هاشم الرفاعي
17 نوفمبر 2016

لم يكن متوقعاً فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فضلا عن الفرق الساحق لصالحه، وكانت استطلاعات الرأي تشير، وتؤكد بكل ثقة، على تقدم هيلاري كلينتون. ولكن، وقع ما لم يكن في الحسبان، بعد سباق رئاسي اتسم بالقذارة واللعب على الموضوعات الفضائحية الأخلاقية، لا على البرنامجين السياسي والاقتصادي والتطلعات المستقبلية، بل كانت مجمل الملفات الساخنة هي فضائح ترامب الجنسية، وبريد هيلاري كلينتون المخترق. كانت هيلاري متقدمة أخلاقياً على ترامب في نظرتها إلى الأقليات الإثنية والدينية والمهاجرين غير القانونيين، كانت تحاول أن تكون أكثر قرباً منهم، وأكثر عقلانية في تناول هذا الملف. على عكس ترامب الذي قال إنه سوف يغلق الباب في وجه المسلمين، وسوف يوقف برامج استقبال اللاجئين السوريين.

عندما نتحدث عن العنصرية، فإننا نشير إلى الكراهية، وإلى التعامل بناءً على الدم والدين والشكل. العنصرية التي دفعت الجماهير الأكثرية في المجتمع الأميركي بأن تصوّت لترامب. عند بداية الانتخابات بين المرشحين الجمهوريين، جاء في تعليق عابر إن قوة ترامب تكمن في أنه يستطيع أن يقول ما في نفوس الأكثرية من الأميركيين، ولا يستطيعون الجهر به. حيث أنه من السهل أن يتهم المكسيكيين بأنهم أهل مخدرات ومهربو أسلحة، وهذه هي الصورة النمطية المغروسة في عقول بعض الأميركيين عن المكسيكيين. وأيضاً يؤكد أن المسلمين إرهابيون بعد وقوع حادثين ارهابيين في فترة الإنتخابات الأولية بين الجمهوريين. لو لم تكن هناك قواعد شعبية تدعم هذا النفس العنصري البغيض، لما وجدت كل الترحيب والدعم الشعبي الذي يتستر في الفضاء العام، ولا يظهر بشكل صريح طوال الفترة الماضية، لمخالفته أدبيات الحريات العامة في المجتمع الأميركي التي تحولت، طوال العقود الماضية، إلى قيم أخلاقية، لكنها، للأسف، ليست عميقة، ولا متجذرة لدى بعضهم. وللأسف، تتلاشى عند وجود نفس وخطاب عنصريين، وهو بالضبط ما حدث مع ترامب العنصري نفسه، حيث أنه أحيا فتيل الشعوبية واللعب على عموميات وإطلاقات ليس لها أي معنى سوى إثارة العنصرية الدفينة لدى شرائح واسعة من المجتمع الأميركي.

أما عن المسلمين في أميركا، فلهم مؤسساتهم الخاصة، كالمساجد والجمعيات، وهي الحاضنة الاجتماعية الأساسية لهم، وهم جزء من مجتمع تعددي كبير يوجد في كل قطاعات الدولة والمؤسسات والفضاءات العامة. ربما يأتي استحضار "11 سبتمبر" يوماً أسود على المسلمين في المجتمع الأميركي، حيث عاشت الأقلية المسلمة حالةً من الرعب والخوف مما وقع، لكن ردة فعل المجتمع المدني (الأكثرية) كانت في صالح المسلمين، بل لم تجد كل محاولات التضييق على المسلمين أسساً قانونية دستورية تدعمها، وذلك بفضل وعي مؤسسات المجتمع المدني بالتحديات التي تواجه المسلمين.

