الشيخ محمد أمين بن علي بن محمد سعيد السويدي

ولد محمد أمين في دار أبيه ، في محلة عرفت باسم (خِضر الياس) في كرخ بغداد ، قرب شاطئ دجلة الغربي... ,  وهو الولد الأكبر من أربعة أولاد ذكور، هم - عداه - :  محمد صالح، وإسماعيل ، ومحمود، وجميعهم لم يعرف بالعلم والأدب غيره ، وبنت اسمها صالحة في أواخر سنة ١٢٠٠هـ - ١٧٨٦م  ؛ واخته صالحة تزوج منها السيد أبو الثناء محمود الآلوسي ، فأولدها عبد الله ، وعبد الباقي ، وبقية أولاده... ؛  وأعقب أولهم خمسة أولاد ، هم مصطفى الذي أصبح وزيراً للعدل في عهد الحكومة العراقية ، ومحمد عارف : قائم مقام الحلة، ومحمود شكري الآلوسي العلامة الشهير ، وحسن رشدي ، وعمر مسعود. (1)  

ذريته:

تزوج الشيخ السويدي من امرأة اسمها (حافظة الخليل)، من آل مصطفى الخليل، الأسرة المعروفة في بغداد والحلة : وهي أسرة غريبة وليست عراقية ؛ هاجر أسلافها من مدينة حماة السورية – ولا يعلم سبب هجرتهم او اصولهم النسبية -  إلى حديثة على الفرات – طالما احتضنت هذه المدينة الغرباء ومجهولي الاصل - ، ثم استقروا في بغداد إبان النصف الأول من القرن الحادي عشر للهجرة (السابع عشر  للميلاد) ، وبرز منهم السيد إسماعيل المعروف بالحموي، الذي تولى الإفتاء ببغداد ، وابنه خليل الذي تولاه أيضاً، ولخليل ولدان، أحدهما محمد، وهو جد آل الطبقجلي، والآخر مصطفى، وهو الذي عرفت أسرته باسمه فقيل لها آل مصطفى الخليل، وكان لمصطفى هذا دار في الكرخ وأخرى في الحلة... ؛  وأنجب منها أولاداً ذكوراً ماتوا جميعاً في حياته، أما من الإناث فقد رزق ببنت سماها (نائلة)، والظاهر أنها كانت كبرى بناته، إن وجدت له بنات غيرها، بدليل تملكها لكتبه بعد وفاته ... . (2) 

وتوفي في بريدة (بنجد)  ودفن فيها , وهو عائد من الحج سنة  1246  ١٨٣٠ م ؛ وهي السنة الأخيرة من ولاية داود باشا، وسنة غرق بغداد وانتشار الطاعون فيها، ولا نعلم هل ان الشيخ محمد امين السويدي هرب من طاعون بغداد وفيضانها كما هي عادة اباءه ام انه قصد الحج صادقا ؟! 

انا ارجح الاحتمال الاول فهؤلاء لا يعرفون العراق الا في الامتيازات والحصول على الثروات والتنعم بالخيرات واما اذا تعرض البلد للمخاطر فهم أول الهاربين , وكل ما قيل في زهده ونزاهته لا يمت للواقع والحقيقة بصلة ... ؛ وقيل : كانت وفاته في سنة ١٢٤٤هـ - ١٨٢٨م... ؛ ولم يعقب ابناً , ولم يذكر شيئاً عن طفولة أبي الفوز الشيخ محمد امين  وصباه ، لقلة مترجميه وضآلة ما كتبوه عنه ... ؛ حتى انهم اختلفوا في سنة ولادته و وفاته كما مر انفا . (3) 

ولعل عائلة الالوسي هي من تفردت بترجمة رجال عائلة السويدي ؛  وذلك بسبب المصاهرة و التلمذة – والرواية – الدينية  وخدمة الدولة العثمانية وتبادل الادوار فيما بينهم  ؛ ناهيك عن تبني نقس الافكار والتوجهات الدينية والسياسية .  

