كم مشجب ستعلق عليه تعاستك في كل مرة ! .. بما أن رواسب النفس لا تسمح لك بأن تتبين أي منها هو السبب الحقيقي ستظل تبحث عن مبرر لحزنك ، وربما تدفعك إنسانيتك لخلق الأعذار للآخرين ، والتخفيف عن نفسك ، وفي نهاية البحث ستنحصر المواجهة معها ، حينها لن تتمادى في لومها ، ستدافع عنها في محاولة للخروج من ذلك المأزق ، لتجد القضاء والقدر عند آخر النفق ، كفيل بحمل مالم تحتمله ، القدر هنا مشجب لا نقاش فيه ، بعد تلك النقطة ستمضي وقد غسلت روحك لتنطلق نحو بداية جديدة ..

كيف ستصبح الأشياء التي أسعدتنا سبباً في حزننا يوماً ما ! .. 

"حين يغمُرك الحزن ، تأمل قلبك من جديد ، فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يوما مصدر بهجتك" جبران

في لحظتك الحزينة سيجلس الحزن بقربك ليخبرك أنه كان قريباً دائماً ولم يتخل عنك ، لكنك في لحظات أخرى استطعت أن تتجاهل وجوده بينما كان يحدق في قدرتك على ذلك ، انكسارك وضعفك ماهو إلا لحظة سقوط نحو أعماقك لسبرها ، وعناقها ، وتأملها عن قرب ، لتحرك بحرك الراكد فيها ، لتعيد الحياة إلى ينابيعك الناضبة ، فتتدفق بمعين جديد ، إنه نهم الحياة الذي لا ينتهي ..

قال لي مرة أن الحزن يجعل الإنسان أكثر عمقاً ، قالها وهو يشيح بعينيه الحزينتين بعيداً ، صمت قليلاً ثم عاد ليحدثني عن عذوبة القلب الحزين وصدقه ، كان يبتسم بذبول ساحر ، جعلني أتأمله كلما أدار إلي وجهه ، شعرت بخفقات روحه كأنها جناح فراشة بيضاء ، وحين صمت رأيت جلال الحزن في قسماته ..

"قد تشعر بالوحده بين كثير من البشر , وقد تشعر بالفرح بشخص واحد , الأمر ليس متعلق بعدد من حولك بل متعلق بقلب من بجانبك" .. جبران