لعبت معهم لعبة الخيال ، كنا نجلس بشكل منظم على متن طائرة متخيلة ، قال أحد الأطفال سنسافر إلى المحيط ، مددت يدي على جانبي وأعلنت الإقلاع ، مدّ الأطفال أجنحتهم وحلقنا معاً ، شعرت بالهواء تحت أقدامي حين انبثق وميض الدهشة في عيونهم ، طار بجوارنا سرب غفير من الطيور المهاجرة ، قال أحدهم ببغاوات وقال الآخر حمام ، قالت طفلة : أولاد صغار يلبسون أجنحة ! .. تمايلنا مع الريح يمنة ويسرة ، وضحكنا حين كاد طفل ان يقع من على كرسي الفصل ، أوشكنا على الهبوط ، اقتربنا من المدرج ، كان بستاناً ملوناً بالزهور قطفنا معظمها ونحن نعبر تلك السماء ، صاحت طفلة : رأيت زرافة ! .. لقد أدرك الأطفال أن عالمنا الصغير هذا متاح فيه كل شيء ، حتى الزراف ، بالخيال يمكننا أن نحكم العالم ، انتهت الرحلة ، شعرنا ببهجة كبيرة ، خبأت بعضها في جيب حقيبتي حتى أنثرها على جدار أيامي بين فينة وأخرى ..

"إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء" ..*بورخيس*

تجلس إلى جانبي الآن بصمت ، لم نتبادل الكلمات ولا النظرات ، لكننا تبادلنا ذرات الهواء ذاتها ، حملت رئتي الممتلئة بك وعدتُ إلى عالمي ، لا وجود لك هناك سوى في الأغنيات ، قليلة الأغنيات التي تشبهك ، وحزينة إلى حدٍ ما ، لكنها ليست صامتة .

هناك فجوة موجعة بين الخيال والواقع ، الخوف من الحقيقة يبقيك عالقاً في عالمك المتخيل ، ليصبح الوهم بديلاً لها ، إنهم يدافعون عن أوهامهم لأنها تبقيهم حسب ظنهم في الوضع الآمن ، ويخشون الوعي لأنه سيفتح عليهم أبواب جهنم ! .. 

خيالك ينبت من ثرائك العقلي ومن وعيك بذاتك وبالحياة ، خيالك مساحاتك الحرة والخضراء ، اجعله متسعاً وجريئاً وانطلق في خلق كائناتك كما تشاء ، لا تكن فقير الخيال فتهلك روحك وينضب عقلك .