الحمار يحكم المدينة
بقلم: محمود خليفة
بعد اختفاء أكثر من 250 ألف حمار فجأة، وانتشار الشائعات القائلة بذبح تلك الحمير، بدأت لجنة قومية "لدراسة تأثير لحوم الحمير على العقول"، تبحث بجدية وعناية للوصول إلى كل منطقة دخلت إليها لحوم الحمير المفقودة؛ وخاصة أن اللحم يُؤكل بصورته الأصلية أو يدخل في صناعة أشكال كثيرة من الأطعمة مثل لحوم البسطرمة واللانشون واللحوم المفرومة وغيرها.
وأحث رئيس اللجنة أعضاءها لكي يدرسوا بعناية سلوك السكان في المناطق السكنية المختلفة للوصول إلى الشريحة التي وصل لحم الحمير إلى أجسادها.
بدأت اللجنة القومية بدراسة سلوك الوزارات والهيئات المختلفة، ودرست أيضا سلوك العوام، فصعقت بما وجدته:
وزارة الخارجية
أعضاء وزارة الخارجية في مجلس الأمن (يوافقون) على قرار أممي (فيتو) ضد حماية شعب من البراميل والقذائف المتفجرة فوق رؤوسهم يوميا وما ينتج عنها من قتل وتدمير لكل شيء منذ عدة سنوات، ووصل عدد القتلى أكثر من ثلاثمائة ألف نفس.
فكيف توافق أي دولة على فيتو ضد حماية شعب من القتل اليومي؟! أما ما صعق لجنة (دراسة تأثير أكل الحمير)، فهو موافقة وزارة الخارجية على (قرار مخالف تماما للقرار الأول) وفي ذات الجلسة في مجلس الأمن!
فهل وُجدت دولة في العالم وافقت على حل أممي (وعكسه) في الجلسة الأممية نفسها؟! وحتى لو كان الأمر (لعب أطفال)، ما حدث هذا أبدا!
وبعدما صعقت اللجنة القومية بما وجدته في وزارة الخارجية، تيقنت أن لحوم الحمير و (أحماضها الأمينية) قد تشعبت في (أمخاخ) أعضاء لجنة وزارة الخارجية.
وزارة الزراعة
تقوم وزارة الزراعة بزراعة النباتات بمياه الصرف الصحي، فكيف يكون ذلك كذلك؟! وهل يعقل أن تستخدم مياه المجاري في الزراعة؟! وإذا كان الشعب سيأكل من هذه الأطعمة؛ لأنه لم يعلم طبيعية المياه التي روت المزروعات، فكيف سيأكل موظفو وزارة الزراعة وأهلهم من الأغذية النباتية (المروية بمياه المجاري) حتى لو عُولجت؟ أم سيزرعون طعامهم النباتي بأنفسهم بعيدا عن مياه الصرف الصحي؟!
وزارة التموين:
هذه الوزارة مسئولة عن استيراد القمح منذ سنوات بعيدة. فلماذا لا تضع خطة مدروسة مع وزارة الزراعة للاكتفاء الذاتي من القمح؟
وما أدهش لجنة (دراسة تأثير لحوم الحمير)، أن وزارة التموين قد استوردت (قمحا مسرطنا) بالرغم من المعرفة الجيدة بذلك قبل الاستيراد، وإذا كان ذلك نوعا من الفساد، فكيف سيأكل أعضاء وزارة التموين (المسئولة عن الاستيراد) من ذلك القمح الذي يغزو كل أفران البلد؟!
ومن دراسة أحوال وزارتي الزراعة والتموين ، خرجت اللجنة القومية (لدراسة تأثير لحمم الحمير على العقول) بنتيجة مفادها:
"أن الإنسان يستطيع أن يخدع العالم ويكذب عليه، ولكنه لا يستطيع أن يخدع نفسه ولا أن يكذب عليها إلا إذا قد أكل وشبع وترعرع في لحوم الحمير!".
وزارة التعليم
وجدت اللجنة أن الجامعات والمعاهد خارج التصنيف الدولي، ولا يُعترف بشهاداتها من زمان. والدولة نفسها تُصنف من الدول الفاشلة (فشلا مدويا)!
مجلس الشعب
في مجلس الشعب، وجدت اللجنة القومية (لدراسة تأثير لحم الحمير على العقول) (الموافقة بالأغلبية) على العمل بالتوقيت الصيفي مع التصفيق الحاد، وفي ذات الجلسة، وافقت هذه الأغلبية على (إلغاء العمل) بالتوقيت الصيفي بذات التصفيق الحاد!
الإعلام:
لا ينفك نهارا وليلا عن إذاعة أن الدولة (تحارب الإرهاب)، وإذا كان ذلك كذلك، فكيف سيتطور الاقتصاد؟ وما مصير التنمية والاستثمار؟ وكيف ستأتي حركة رأس المال العالمي لإقامة مشاريع عملاقة والغير عملاقة وحتى النحيفة؟ وكيف ستزدهر السياحة؟ وكيف ستتطور البلد؟
وما أدهش أعضاء لجنة (دراسة تأثير أكل الحمير)، هو هتاف الزعيم في كل وقت وحين "أن البلد تحارب الإرهاب، والمعركة طويلة طويلة، والإرهابيون يطورون أنفسهم..."!