أساتذته وشيوخه:

اخذ المعلومات الدينية عن والده الشيخ علي , والشيخ خالد النقشبندي الكردي، وكان هذا قد قدم إلى بغداد سنة 1231هـ/1815م حيث استقر وأنشأ تكيته و التي عرفت بالخالدية نسبة إليه(4) ، ووجد في تجديد الطريقة النقشبندية سبيلا إلى تقديم نوع من التصوف يجمع بين النزوع الروحي والعلم الشرعي، فأخذ يدعو إلى إصلاح التصوف من داخله، لتخليصه من الشطح والاشتطاط بالقول، والمظهرية التي رانت على رجاله في القرون الأخيرة ... وقد تأثر به كثيرا ... ؛ وقد غادر بغداد الى دمشق و توفي بالطاعون هناك , وقد طعن البعض بالشيخ خالد الكردي وبينوا مثالبه وطعنوا به ؛ مما دفع تلميذه الشيخ محمد امين السويدي الى تأليف كتاب : (( السهم الصائب لمن سَمَّى الصالح بالمبتدع الكاذب، أو دفع الظلوم في عرض هذا المظلوم، أو القول الصواب في رد ما يسمى بتحرير الخطاب.))  وهو كتاب ألفه في الرد على رسالة الشيخ معروف النودهي البرزنجي المسماة (تحرير الخطاب)، وشرح عثمان بك بن سليمان الجليلي عليها، المسمى (دين الله الغالب على المنكر المبتدع الكاذب)، وفيه رد على اتهامات المؤلفين في الشيخ خالد النقشبندي ؛ وكان الشيخ محمد أمين السويدي مفتي الحلة وقام بتأليف الرد بتشجيع من والي بغداد داود باشا ... .  (5) 

وقد رتب السويدي ردّه هذا على مقدمة وكتاب وخاتمة، شرح في المقدمة الطريقة النقشبندية، وبيان حكم من كفر أخاه المسلم الساكن في دار الإسلام، أما الكتاب فجعله يشتمل "على رد ما في الرسالة من زخارف الأقوال بالبراهين القواطع لكن بوجه فيه إجمال"، ثم ختمه بشيء "من ترجمة الشيخ الذي افتروا عليه وعلى بعض فضائله الحسنة وفواضله المستحسنة"، وأتمه في 13 محرم سنة 1237هـ/1821م، وأوله "الحمد لله الذي ألف بدينه بين قلوب العباد، وأمرهم بالتودد بين أهل القربات لينتظم لهم مبدأ السلوك كالمعاد.." (2) ... ؛ الشيخ محمد امين السويدي يدعو هو وامثاله الى عدم تكفير المسلم - ان كان صوفيا او سلفيا او وهابيا - الساكن في ديار الاسلام ... ؛ بل وامرهم بالتودد فيما بينهم ... الخ ؛ واما اذا كان المسلم جعفريا فهو كافر ومن يشك في كفره كفروه معه حتى وان كان متعلق بأستار الكعبة ...!! 

فقد استنكر الشيخ محمد امين السويدي على  أبي سعيد عثمان بك بن سليمان بك الجليلي (المتوفى سنة 1245هـ/1829م) -  أخي والي الموصل  -  الذي كان قد ألف كتاباً يعيب فيه النقشبندي ويقلل من قدره، بل ويكفره! (2) ... ورد كل من طعن بشيخه الكردي والف كتابا اخرا في الدفاع عن استاذه ؛ سماه : ( كتاب السهم الصائب في الرد على من طعن في حضرة الشيخ خالد )  (3) 