في الأيام القليلة الماضية بعد فوز ترامب، هناك حالة إحباط ليست مقتصرة على الأقليات المسلمة، بل حتى داخل المجتمع الأميركي المعارض صعود ترامب، وهو حضور مدني يأخذ حالةً من الصعود لمحاولة الحد من أي تصعيدٍ يقوده اليمين، بقيادة ترامب، وهناك حالة وعي من مؤسساتٍ في المجتمع المدني بأنه لن تسمح لترامب بالعبث بالحريات الدينية والمدنية وتهديدها. وقد أطلقت منظمة كير الحقوقية عبر أحد محاميها نداءً تحذيرياً لمن هو في الولايات الجنوبية، وبالتحديد في تكساس، أنه من المحتمل أن تقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ببعض التحقيقات مع المسلمين، وأكدت أن من الأفضل أن تتم هذه التحقيقات بحضور محامين. وهذا نوع من الوعي بالحدث والخطر، وكيفية التعامل معه، وفق أسس قانونية ودستورية. بكل تأكيد، لن تكون الجاليات المسلمة في أميركا بعيدةً عن تأثير أتباع ترامب من مضايقات، أو تلاسن أو شعاراتٍ تطلق في الفضاء العام، أو ربما تتطور إلى اعتداءٍ في بعض المناطق على الحريات ومحاولة مضايقة المسلمين، وهذا ليس بعيداً، ويعتمد أيضاً على نوع الخطاب الذي سوف يتبناه ترامب في الفترة المقبلة، فهو سوف يحدّد معالم المرحلة المقبلة، ويرسمها عبر نظرته نحو المسلمين باعتبارهم مواطنين، وأيضا القادمين إلى الولايات المتحدة الأميركية من اللاجئين والطلاب والزائرين. 

ربما يمكن ملاحظة أن المجتمع الأميركي يعتبر الحرية من مكوناته الثقافية، وأن الأكثرية تعرف أن ترامب خطر، وأقول الأكثرية بناء على عدد المصوتين لهيلاري كلينتون أكثر بكثير من المصوتين لترامب، وربما تكون هذه الأكثرية ضماناً وخط دفاع عن الحريات، وأيضاً يعتمد كل هذا على نهج السياسات التي سوف يسير عليها ترامب في الفترة المقبلة، فهو وعد بأنه سوف يحدّ من ممارسات الإعلام وتأثيرها، وإذا فعل هذا، فإن أميركا فقدت أهم ما تتميز به، وهو الحرية الإعلامية التي تكون، في أحيانٍ كثيرة، صوت المجتمع، كما حدث في السباق الرئاسي، حيث كانت صورة ترامب أضحوكةً إعلامية ساخرة من تفكيره، وتصريحاته الكارثية. وهناك محللون سياسيون كثيرون حاولوا أن يكونوا واقعيين في أثناء لحظة الصدمة، وهم يقولون إن ترامب عرف كيف يجذب الجماهير إليه، لكنه عند استلامه الرئاسة لن يكون كذلك. 

نحن مقبلون على أربع سنوات حاسمة في تاريخ أميركا، وهناك قضايا كثيرة في العالم أميركا شريك وطرف أساسي فيها، ونحن ننتظر التطورات خلال الفترة المقبلة. والمجتمع المسلم في أميركا هو اليوم أكثر قوةً من أي وقت مضى، ويملك مؤسساتٍ عديدة تعتبر فاعلةً في الحفاظ على الحريات المدنية والدينية. وهناك نخب إسلامية أميركية كثيرة تؤكد على الفعل المدني، والتحرك بناء القانون، وهي إسلامية من الجيل الثاني من المسلمين المهاجرين، ممن تربوا ونشأوا في المجتمع الأميركي، وتلقوا تعليماً أميركيا. وتعرف هذه الشريحة قواعد الديمقراطية، وهي جزء من منظومة الديمقراطية الحالية، وجزء من تحديد نجاحها أو فشلها في الفترة المقبلة هو نوع السياسات التي يتبناها ترامب، وأيضا تفاعل المجتمع المدني معها أو ضدها. للمواطن الأميركي صوت، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الصوت فاعلا ومؤثراً، ما لم يدعم بقوى التأثير الأساسية التي سوف نعرف في الفترة المقبلة البوصلة التي تتبناها، صعود الشعوبية والعنصرية، أم الديمقراطية والحريات المدنية.

المصدر:

https://www.alaraby.co.uk/opinion/2016/11/16/عنصرية-ما-بعد-فوز-ترامب-نحو-المسلمين-1