سعت امريكا منذ تفكك المنظومة الاشتراكية وحلف وارسو الى التمدد شرقا ومحاصرة روسيا لأنها ترى فيها الوريث الشرعي لتلك المنظومة ومن ثم منافستها على زعامة العالم.

 ما كان للحرب في أكرانيا ان تستمر هذه المدة لولا الدعم الامريكي والغربي المنقطع النظير والذي كلفهم أموالا طائلة, والخاسر الاكبر في هذه الحرب هي اوروبا الغربية التي تنفذ اوامر امريكا بدءا من حظر استيراد الغاز الروسي, وضرب أنبوب  نقل الغاز, فأوروبا استفادت كثيرا من الغاز الروسي. واستيراده من امريكا بأضعاف ثمنه من روسيا, وكذلك توجيه امكانياتها نحو التصنيع الحربي وترك بقية المجالات الأخرى التي تعود بالنفع على رعاياها, للأسف الشديد ان غالبية  حكام الغرب لم يدركوا حجم المأساة التي وضعتهم فيها امريكا من خلال  زجهم في حرب لا ناقة  لهم  فيها ولا جمل.

لا شك ان الحرب قذرة ولا تعرف رحمة ولا إنسانية, الروس خلال عام من الحرب, لم يستهدفوا التجمعات السكانية, كما فعلت امريكا ومن معها بالعراق وفيتنام وكل البلدان التي  دنستها, بل طال القصف المواقع التي تغذي الحرب وتساهم في استمرارها.

امريكا  وفي عديد المرات , تقول بانها لا تشجع الجانب الأكراني  بضرب العمق الروسي خوفا من  امتداد الحرب الى بقع أخرى, وقد تطالها هي.   

محاولة ضرب مقر السلطة في موسكو بالمسيرات ليس بالأمر الهيّن, ان دل على شيء  فإنما يدل على مدى انزعاج امريكا من عدم تحقيق أي تقدم يذكر للقوات الاكرانية التي تدعمها, وهجوم الربيع المنتظر, وتخوفها من انشقاق بعض الزعماء الغربيين مثل فرنسا وتركها وحدها, قد يكون مشروع مارشال لإعادة اعمار اوروبا حقق بعض المكاسب للقارة, لكنها وللأسف ظلت تخضع للإرادة الامريكية وتنفذ اجنداتها على مدى عقود.

الذي لا شك فيه ان الأوكرانيين  لم يقدموا على مثل هذا الفعل إلا بعد استشارة أمريكا وحلفائها, والسؤال  المطروح هل استعجلت امريكا أنهاء الحرب في أكرانيا؟ ولكن أي ثمن سيتم دفعه؟ ومن سيدفع الثمن؟ .فأمريكا تشاهد وبأم عينها ان العالم بدأ  يتشكل من جديد, وان عهد القطبية  الاحادية ولّى الى غير رجعة, وان نفوذها آخذ في  الانحصار, هناك تكتل اقتصادي يضم دول كبرى (البريكس), يسعى جاهزا الى فك الارتباط بالدولار الامريكي والتعامل  بالعملات المحلية للدول المعنية, كما ان دول إقليمية اخرى لها وزنها الاقتصادي, تريد الخروج من العباءة الامريكية والانضمام الى البريكس. كذلك نجد ان الصين وروسيا تتوغلان في  القارة الأفريقية للاستثمار فيها وبعض الدول الافريقية تعلنها صراحة انها لم تعد في حاجة الى المساعدات الاوروبية البسيطة والمذلة, ولا ننسى ان الاتحاد السوفييتي كان يناصر حركات التحرر الأفريقية, كما ان روسيا اخذت في بناء علاقات اقتصادية مع دول أمريكا اللاتينية والجنوبية التي يعتبرها الامريكان حديقتهم الخلفية .   

المؤكد ان الكرملين لن يقف مكتوف الايدي امام المحاولة القذرة التي تطال راس النظام, وسوف يرد وبأقصى إمكانياته على ذلك, وان لم تجنح امريكا ومن معها  للسلم وحل النزاع بالطرق السلمية, وتطورت أساليب الحرب واستخدمت كافة الأسلحة المتوفرة غير النووية, فلا شك ان اوروبا بمجملها ستكون ساحة صراع  رئيسية لقوى عظمى, ولن يكون هناك مشروع مارشال جديد لإعادة اعمارها,بل ستصبح قارة اشباح .

ميلاد عمر  المزوغي