هذا واباءه السويديين  واصهاره من الالوسيين ومن لف لفهم من شراذم ومرتزقة وخدم الاتراك  العثمانيين والمماليك الظالمين يستنكرون تكفير بعض الصوفيين او السلفيين او الوهابيين ولا يستنكرون تكفير طائفة كبيرة من المسلمين تتبع النبي محمد وال بيته وتؤدي الصلاة والصوم والزكاة والحج وكافة فروض الاسلام ... ؛  وقد حكم الإسلام بعصمة دم المسلم وماله وعرضه، وجعل من نطق بالشهادتين والتزم بأحكام الإسلام مسلماً ... ؛ ومن الواضح ان هدف هذه الزمر العثمانية والعصابات الطائفية من وصف الشيعة بالكفار واتهام اتباع ال البيت بالكفر والزندقة ؛ استحلال قتلهم ونهب اموالهم وسبي نسائهم وتخريب ديارهم وتعذيب ابناءهم ... الخ .

وقد عد الشيخ محمد امين الزبيدي من ضمن شيوخه – اعتمادا على اجازة جده -  ؛ علما انه لم يره قط , فقد كان عمر الشيخ محمد امين سنتين ؛ عندما  تلقى جده الشيخ محمد سعيد السويدي جميع مرويات الشيخ العلامة محمد مرتضى الحسيني الزبيدي مؤلف كتاب (تاج العروس من جواهر القاموس)، وكان جده هذا قد التقى بالزبيدي في القاهرة مرتين، الأولى سنة 1194هـ/1780م، عند الاحتفال بإنجاز كتابه (التاج) في داره في غيط المَعدِّية (6)، حيث كتب له إجازة مختصرة، له خاصة ولأخيه الشيخ عبد الرحمن السويدي، ولأولاده، وأحفاده، وأسباطه. ومرة أخرى، في داره في سُوَيقة لالا، فأعاد إجازته له، وزاد عليها لمن ولد للسويدي بعد 1194هـ، ومن سيولد له، على مذهب من يرى ذلك، وكان تاريخ الإجازة في 10 ذي الحجة 1204هـ/ 1789م (7)  ... ؛ علما ان الكثير من رجال الدين والفقهاء لا يعترفون بصحة هذا النوع من الاجازات ؛ اذ جرت العادة بين المسلمين أن يجيز الشيخ لتلميذه رواية بعض مروياته او كلها ... ؛ ويشترط توفر أركان الإجازة الاربعة :

- المجيز: وهو الشيخ الذي يمنح تلميذه أو أحدًا ما الإجازة بنقل المرويات.

- المُجاز له: من تحصل الإجازة من الشيخ.

- المجاز به: وهي الكتب والأحاديث التي أجاز المجيز للمجاز له روايتها.

- لفظ الإجازة: وهي ما يقوله المجيز للمجاز له. (8)

والمجاز له ,  ها هنا معدوم لأنه لم يولد بعد او لكونه طفلا صغيرا لا يفقه شيئا من امور الدين . 

ومما قاله البعض فيه : ((ومع أننا لا نعلم شيئاً عن طفولة أبي الفوز وصباه، لقلة مترجميه وضآلة ما كتبوه عنه، فإننا نفهم مما ذكره السيد محمود شكري الآلوسي (المتوفى سنة 1343هـ/1924م) ما يدل على ذكائه ونبوغه المبكر في تحصيل العلم، ومواظبته على الدرس، وإفادته من جمهرة علماء بغداد في عهده... ؛  قال "ترعرع في حجر الكمال، وامتص ثدي الفضل والأفضال، وحوى على صغر سنه ما حوى من العلوم، وتضلع بما تضلع من دقائق المنطوق والمفهوم" (9) ... , ولا شك في أن شرحه كتاب والده المسمى (العقد الثمين)، وهو كتاب ضخم، واسع المطالب، وهو في الخامسة والعشرين من العمر، ليقف دليلا على نبوغه في وقت متقدم من حياته.)) (2) ولم يذكر لنا اسماء أولئك العلماء  بالتفصيل وقد مر عليكم اسماء مشايخه ؛ وكل هذه الاوصاف اطلقها عليه من باب الخيال والغلو  والتعصب الاعمى وانعدام الموضوعية ... ؛ وهذه الصفات شائعة بين القوم . 