فإذن، لا نهاية للمعركة مع الإرهاب تبدو في الأفق!
وأخيرا، تيقنت اللجنة أن المسئولين قد تشبعوا من أكل الحمير، أو أنهم معتوهون!
اعتقال منْ يمسك علم بلده
أما ما صعق اللجنة فهو (تكريم) منْ يثبت ملكية أراضي بلده لبلد آخر، وفي الوقت نفسه، فإن منْ يثبت العكس ويمسك علم بلده ويرفعه عاليا، فإنه يسحل ويعتقل ويذهب به وراء الشمس!
اسم الزعيم موجود على كل شيء وحتى على السكر
وما أدهش اللجنة هو وجود اسم الزعيم على كل شيء في الدولة مثل أسماء المدن، والمؤسسات، والمدارس، والأندية الرياضية، والبحيرات، وحتى على السكر ورغيف الخبز!
وإذا كان الزعيم مجنونا أو (قد أكل لحوم الحمير أكلا)، فكيف يصمت الشعب على هذه المهزلة الغير مسبوقة في تاريخ البشر (الذين يأكلون طعام البشر)؟!
القوة الناعمة
تيقن أعضاء اللجنة، أن لحوم الحمير قد غزت عقول الكثير من زمان؛ وخاصة أن تلك الأمة حينما كان عدد أفرادها حوالي 30 مليونا، كانت قوتها الناعمة مزدهرة أيما ازدهار، وكانت الأرض تحمل في جوفها العلماء والمفكرين والفنانين والعباقرة في كل المجالات، والذين يظهرون كل حين، ويتسلمون الراية من جيل إلى جيل، ولما وصل تعداد تلك الأمة إلى ما يقرب المائة مليون، نضب معينها في قوتها الناعمة وحتى في الألعاب الرياضية مثل (لعبة كرة القدم وغيرها)، وأضحت خارج الحضارة والتاريخ والأمم المتقدمة...
الأغاني والطرب
وجدت اللجنة أن الطرب الأصيل قد اختفى من زمان، والأصوات الفنية العذبة قد اضمحلت تماما، والأصوات النشاز هي المستعلية على الساحة الفنية، والأغاني الموجودة هي من نوعية (بحبك يا حمار. ويا حمار بحبك...).
العلم يقلد وسام الجمهورية
أما ما أزعج اللجنة فهو تقليد الزعيم لعلم الدولة (وسام الجمهورية). ما هذا؟ كيف يُقلد العلم وسام الجمهورية؟ وكيف يُركب هذا مع ذاك؟!
وهل في المرة القادمة، سيقلد وسام الجمهورية بالعلم؟!
الزعيم يُترجم خطابه بلغته
أما ما جعل أعضاء اللجنة يضربون كفا بكف من الاندهاش، فهو قيام أجهزة الإعلام ببث ترجمة لخطاب زعيم الأمة لشعبه وللعالم بلغته ذاتها وليس بلغة أخرى.
ما هو مفهوم لكل ذي عقل، أن الخطاب يُترجم للأمة إذا كان هذا الخطاب بلغة تختلف عن لغة الأمة، أما أن تتكلم الأمة بالانجليزية (مثلا)، وتُترجم لغة خطاب الزعيم (الانجليزية) لأمته التي تتكلم بالانجليزية أيضا، فهذا غير مسبوق في كل تاريخ البشر (الذين يأكلون طعام البشر)!
السكة الحديد
وجدت اللجنة كثرة حوادث القطارات وخروجها عن الخط الحديدي بطريقة غير مسبوقة في تاريخ العالم كله منذ إنشاء السكة الحديد. وحتى حوادث الطرق رهيبة وبأعداد مهولة!
فتوصلت اللجنة إلى احتمالين؛ أحدهما أن جزءً كبيرا من الشعب قد أكل لحوم الحمير من زمان، أو أن هذا الجزء من الشعب يتعاطون المخدرات أثناء قيادة القطارات والسيارات، أو الاثنين معا!
وأخيرا، طوت "اللجنة القومية لدراسة تأثير لحم الحمير على العقول" دفاترها، وتيقنت أن لحوم الحمير قد تشعبت وانتشرت في الغالبية العظمى من العقول حينما وجدت انهيارا في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية...، ويبدو أن الدولة كلها قد خرجت خارج والحضارة والتاريخ.
وبعدما وجدت اللجنة (قرارات أممية) ضد حماية الأرواح من الحروب وويلاتها، تيقنت أن الحمار لا يحكم بلدهم فقط بغزو لحمه للعقول، إنما يحكم العالم أيضا ومعه الظلم والجبروت والطغيان.