فاطرح عليه هذا السؤال: هل الديمقراطية حق أمْ باطل؟ فإذا كانت حق (هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) كما أن المعضلة الأكبر غياب المعيار المبني على الحجة والبرهان، وهذا ما يوجد بوضوح في الوحي الإلهي والتشريع الرباني وهدي الأنبياء والرسل. 

وإذا أردنا أن تستقصي الأعمال الظالمة واللاأخلاقية وبنفس الوقت ديمقراطية فسيستغرق الأمر مجلدات ولكن لو أشرنا إلى بعض مظاهر الظلم القاسي والأعمال اللاأخلاقية الشنيعة التي تمارس وبتوقيع ديمقراطي، ويمكن توضيح بعض هذه الجرائم فيما يلي:

  • إقصاء الشريعة الاسلامية والعمل بها حتى في الدول الاسلامية، فأمر الله تعالى يؤخذ منه ويرفض وما يؤخذ منه يحتاج لموافقة الشعب أو ممثليه كما يزعمون، فلا قيمة في الديمقراطية لأمر الله ولأمر رسوله مالم يحصل على توقيع من مالك الحكم وهو الشعب أو ممثلي الشعب حسب خرافاتهم، وما قبلوه من الشريعة اليوم يرفضونه غدا، وما حرموه بالأمس يحلونه في الغد، وهكذا تصبح أوامر الله وأخص حقوق الله ألعوبة في يد هؤلاء الظلمة، فالحاصل أن في الاسلام (كلمة الله هي العليا) وفي الديمقراطية (كلمة الشعب أو ممثليه هي العليا) وهذا الواقع وإن يقولوه بألسنتهم.
  • لا تكاد تجد دولة ديمقراطية إلا وهو غارقة في أوحال الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فالدول التي تحتل المراتب الأولى ديمقراطيا تجدها منحطة اخلاقيًا فالزني حق، والعمل بالبغاء مهنة (شريفة) ومقننة وإثبات ذات، والفواحش مباحة بما في ذلك اكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء أي عمل قوم لوط والسحاق أو ما يسمى بـ(المثلية)، وبلغ بهم الانحطاط حتى أنهم يمارسون الجنس ويتزوجون الحيوانات، فزواج المرأة من قرد او كلب حرية جنسية، ولا ندري أين سيصل بهم السعار الجنسي والهوس الشهواني، وتحيا الديمقراطية!!! 
  • قال تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (أي وبئس طريقا ومسلكا) كما قال بن كثير رحمه الله، فطريق الزنا طريق بائس وسيء والديمقراطيات المتقدمة أوغلت بعنف في الفواحش عامة والزنا خاصة، ومشوا في ذلك الطريق المظلم والقذر، فإلى ماذا وصلوا؟ انتشر الزنى ومعه انتشر الحمل بالسفاح، ثم رغبوا في التخلص من هذا الحمل فأباحوا قتل الأجنة (الإجهاض) وجعلوه حقًا، وبذلك شرعوا لأنفسهم وبطريقة ديمقراطية إباحة قتل الأنفس البريئة بل وتسمية ذلك (حق) ودعوة وربما الفرض على الآخرين لا سيما مجتمعات المسلمين تبني هذا الجرم العظيم والظلم الواضح، فهذه الأنفس البشرية التي يزعمون أن ازهاقها حرية (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) لكن الديمقراطية جاهلية عمياء لا مانع فيها من تسمية الظلم والإبادة للأبرياء حقًا وتقدم، والله المستعان حيث(تُجرى سنوياً نحو 73 مليون حالة إجهاض متعمّد في جميع أنحاء العالم)[3] مع العلم أن كثير من حالات قتل الأنفس البشرية البريئة الذي يسمونه (حق الاجهاض) تجرى بغطاء ديمقراطي، وتخرج المظاهرات في الدول التي تمنعه للمطالبة بالحصول على هذا (الحق) الإجرامي، ثم يأتي من يزعم أن الديمقراطية هي الحل، بينما لم تسلم من إجرام الديمقراطية أجنة بريئة في بطون أمهاتها لا ذنب لها. 
    • كما أن جرائم قتل أجنة البريئة بالملايين يجري تحت غطاء ديمقراطي، كذلك يوجد صنف من البشر أزهقت أرواحهم ظلما وبالملايين وبغطاء ديمقراطي، هذه الجريمة تشمل القتل والتدمير والنهب والسلب والتشريد ومحاربة الأخلاق واغتصاب حقوق الناس بالحديد والنار، كل هذا فيما يعرف بالاحتلال، و كثير من الدول الديمقراطية وبموافقة ممثليها وبرلماناتها ودساتيرها الديمقراطية احتلت شعوبا أخرى، وأوغلت فيها قتلا وتشريدا وتدميرا ونهبا وسلبا واغتصابا للحقوق، ومن أبرز هذه الدول بريطانيا وفرنسا وأمريكا، وكل الذين اتخذوا قرار الحرب والاحتلال في هذه الحكومات الجائرة جاءوا عن طريق الصندوق وبإرادة الشعب كما يزعم كهنة الديمقراطية، فماذا استفاد ملايين المظلومين من الديمقراطية الغربية، وهل منعت عنهم الظلم فضلا أن تجلب لهم الرفاهية والسعادة، فياليت أن هذه الأنظمة الديمقراطية الاحتلالية الإجرامية أمسكت عن المستضعفين خيرها وشرها. 
    • أما ثالثة الأثافي من جرائم الديمقراطية فهو التطاول على حق رب العالمين، فعلاوة على استبعاد كلمة الله في الحكم وجعلها للمخلوق يمكن وبطريقة ديمقراطية سب أنبياء الله والاستهزاء بهم والسخرية منهم واعتبار ذلك حق من الحقوق، بل وميزة وتنوير وتطور ونضج ديمقراطي، كما يمكن حرق نسخ من كتاب الله عز وجل بقصد إهانته وذلك بكفالة من الدستور الديمقراطي والقوانين الديمقراطية التي تمثل إرادة الشعب كما يدعي هؤلاء الظلمة، فمن حقك أن تسخر من رسول الله صلى اله عليه وسلم بل ومن رب العالمين سبحانه، وكل ما ينقصك فقط فقرة في دستور وافق عليها أغلبية الناخبين، أو أغلبية أعضاء البرلمان .. قبح الله ديمقراطيتكم، وأخزى الله من دافع عنها أو روج لها في بلاد المسلمين (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)، ثم يأت بعد ذلك من يزعم أن الديمقراطية هل الحل، بل هي طريق لجنهم وبئس المصير.

 

والحقيقة أن كل جريمة مهما عظمت مبررة ديمقراطيا بشرط الولوغ من باب التصويت والانتخاب، لأن المعضلة الكبرى والثغرة العظمى والضعف الواضح في الديمقراطية هو غياب المعيار الموضوعي للصواب والخطأ، ولم ولن تكون حلا لمشاكل الناس، والنهج الوحيد الذي يحل جميع مشاكل البشرية هو الوحي الإلهي المتمثل اليوم في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

 

[email protected]