وبلغت شهرته أسماع والي بغداد داود باشا لأنه  ساكن في بغداد ، ومن المؤكد ان الوالي يعرف تاريخ عائلته وخدمة اباءه للباب العالي والدولة العثمانية ... ؛   فكان الوالي يطلب منه  الرد على دعاوى الخصوم، فحينما قام الشيخ العربي الشيعي  يوسف بن أحمد ال عصفور البحراني  بتأليف كتابه :  (سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد) يرد فيه على عز الدين ابن أبي الحديد في بعض المسائل في شرحه لكتاب (نهج البلاغة)، أحال  الوالي الاجنبي داود باشا الكتاب من فوره إلى الشيخ السويدي العثماني  طالباً منه شرحه ورده، فألف الشيخ محمد امين السويدي  كتاباً ضخماً سماه (الصارم الحديد في الرد على صاحب سلاسل الحديد) شرح فيه الأصل، كما يقول : شرحاً "يبين مفاسده ويحل معاقده ويهدم بنيانه، وينقضه من أسسه وجدرانه". (2) ... ؛ و هو  كتاب مؤلف ضخم  في الرد على الرافضة  - ( الشيعة ) - وهاجم فيه العالم الشيعي العربي الشيخ يوسف بن احمد البحراني  , وله أيضا كتاب :  ((السهم الصائب في الرد على الإمامية )) -  منه نسخة مخطوطة بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد برقم (6727) -  ؛  و له كتاب  سماه : (( الصاعقة المحرقة في الرد على اهل الزندقة )) ... ؛ وتندرج هذه الكتب ضمن قائمة الكتب الطائفية وذات التعصب الديني والفكري , والتي تحمل أفكاراً طائفية  وعنصرية وتحتوي على اراء متعصبة تحرض  الناس وحكام الدولة العثمانية على الاستمرار بالعنف والتعصب والتمييز الطائفي والقمع والظلم ... الخ

وها هو نظيره في التعصب الديني والحقد الطائفي والولاء العثماني والانتماء السلفي  الشيخ علي علاء الدين الآلوسي يمتدحه قائلا :  "كم له مع الفرق الضالة من مطارحات عظيمة، ومجادلات وخيمة، وقد جلب فيها عليهم الويل والبلاء، وأوقعهم في مهاوي الردى وأودية العناء، ولم يناظر أولئك من الفرق الضالة إلاّ وأفحمه وأظهره الله تعالى بما فتح الله عليه وألهمه، واٌمن بفضله القريب والبعيد، وأذعن له الخصم الألد والجحود العنيد". (2)

بما ان الولاة والمماليك العثمانيين قد اغدقوا على هؤلاء الدجالين و وعاظ السلاطين والرجال الطائفيين - حتى ان الشيخ محمد امين وصف بكونه: (  بطيناً ضخم الجثة  ) من نهمه وشراهته واكله للمال الحرام والسحت العثماني -  ؛ كالوا لهم المديح والاطراء واشادوا بهم وتملقوا وخضعوا لهم ؛ فبقدر ما يحقد ويتكبر هؤلاء المرتزقة على العراقيين الاصلاء والناس الضعفاء يستصغرون امام الولاة ويلعقون احذية الحكام واصحاب النفوذ   ... ؛ واليكم مثالا واحدا :  من مدح وتملق الشيخ محمد امين السويدي لوالي بغداد  داود باشا (1232- 1247هـ/1817-1831م) اذ قال فيه : "شمس المجد على الإطلاق، بل بدر جميع المدن في الإشراق، مركز دائرة الكمال، فلك العرفان والأفضال، ذي الفضائل التي غدا بها حادي عشر العقول، والفواضل التي لو تزيَّن بها الدهر لصارت له غُرَر وحُجُول، إن ذُكر الذكاء فهو ذكاؤه، وإن وُصف الفضاء فهو سماؤه، وإذا أجيلت الأقداح على العلوم فهو رقيبها ومعدنها، ..الخ".  (10) 

