عدتَ لتجد الأشياء على حالها ، مكتبك ، سريرك ، كتبك ، أوراقك التي دونت فيها أرقام أصدقاء قدامى ، ثيابك ، عطرك ، وسائدك التي طالما عانقت خيالاتك وأحلامك ، كل الأشياء تقريباً بإستثناء صورتك ، ذلك الإطار الخشبي الصغير يحوي صورة شاب لا يشبهك سوى في قسماتك ، حتى عندما حاولت إيجاد تقارب بينكما خانتك المرآة ، إختلاجات كثيفة تهدر أمامك ، تتخبط فيها بصمت وحيرة ، تتنهد ، تلقي بجسدك المنهك على السرير ، تغمض عينيك لربما غفوة تأخذك إلى واقع مغاير لما أنت فيه ! ..

كتب لها : تلك الدمية التي طالما حلمتِ بها ، رأيتها اليوم في واجهة إحدى المحلات ، أردت شراءها لكِ لكن البائع أخبرني أنها ليست للبيع ! .. 

اليقظة الأولى لم تكن هنا ، لقد استيقظت منذ زمن لكنك تتجاهل ميقات تلك اليقظة ، لربما وددت لو أنك ظللت غارقاً في أوهامهم التي نسجوها لك حتى لا تتذوق مرارها الوعي ، لديك طريقة تفكير مختلفة عنهم ، تلك الطريقة كانت نافذة انعتاقك ، أنت الآن حر ، وسط خيارات محدودة ، فحياتك لم تعد لك وحدك ، هناك من يقاسمك الأيام ويتكئ على كتفك ، مهما تجاهلت أصواتهم الصغيرة والرقيقة ، تظل صورهم عالقة على زجاج عينيك .

كتبت له : الأشياء الثمينة ليست للبيع ، لا أحد يستطيع شراء حياة ليست له ..

أنت اليوم رقم كتلك الأرقام التي تتكدس في مذكرتك ، وملفاتك ، وجهازك المحمول ، وبرغم ذلك لا تجد من يتكبد عناء التواصل معك عبر ذلك الرقم المميز ، الأرقام لا تتغير ، الأرقام خالدة وشاهد على أصحابها ، كالعمر وسجلك المدني ، لطالما تبجحت بلغة الأرقام وأنها لغتك التي يتحاور بها أصحاب العقول الحسابية الدقيقة والفذة ، لم يخطر ببالك أنك في مرحلة ما لن تحتاج سوى للغة الحب لتنتشلك من وحدتك ، وتواسي عجزك ، وتجعل من الألم رحلة عبور .

كتب لها : لكنّي رجوت البائع أن يدلني على محل يبيع مثل تلك الدمية ، أو أن يحضر لي مثيلاً لها ، لم يعدني بشئ لكنه سينظر في طلبي ..

لماذا نظن بأن الأشياء ستبقى على حالها إلى الأبد ! .. وأن التغيير الذي يكتسح العالم سيتجاوزنا ! .. أليس من الغباء أن نتجاهل طبيعة الحياة ونظن بأنها ستقف لأجلنا ! .. التغيير قادم لا محالة ، لكن إدراكك جاء متأخراً ، ولن يكرر الزمن محاولته .

كتبت له : بعض الخسائر لا يمكن تعويضها ، ليست كل الأشياء تشترى بالمال ..