تحت عنوان (الحق في الحلم) يجاهر غاليانو بأحلام شبه مستحيلة، فيحلم بهواء نقي من كل السموم عدا دموع الإنسان وأهوائه، بسيارات نقتادها ولا تقودنا، بكمبيوترات لا تبرمجنا، بأسواق لا تستهلكنا، ويختم أحلامه قائلًا: "ولن يكون التلفزيون أهم فرد من أفراد الأسرة وسوف يُعامَل مثله مثل المكواة وآلة الغسيل" وهذا الحلم يبدو الآن كنبوءة قديمة أكثر من كونه مجرد حلم.
في السابق كتب الخبراء والمختصون عددًا من المقالات في هجاء التلفزيون، وأدانوا العائلات التي صارت تعتبره فردًا من أفرادها يتحلقون حوله ويفقدون قدرتهم على الحوار والإنصات لأنهم لا يجتمعون إلا عليه ولا يستمعون إلا إليه حتى أصابهم الصمم.
لكنّ التلفزيون كان طيبًا وحنونًا يلملم أفراد العائلات حوله، يجمعهم ببعضهم ليسرد عليهم مايسرد. كان أطيب من شاشات الأجهزة الذكية التي ابتلعت كل الكلام الآن وقضت على فكرة المشاركة وتآمرت مع الوحدة فأفردت كل شخص بهاتفه وخلقت له عالمًا من الوحدة والسأم والصمت، فصار أبكمًا لا ينطق إلا عن طريق أصابعه.
لكنّ هذه الهواتف التي أقصت الناس عن الناس ونكّست رؤوسهم على شاشاتها، سنتذكرها في الغد القريب كما نتذكر تفاصيل ماضٍ حنون، سنحنّ إليها حين يعْصب كل فرد عينيه بنظارة الواقع الافتراضي ويصيرُ أعمى بعد أن كان أبكمًا أصم.
انسحبت الشاشات من مكانها المتسع في غُرف المعيشة واحتلت أيدي الناس، وتنسحب الشاشات الآن من بين أيديهم لتحتل وجوههم وتغطي عيونهم، وربما في المستقبل ستنسحب من وجوههم لتسكن رؤوسهم فينسحب الناس مثلها من كل مكان ويعيشون معها بعيدًا عن حيز وجودهم.