وهذا الاطراء  والثناء من المدح المذموم  ؛ و هو الذي  يقع في غير محله  , أو الذي  يؤدي إلى مفسدة الممدوح  ، فهذه الفئة الهجينة واتباعها تقوم بمدح الحاكم بما ليس فيه مما يوقعه بالغرور والتكبر والطغيان ؛ وبسبب هذا التملق والمدح المبالغ فيه يعتقد الحاكم أن له حقًّا على الناس وقدرًا ، وربما ظن أنه فاق غيره من السابقين واللاحقين في الفضل والحنكة السياسية والقيادة وقد يعلم الله انه من افشل الساسة واحقر الولاة وانجس الحكام والد الخصام ... ، فاتكل على ذلك وترك العمل من اجل الشعب  أو قصر فيه ؛  بل وعندها لا يرى الحق حقا والصدق صدقا والشر شرا والخير خيرا ... ؛  اذ تنقلب الامور رأسا على عقب ؛ فهؤلاء المداحون يسارعون الى مدح من يرون انه سبب في تحقيق مصالحهم، فلا يضيعون الفرصة ولو على حساب دينهم وشرفهم واهلهم و بلادهم ... , ومن المدح المذموم ايضا : مدح من لا يستحق المدح من الولاة الظالمين والحكام الغاشمين والمسؤولين الفاسدين ورجال الدين الدجالين والطائفيين والعنصريين والمنكوسين والقتلة والمجرمين والذباحة والارهابيين ... ؛ وهؤلاء المرتزقة  يتزلفون بإطراء الحكام الممدوحين ، وقد يتخذون الثناء على الرؤساء وذوي الجاه تجارة لهم وطريق لعيشهم ، ويجعلون التملق رأسمال لهم في هذه الحياة ! فبئس هذا المدح الذي قد يغر الممدوح ، ويجعله ينظر لنفسه بالإعجاب والكِبْر والزهو كما فعلوا مع جرذ الحفرة اللقيط الهجين صدام ابن صبحة فيما بعد ... , والمدح المبالغ فيه قد يحمل من الاطراء ما يجاوز الحقيقة ، ويخرج عن حده إلى التكلف كما مر عليكم انفا في مدح الشيخ السويدي للوالي داود العثماني . 

ومن مؤلفاته :

كتاب شرح تاريخ ابن كمال باشا – واصل الكتاب : تاريخ ابن كمال باشا ؛ لمؤلفه أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت 940 هـ / 1534 م ) ,  قاض من العلماء بالحديث ورجاله, تركي الأصل، مستعرب ؛ عاش زمن السلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانوني , حيث نصبه السلطان سليمان قاضي الدولة العثمانية وله كتاب تاريخ ال عثمان ايضا (3)  .

المفروض بالمؤرخ الذي يدون الاحداث الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية  ويسجل الوقائع العسكرية والمعارك الحكومية ؛ ان ينقلها بكل حيادية وموضوعية وبصورة مجردة ... ؛ الا ان الواقع شيء والمفروض شيء اخر ؛  فالانتماءات  الطائفية والمذهبية والدينية والايديولوجية والفكرية والمنهجية لكل كاتب ومؤرخ تتدخل في عمليات تدوين احداث و وقائع التاريخ ، ولعل أبرز مثال على هذه التدخلات من الناحية السلبية هو ما فعله المؤرخون بتاريخ الدولة العثمانية... ؛  فعند التمعن في تاريخ الدولة العثمانية والأوصاف التي اعتمدها الكتاب في كتابة هذا التاريخ نجد ان البعض عبَّرَ عن انتمائه الطائفي وتعصبه المذهبي  وتبعيته للدولة العثمانية كموظف او مرتزق او احد وعاظ السلاطين ؛ فالبعض كان يرى في الدولة العثمانية انها تمثل الخلافة الاسلامية وان ولاة وسلاطين الدولة قد صانوا بيضة الاسلام لعهود طويلة على الرغم من فسوق وانحراف وفجور وظلم وطغيان البعض منهم ... ؛ فهذا الكتاب وامثاله يعتبر من مصاديق ما اشرنا اليه انفا . 

