بسم الله الرحمن الرحيم
تمنيت - و لا أزال - أن أكتب نصا يحويني ، يحكيني ، تتألم كلماته من آلامي ، و ترقص أحرفه فرحا لأفراحي ، و تعبس الفقرات فيه لهمي ، و تغني - معي- لحني ... أحلم _ و لا أزال _ بنص جسده هو جسدي ، و روحه هي ذاتها روحي ... و أعلم ، أن هذا النص مستحيل .ولكن الحلم مثير . و لكن الحلم جميل .
النص- كالإنسان- لا يمكن أن يكتمل ، لا يمكن أن يكون في أحسن تقويم ، انه دائما بحاجة الى تقويم . و لعل عجزنا - كبشر - عن التعبير عن أنفسنا - لغويا- بشكل يرضينا ، هو الذي حثنا على تطوير الرسم و النحت ، و العزف و الرقص ، و لعل هذا العجز الأزلي، هو الذي خلق المجاز اللغوي ، يقول المحب : حرقني بعد الحبيب ، و المحب لم يحترق ، لقد شعر بما لا يمكن وصفه ، الا بالاستعانه بالتشبيه و المجاز . قال أحدهم : أن القصة المجازية تحكي قصة العجز عن التفسير .
كان زوربا عندما تخونه الكلمات- و هو على أي حال مغامر لا علاقة له بالأدب - كان يرقص رقصته المشهورة .... أليست هذه مفارقة جميلة : أن يخلق العجز الابداع ؟ أن يتحول الحزن الى لحن ، و الجبن الى قلعة ، و الحب المستحيل الى أغنية ، و اليد القصيرة - لصاحب العين البصيرة - الى رقصة ، و أن تتحول الغصة الى قصة ؟ .
أليس هذا عجيبا ؟ و لكن لم العجب ، أليس في هذا سعي الى الكمال ؟ أليس فيه سعي الى فهم الكون، و فهم الذات ؟ و كأن الحياة لغز منحنا الله بعض قطعه ، و ترك لنا تخيل البقية ، اذن ما كل هذا الفعل ، و الانفعال البشري ، الا سعي نحو اتمام الصورة اللغز :
الفيلسوف في محراب عقله ، و العابد في محراب مسجده ، و العازف على اوتاره ، و الناظم لأشعاره ، و الكاتب لنصوصه ، و الاستاذ في دروسه ... كل هؤلاء يعملون - بطرق مختلفه - على اتمام الصورة اللغز .
اذن هؤلاء هم الأقرب الى الإنسانية ، لأنهم على درب الكمال سائرون ، هل أقول على درب الله سائرون ؟ و أنهم في سبيله - أن صدقت النوايا - يعملون ؟ اليسوا أجدر بالإنسانية من العابثين بأجزاء الصورة الإلهية ، المستهلكين لخيرات الكون ،الناهبين لثرواته ، العابثين بأحجاره و ناسه ، ترى من هو الانسان :
أهو ذلك المثقف المسبح بحمد السلطة ؟ أم الفيلسوف المتأمل في عظمة الكون ؟
أهو اللاهي العابث اللاعب ؟ أم الراكع الساجد ؟
أهو المدمر للبيئة بما فيها من أحجار و أزهار ؟ أم ذلك المداعب للأوتار ؟
أهو الكاره لصوت البلابل ؟ أم المنشد الشاعر ؟
بربكم ، من هو الاكثر انسانية ؟
أهم العابثون بعقول الناس ، المزيفون لوعيهم ؟ أم الذين انطمست عيونهم و هم يقرأون و يكتبون في ليلهم ؟
الانسان في ظني هو المناضل لإكمال الصورة : الصورة اللغز .