من اكبر الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها المرء في حياته أن يعلق نفسه بما ليس له , سواء أكان ذلك مملوكا لغيره أو كان بعيدا عنه يستحيل حصوله عقلا ومنطقا ..
فإن تعلقت بما يملكه غيرك , تسبب ذلك في إنبات الحقد والغل والحسد في قلبك ..
وإن تعلقت بما لا تقدر عليه تسبب ذلك في شعورك بالفشل الدائم والانكسار المستمر وعدم الرضا عن حالك دوما ..
كيف الحل إذن ونحن نعيش في هذه الحياة ولنا رغبات وآمال ؟!
أولا : فأما التعلق بما يمتلكه الآخرون فمحرم , قال سبحانه :" ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى " ..
ومعناها : ( أي لا تتمنّى ما فضلنا به أحداً من متاع الدنيا - ولا تمدن عينيك معجبا ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها ) , بل قل عليها إذا رايتها " ماشاء الله لاقوة إلا بالله , تبارك الله . اللهم بارك ... "
قال الإمام النووي : " كان النبي إذا رأى شيئا يعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة " (1)
وقد بوب عليه الإمام البيهقي رحمه الله بقوله : " باب كان إذا رأى شيئا يعجبه قال : لبيك إن العيش عيش الآخرة " (2)
وقال العثيمين : " الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا يقول : ( لبيكَ ، إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة ) لأن الإنسان إذا رأى ما يعجبُه مِن الدُّنيا رُبَّما يلتفت إليه فيُعرض عن الله ، فيقول : ( لبيك ) استجابةً لله عزَّ وجلَّ ، ثم يوطِّنُ نفسه فيقول : ( إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة ) فهذا العيش الذي يعجبك عيش زائل ، والعيش حقيقة هو عيش الآخرة ، ولهذا كان من السُّنَّة إذا رأى الإنسانُ ما يعجبُه في الدُّنيا أن يقول : ( لبيك ، إن العيشَ عيشُ الآخرة ) " (3)
وقال أيضا : " كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يعجبه في الدنيا يقول : ( لبيك ! إن العيش عيش الآخرة ) لتوجيه النفس إلى إجابة الله ؛ لا إلى إجابة رغبتها ، ثم يقنع النفس أيضاً : أني ما صددتك وأجبت الرب عزّ وجلّ إلا لخير ؛ لأن العيش عيش الآخرة ؛ والعجيب أن من طلب عيش الآخرة طاب له عيش الدنيا ؛ ومن طلب عيش الدنيا ضاعت عليه الدنيا والآخرة " (4)
الأمر الثاني هو التعلق بما لا تقدر عليه , فهو سبب مباشر لفشل كثير من الناس وانكسارهم , بل وفشل كثير من الأعمال المجتمعية , إذ تضع لنفسها أهدافا غير قادرة عليها , نعم أهداف براقة , لكنها بعيدة جدا , تجعل السائرين لايستشعرون ابدا بالإنجاز مهما بذلوا وأعطوا ..
علاج ذلك أمران , أولها القناعة بما آتاك الله , والرضا بما قسمه لك , وثانيها النظر في شأن الدنيا لمن هو أقل منك , وفي شأن الآخرة لمن هم أعلى منك ..
وهذا لا ينافي الطموح المدروس , والأهداف المعقولة الممكنة , المقدور عليها , حتى وإن كانت بعيدة بعض الشىء .. فلاشك أن الكسل مرفوض والطموح مطلوب , لكنه طموح مدروس ذكي .
ومن أهم الأمور ههنا أن تضع لنفسك ما يسمى أهدافا مرحلية صغيرة مقدورة متدرجة لكي تصل الى هدفك الأكبر