وكتاب التوضيح والتبيين شرح كتاب والده العقد الثمين في العقائد... ؛ وقد مر عليكم في الحلقة السابقة ان هذا الكتاب يتناول العقائد والآراء السلفية ويدافع عن الشيخ ابن تيمية .

ومن مؤلفاته المشهورة "سبائك الذهب في معرفة انساب العرب" وهو تهذيب و تلخيص لكتاب : (( نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب”، تاليف  الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن عبد الله بن سليمان بن إسماعيل القلقشندي المصري الشافعي )) ؛ ألفه سنة 1229هـ/1813م، وأتمّه في 16 شوال منها، وقد أراد به أن يقدمه هدية إلى بيت رغب في مصاهرته فلم يوفق (11) ... ؛ ومن المؤكد ان هذا البيت من البيوتات العراقية الاصيلة والعربية العريقة وهم اعرف بجذور واصول امثال الشيخ محمد امين السويدي العثماني وامثاله ومن على شاكلته ( من الهجين العثماني واللملوم الاجنبي ) ؛ ولعل اغلب عرب العراق القدامى يستنكفون من تزويج بناتهم من العجم  - بالمعنى الاعم أي الذي يشمل الترك والفرس والكرد وباقي القوميات - والاجانب ؛ اذ ان النعمان بن المنذر العراقي العربي – ملك الحيرة – رفض تزويج ابنته لكسرى ملك بلاد فارس ... ؛ وظن هذا السويدي ان ادعاءه للنسب العباسي والعربي وتأليفه لكتاب في الانساب العربية والعشائر والقبائل ؛ سوف ينطلي على سكان العراق القدامى والاصلاء  ويصدقوا بكونه عربيا قحا او عراقيا اصيلا ؛ الا ان محاولته تلك باءت بالفشل ورفض هذا البيت العراقي الاصيل مصاهرة هذا العثماني الدخيل . 

مدرسته :

اتخذ الشيخ محمد امين السويدي ؛ من داره التي ورثها من ابيه ؛ مدرسة لتدريس طلبة المعارف الدينية ؛ فراح يدس السم الزعاف بالعسل وينشر الافكار الطائفية والرؤى الظلامية كأسلافه  من خدمة  ومرتزقة وغلمان الاحتلال العثماني البغيض ... ؛ وقد وصف السيد محمود شكري الآلوسي هذه الدار بقوله "كانت رصينة البناء، واسعة الأرجاء، وكانت طبقتين: عليا وسفلى"(12) ... ؛ وذكر الكاتب محمد سعيد الراوي أن موضع التدريس من البيت كان يشغل ثلاث غرف في الطبقة العليا من غربيه ... ،  مطل على الطريق، ... ؛  وأن هذا المجلس يتصل بدار أخرى بواسطة طاق (عقد)... ؛  ومع مرور الزمن أصاب الدار خراب حتى آلت إلى الزوال، فتولى الشيخ محمد أمين عمارتها لتغدو مدرسة علمية متكاملة، وقصدها الطلبة لتلقي العلم في حجراتها، وقد جرى افتتاحها في سنة 1239هـ/ 1823م (13)  ... .

