مما نسب الى ابن الجوزي قوله : (( يعرف الأحمق بست خصال: الغضب من غير شيء , والإعطاء في غير حق , والكلام من غير منفعة , والثقة بكل أحد , وإفشاء السر , وأن لا يفرق بين عدوه وصديقه , ويتكلم ما يخطر على قلبه ويتوهم أنه أعقل الناس )) والبعض عدها من صفات الجاهل ايضا , ونسبه الى غيره ؛ ومن الجدير بالذكر , كان يجب عليه ان يقول : يُعرفُ الأحمقُ بثمانِ خِصال لا ست ؛ كما ذهب الى ذلك بعض الكتاب , لان الصفات ثمانية وليست ستة .
في البدء لابد لنا من تعريف الحمق او الاحمق ؛ اذ يقول ابن الأعرابي : الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت ، فكأن الاحمق كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر حرب وغيرها ، وبها سمي الرجل أحمق لأنه لا يميز كلامه من رعونته ... ؛ فالأحمق إذا أطلق في اللغة العربية يراد به ناقص العقل ضعيف التصرف، لا يسعفه عقله في كثير من المواقف التي تواجهه ... , وقد ذكر ابن الجوزي علامات للأحمق يعرف بهن , ومن هذه العلامات ؛ انه يغضب من غير شيء .
الغضب مذموم حتى وان كانت له اسباب ؛ لأنه يدل على عدم سيطرة الشخص على مشاعره واعصابه ؛ نعم هنالك حالات محدودة يجب فيها الغضب ... , اما اذا غضب المرء من دون سبب معقول او انفعل لأتفه الاسباب ... ,وفقد سيطرته على مشاعره واعصابه واصبح اسيرا للغضب والانفعال والهيجان والهستيريا ... ؛ فأنه احمق او جاهل ؛ لان العاقل يسيطر على مشاعره واحاسيسه ويسير خلف عقله لا عواطفه ونزواته وانفعالاته .
ومن صفات الحمق : الاعطاء في غير حق ؛ او إنفاق المال على وجه التَّبذير وفيما لا ينبغي , لان العطاء في غير موضعه سفه , فالعطاء في غير محله يأخُذ من رصيدك ويستنزف مواردك ولا يعود عليك بأية فائدة تذكر ؛ لذا قال الامام علي : (( مالك لا يغنى الناس كلهم فأخصص به أهل الحق )) .
والصفة الثالثة : الكلام من غير منفعة ؛ فالشخص العاقل والحكيم لا يتحدث الا بما يعود عليه بالخير والفائدة والمصلحة او يتكلم لأسباب ضرورية وملحة ومعقولة ... , وقد نسب للنبي محمد : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت )) فالمرء إذا أراد أن يتكلم ؛ فإن كان ما يتكلم به خيرًا ويعود عليه بالنفع فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير او انه مجرد ثرثرة وفضول وهراء ... فليمسك عن الكلام ... ؛ وقال الامام علي : ((تعرف حماقة الرجل في ثلاث : في كلامه فيما لا يعنيه ، وجوابه عما لا يسأل عنه ، وتهوره في الأمور ))
ومن علامات الاحمق – وفقا لما قاله ابن الجوزي - : والثقة بكل أحد ؛ ولعل قول الاحنف بن قيس يوضح لنا الامر , اذ قال : ((إذا كان الغدر في الناس موجودا ، فالثقة بكل أحد عجز )) وبما ان الغدر موجود بين الناس , ولا يخلو زمان من صالح وطالح فالثقة بكل من هب ودب تعتبر من امارات الحمق والعجز والجهل والغباء ... ؛ فقد تتعرض لمواقف مؤلمة نتيجة ثقتك الزائدة بالآخرين ، و الثقة بكل أحد قد تجعلنا نتعرض للخيبة والصدمات والخسائر والنكبات .
ومن دلائل الشخص الاحمق او الجاهل : إفشاء السر ؛ وذلك لان افشاء الاسرار يعد خيانة للأمانة ، ونقض للعهد , وإخلال بالمروءة , وإفساد للصداقة، ومدعاة للتنافر , و يفقد الثِّقة بين الإخوان ؛ لان في إذاعة السرِّ ما يجلب العار والفضيحة للمفشي عندما يعرف بذلك من استودعه هذا السرِّ ... ؛ لذا عده البعض من دلائل قلة الصبر، وضيق الصدر , وانعدام التعقل , بل دليل على لؤم الطبع، وفساد المروءة .
ومن الصفات ايضا : أن لا يفرق بين عدوه وصديقه ؛ فمن تمام سعادة المرء ووفور عقله أن يفرق بين عدوه وصديقه ولا يصل الشخص إلى تحقيق مصالحه ودرء مفاسده إلا بتمييزه بين أهل العداوة وأهل الصداقة ، واما السفيه والاحمق فهو ذلك الشخص الذي يرى صديقه و عدوه بعين واحدة ولا يستطيع التمييز بينهما .
ومن امارات الاحمق او الجاهل ايضا : ويتكلم ما يخطر على قلبه ؛ وقد قال أبو حاتم - ابن حبان البستي - : (( وإنَّ مِن أعظم أمارات الحُمْق في الأَحْمَق لسانه ؛ فإنَّه يكون قلبه في طرف لسانه، ما خطر على قلبه نَطَق به لسانه ... )) فالكلام الذي ينطق به اللسان عندما يخرج من الانسان بعد التفكير والتمحيص خليقٌ به أن يجلب المنفعة، ويدفع المضرة ... , واما الاحمق فهو يتكلم طبقا لمزاجه , وتقلباته العاطفية ,ومشاعره القلبية المتغيرة والمتناقضة احيانا , والخواطر العابرة .
واخر امارات الاحمق : يتوهم أنه أعقل الناس ؛ ومما جاء في كتاب الاختصاص / ص 221 , انه نسب للنبي عيسى : ((– لما سئل عن الأحمق – ؛ اجاب : المعجب برأيه ونفسه ، الذي يرى الفضل كله له لا عليه ، ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا ، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته )) , و مما جاء عن الامام علي قوله : ((أحمق الناس من ظن أنه أعقل الناس )) ولسفهه وغروره يرى الأحمق أنه يتفوق على غيره ويحسب نفسه أكثر ذكاء وأكبر عقلا من غيره، ولا يدرك أن أحمق الناس هو الذي يظن ويتوهم أنه أعقلهم، وهذا عائد لجهله وامراضه النفسية .