بيت جدي السحري 


الأرض، الحدائق، الكروم، البيوت :


بيت جدي في كفر زيباد ، بناه ولم يسكنه، ربما كان يخطط للعودة اليه عندما زرعته هزيمة ال ٦٧ في مدينة الزرقاء الأردنية، لا أدري، لكنني سمعت أن حقائب الجده كانت حاضرة لعودة لم تحدث، تآمر الموت على حلمها البسيط ، كما تآمر على جدي قبلها متآمران : الهزيمة والموت . 


ترى : لو كنت أعلم قصة البيت الحزينة - وأنا صغير أتجول حوله وكأنني أكتشف أرضاً سحرية - هل كنت أستمتع باكتشاف خبايا البيت : الأشجار المهيبة، البئر، وتلك الزيتونة الضخمة في احدى زوايا السور المحيط بالبيت ؟ . 


ربما كانت هذه القصة هي السر الذي كنت أشعر أن المحيط الساحر للبيت يخفيه .... كنت أتجول خلف البيت ، تحت بضعة أشجار عالية متشابكة، والأرض، الأرض كانت تميل للجفاف، وعندما كنت أمشي عليها ببطء، وحذر، يليق بأرض سحرية مجهولة، كانت اصوات الأغصان والأوراق الجافة تزيد الجو غموضاً ... 


كان ذلك المكان من البيت جميلاً وشاحباً، وكأنه جزءٌ من حديقة عتيقة هجرها أصحابها ... الآن أدرك هذا ... 


كانت الأشجار - بالنسبة لذلك الطفل الذي كنته - عالية، وكأنها تتمنع على الطامعين بثمارها ... لن تعطي أحداً بسهولة إلا جدي، الآن أدرك هذا ... 


كان السور بلون الطين، مع ميل إلى السواد، وكأنه سور قديم قديم ... وكأنه فاصل بين عالمين ، عالمٌ ساحر سري داخله ، والعالم المعتاد خارجه ... سيحافظ السور على البيت من اجل جدي ... الآن أدرك هذا ...


الآن حللت اللغز، وفككت السحر، وعرفت السر ...


 إنها الحرب التي وأدت الحلم، كان البيت جديدا يتشوق لعودة بانيه، ولكنه لم يعود ... شحب البيت، وشحبت الاشجار، وتيبست الأرض، واحتضن السور القصة الحزينة... 


تشربت التربة المأساة، وامتصتها الأشجار، وطفل صغير كنت ، أحس بأن هناك شيء غريب في ذلك البيت، سر، سحر ... لكنه ليس السر الذي ظننت، السر العجائبي الخرافي، الخارق للطبيعة؛ انه سر انساني حزين .... 


البيوت، الكروم، الحدائق : 


 ضاعت بيار عدس القريبة من قلقيلية في ال ٦٧، لم يبق الا البيت الكبير وسط قلقيلية . لم يكن بيت جدي ابراهيم في قلقيلية، ذو جو سحري كبيت جدي رؤوف في كفر زيباد . لكنه سيتغير كثيراً، سيأكل البناء "قاع الدار "، و جنينة صغيرة خلف البيت .... سيرحل الجد والجدة، وسيبدأ البيت بالشحوب، لكنني الآن افهم لغة البيوت أكثر، فلم أتجول بحثا عن سر الشحوب والجو الغريب ... 


عمتي - التي رافقت جدتي سنوات طويلة- سترحل الى كفر زيباد ... لن تسكن البيت السحري، ستسكن بيتا بلا حديقة ! . ستوقظ التربة، ثم تحييها بالماء الشحيح في تلك المنطقة، ستودع بعض النبتات والشتلات في رحم الأرض، سترعاها بصبر وإصرار ، بعد سنوات ستحصل على حديقة صغيرة ... 


حديقة عمتي ليست كجنينة بيتها القديمة ، وليست بالطبع كبيار عدس الواسعة الخصبة ... لكنها ستظل ترعاها ... 


ماذا لو انتقلت الى البيت السحري في كفر زيباد ؟ .


ستخاطب تربته، ستوقظها، ستحييها ... انها تتقن مخاطبة الأرض، وفك السحر ... 


#خواطري_علاء_هلال