والشيء بالشيء يذكر ؛ هنالك رجل دين عثماني اسمه الشيخ محمد امين السويدي  ؛ ولد  بدمشق سنة 1273هجري/1855ميلادي ...  توفي أبوه محمد عام  1870 م , وكان في تجارة له إلى الحجاز ودُفِن في جدة بمنطقة يقال لها بندر جدة  - كما ادعى القوم - ... ؛  فكفله عمه عبد القادر مع إخوته وكان عمره آنذاك خمس عشر سنة... ؛  لم يرغب الشاب محمد أمين أن يسلك سبيل والده في التجارة فأذن له عمه بالتفرغ لطلب العلم، فأخذ العلم من علماء الشام، ثم ارتحل إلى الأزهر وأقام هناك خمسة أعوام، ثم عاد إلى دمشق... ؛ ثم ارتحل بعد ذلك إلى بغداد وأخذ العلم عن علماء بغداد، ثم عاد إلى دمشق ... ؛ و درّس مختلف العلوم الشرعية في جامع الدرويشية وجامع السنانية... ؛  وحاز لذلك الوسام العثماني المجيدي ورتبة (إزميربايه) ... ؛  كما درّس في دار الحديث الأشرفية، وأدار المدرسة التجارية بدمشق مدة من الزمن...؛ وخلال الحرب العالمية الاولى اختارته الحكومة العثمانية و وظفته في الكلية الصلاحية  في القدس لتخريج القضاة والمدرسين  ؛ وفي 1919 أصدر حاكم سورية العسكري (علي رضا الركابي) قرارًا بتسمية ديوان المعارف بالمجمع العلمي العربي وعهد برئاسته إلى الأستاذ محمد كرد علي وكان من أول من سُمِّيَ من أعضائه الشيخ محمد أمين سويد... ؛  وكان هذا المجمع نواةَ مجمع اللغة العربية والذي ما يزال قائما... ؛ ونظرًا للاضطرابات التي كانت تمر بها دمشق انتقل الشيخ إلى لبنان فالأردن وأخيرا إلى القدس في فلسطين حيث مكث هناك ثلاثة أعوام مدرّسًا في الكلية العربية المعروفة بدار المعلمين... ؛ و في عام 1928، دعا الشيخُ محمد علي رضا زينل الشيخَ محمد أمين للتدريس في مدارس الفلاح بمكة المكرمة، فمكث بمكة سنة كاملة ثم عاد إلى دمشق عام 1929. ولم يستفد منه أهل دمشق في هذه الفترة مما دفع الشيخ محمد أمين لتلبية طلب محمد علي رضا زينل في عام 1930 للسفر إلى بومباي في الهند والإشراف على افتتاح فرع مدارس الفلاح هناك... ؛ وافته المنية في يوم الأربعاء في 20 شعبان سنة 1355هجري، الموافق ل 4 نوفمبر سنة 1936 ميلادية.(14) 

وادعى هو والقوم كالعادة ؛ انه من الاسرة السويدية التي تسكن العراق وان اجداده من بغداد ؛ وهذا من اقبح الكذب والتدليس والتزوير ... ؛ والقرائن كلها تكذب دعوى القوم , ومنها :

  • راجعت كل مشايخه واساتذته الذين درس واخذ العلم عنهم سواء في بغداد او غيرها فلم اجد عالما سويديا من اقربائه العراقيين كما يدعي  ضمن سلسلة مشايخه ولا من تلاميذه ايضا  .
  • لم يثبت نسبه قط ؛ فها هي المكتبة العربية دونك لم تذكر اسم جده  ؛ كي نعرف واسطة الاتصال النسبي بينه وبين السويديين في العراق ... ؛ وقد قرات كتابه ( تسهيل الحصول على قواعد الاصول ) بتحقيق الكاتب الدكتور مصطفى سعيد الخن   ؛ ولم يسعفنا المؤلف عن تفاصيل حياته او حتى ذكر اسم جده فضلا عن بيان اصوله الحقيقية . 
  • لم يذكر لنا التاريخ ان احد السويديين قد هاجر للحجاز او دمشق وانجب هناك وبقت ذريته وتكاثرت ولم ترجع للعراق .
  • وعلى الرغم من كونه معاصرا لأبناء الشيخ يوسف السويدي وغيره من السويديين لم يدعي احد منهم ان هذا المدعو الشيخ محمد امين السويدي يقرب لهم بصلة .
  • ومر عليكم في الحلقات السابقة وسوف يمر عليكم لاحقا : اننا تتبعنا خطوط مسار نسب هذه العائلة بصورة دقيقة وموثقة واحصينا كافة ابناءها بشكل تفصيلي ولم نعثر على شخص يدعى الشيخ محمد امين بن محمد ؛ كان ابوه يمارس التجارة وهو انخرط في الدراسات الدينية من الاسرة السويدية القاطنة في بغداد . 
  • ومما مر عليكم انفا يتضح لكم ان هذه الالقاب مجرد القاب او شفرات عثمانية وليست قبائل عربية او عشائر او انساب معروفة وموثقة , وقد مر عليكم ان جذور طالب النقيب  في البصرة تختلف عن اصول عبد الرحمن النقيب في بغداد ؛ وكذلك الكيلانيين فبعضهم ايراني الاصل والاخر عثماني والثالث فيلي ... ؛ ونفس الامر ينطبق على هؤلاء السويديين . 

