من فقه التشنيع!!

في الصحيحين من حديث أبي بكرة مرفوعاً:«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: " الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور " فما زال يقولها، حتى قلت: لا يسكت.

يستفاد منه:

أنه قد يسوغ التشنيع الشديد على ذنب أكثر من ذنب آخر، مع كون الذنب الآخر أعظم منه، لمعنى تحصل في ذلك الذنب الـمُشنَّع عليه، كخفاءه، أو انتشاره، أو عظم خطره، أو كون مفسدته متعدية تعدياً مباشراً، أو غير ذلك من المعاني.

فلا يستفاد من تعظيم التشنيع على ذنب دون غيره -في شيء من النصوص-أن يكون ذلك المشنع عليه أشد فساداً وضلالاً، ولا أن يتساويا في الأحكام الدنيوية أو الأخروية، من التكفير وغير ذلك.

وعليه، فمن اشتد تشنيعه على ذنب، أو على شخص مفسد، دون ما كان أشد منه، فقد لا يلام على ذلك، بل قد يحمد، إذا كان ذلك لمسوغ معتبر، ولا يستلزم أن يكون الذنب الذي شنع عليه، أو الشخص الذي اشتد كلامه في حقه أفسد عنده من غيره، وإنما اعتبر ذلك لمعنىً ما، الذي قد يظهر للناظر، وقد يخفى.

وهذا معتبر في حق الفاسد من الاعمال، او الاشخاص، او الفرق والطوائف، بل والديانات

ومن هنا جاء التشنيع الشديد في الشرع على الخوارج، بما لم يأت مثله في حق غيرهم من فرق الضلال المنتسبة للأمة، مع كون بعض الفرق أعظم إثماً وأقبح باطلاً منهم، كغلاة الرافضة، وأهل وحدة الوجود ممن ينتسب لهذه الأمة، ممن أطبق العلماء على كفرهم، خلافاً للخوارج حيث لم يكونوا عند العلماء مثلهم، وهذا لما تضمنته بدعة الخوارج من مفاسد كبرى متعدية، من سفك الدماء ونحوها،

والله أعلم.

كتبه :تميم بن عبدالعزيز القاضي

13صفر 1438