كلما تقدم العالم و زادت كثافته المادية ابتعد الإنسان عن ذاته و انفصل عن حقيقته انفصال مؤلم و أسقط على ذاته صفات بعيدة عن طبيعته فتجده يترنح بين الصواب و الخطأ فلا يحكم حياته تعاليم دينيه و لا مرجعية فكرية واضحة

والبعض رأى في ابتعد الإنسان عن ذاته هو السبب في نشأة الحضارة و هذا ما قاله مارتن هايدجر بأن العلم و الحضارة ثمرة ظروف متراكمة عديدة أصبح فيها الانسان غريبا عن نفسه و قال هربت ماركوز لقد حصلت الحضارة من حالة ابتعاد الإنسان عن نفسه و الاستغراق في شئ آخر غير مباشر

فكلما تقدم العالم خسر الانسان ذاته كشرط من الشروط التقدم و توسعت الفجوة فتجد الانسان يسقط في متاهات الاغتراب و عذاب الشك و قسوة الحيرة فلذلك اعتبر جان جاك روسو الحضارة مرض و دعاء للعودة إلى الطبيعة

فالمظاهر المادية اغشت الابصار فلم يعد يحرك قلب الإنسان تلك المنظائر الخلابة التي تحوى كل الجمال ولم يعد يسمع بسبب الضجيج المادي صوت الفطرة

السرعة تحكم كل شئ فأصبح التشتت علامة ظاهرة في أغلب الأشياء عالم أصبحت البنوك فيه أعلى من المعابد و اختنقت الروح و انحرفت و قد وصف محمد أسد الحضارة الغربية بانها المسيخ الدجال ذو العين الواحدة التقدم المادي والقوة المادية والترف المادي معبودات هذا الزمن و مدينة العصر الذري، العوراء العرجاء، التي تتقدم في إتجاه واحد، وترى في إتجاه واحد هو الإتجاه المادي، على حين تفتقد العين الثانية “الروح” التي تبصر البعد الروحي للحياة.. فهي قوة بلا محبة، وعلم بلا دين، وتكنولوجيا بلا أخلاق..