في عهود الاحتلال العثماني للدول العربية وبلاد الرافدين ؛ ظهر للعيان وفي جميع مجالات الحياة اناس اعاجم واجانب ومجهولي الاصل والجذور ... ؛ استعربوا واستعرقوا – ادعوا الهوية الرافدينية العراقية العريقة - ... ؛  وقد تسلموا المناصب الكبيرة السياسية والعسكرية والدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ... ؛ وقد شارك احفادهم فيما بعد وبقوة في حكم العراق بعد عام 1920 ... ؛ وهؤلاء الذين استعربوا يتصفون بمواصفات غريبة  عن طبيعة وثقافة وعادات وتقاليد الاغلبية والامة العراقية ... ؛ لذا تراهم يحقدون على العراقيين الاصلاء  , ويمقتون تاريخ وحضارة وشخصيات الاغلبية والامة العراقية الاصيلة ؛ ويفضلون كل ما هو اجنبي وغريب ... . 

...........................................................................

  • 1-ينظر محمد سعيد الراوي تاريخ الأسر العلمية في بغداد ، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف ، ط2، بغداد 2007، ص201 و248.  
  • 2-العلامة محمد أمين السويدي دفين بريدة /  عماد عبد السلام رؤوف  .
  • 3-موسوعة الأعلام، خير الدين الزركلي .
  • 4-دراسات وثائقية في تاريخ الكرد الحديث وحضارتهم، الطبعة 2، دمشق2011، ص251-469.عماد عبد السلام رؤوف  
  • 5- سليمان فائق بك: مرآة الزوراء في سيرة الوزراء، ترجمة موسى كاظم نورس، بغداد ص 132 . و : فهرست مخطوطات يعقوب سركيس المهداة إلى جامعة الحكمة ببغداد، بغداد 1966، ص120 / كوركيس عواد . 
  • 6-تاج العروس، المقدمة ص(ي د)، طبعة الكويت 1965.
  • 7-نشرت في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ج8، 1928، ص 752.
  • 8-تدريب الراوي في شرح تقريب النووي، جلال الدين السيوطي، الطبعة الثانية، ص. 467.
  • 9-المسك الأذفر، بغداد 1930، ص82.
  • 10-الصارم الحديد في عنق صاحب سلاسل الحديد، الورقة 3./ عن المحقق المؤرخ عماد عبد السلام رؤوف . 
  • 11-محمد سعيد الراوي: تاريخ الأسر العلمية في بغداد /  ص200 / تحقيق  المؤرخ عماد عبد السلام رؤوف . 
  • 12- مساجد بغداد وآثارها ص113 . 
  • 13-خير الزاد في تاريخ جوامع ومساجد بغداد/   ص403 / تحقيق عماد عبد السلام رؤوف /  بغداد 2006 . 
  • 14- كتاب تسهيل الحصول على قواعد الاصول  / بتحقيق الكاتب الدكتور مصطفى سعيد الخن  / دار القلم , دمشق / الطبعة الاولى 1991 .