لا يضمن الإنسان مستقبله، ولا يدري ما يحدث له غدا، قد تغير لحظة واحدة مجرى حياة الإنسان للأبد، قد تقلب كيانه كلمة واحدة، وقد لا يعود كما في السابق بعد حدث واحد، قد تأتي ظروف معينة لترفع وعينا المعرفي دون سابق حساب، وقد يزداد النضج لدينا بشكل أكبر في ليلة واحدة من أحداث نعيشها عوضا عن سنة كاملة عادية، توجد فترات تمر على الإنسان في حياته إما أن تهوي به إلى الأسفل أو ترفعه، فترات تعلن ضرورة التصالح والتسامح، ومراجعة الماضي وتغيير المعتقدات والأراء، نحتاج فيها لذاكرة جديدة، نعيد فيها صياغة الأحداث وترتيب الأشخاص وتغيير الأولويات وتفاصيل الحياة، نحتاج فيها لإتلاف ذاكرتنا القديمة بكل ما بها من أفراح ومأسي، والبدء بذاكرة جديدة للحظة جديدة، يكبر الإنسان عقلا وفكرا وروحا ومشاعريا بمرور الأيام وحدة الظروف والأحداث، وقد يصطدم بالمآجآت السارة السعيدة أو المأساة والألم، ما يؤدي به للإرتفاع أكثر ورؤية الحياة من قمة أعلى لم يكن يبصرها من قبل، هكذا النضج والوعي يأتي، قد نسعى إليه وقد يأتي صدفة في ليلة ما أو نهارا، في لحظاتنا المطمئنة الهادئة قد نستقبل أخبارا أو ظروفا أكبر من إستيعابنا فيزدحم العقل بالأفكار والحلول وتتضاعف المشاعر فتتوسع دائرة العقل والقلب أكثر فننمو وينمو معنا إدراكنا ومعرفتنا وننضج أكثر وقد نتخذ قرارات تغير مجرى الحياة من بعد، يسهل الكلام و الحديث والتعبير لكن حين يحين الحدث ووقت التطبيق تظهر الأشياء على حقيقتها، وتتحدد معالمها، ويبين صعوبتها ومشقتها، نكتشف التفاصيل الصغيرة التي لم تكن ظاهرة لنا حين رسم الصورة بحجمها الأكبر وعن طريق عيشها وتطبيقها أدركنا خطوطها المائلة وسلبياتها، من السهل تصنع القوة ولكن وقت الشدائد تظهر القوة بالأفعال بمدى التماسك والصبر وإتخاذ القرارات الصائبة بشجاعة، ‏ليس المهم أن تكون بطلا خارقا في لحظاتك العادية، بل أن تكون بطلا خارقا في لحظاتك الصعبة، في اللحظات الإستثنائية أو الجديدة التي لم يسبق لك أن عشتها، كزيارة دولة جديدة أو التعرف على مهارات لأول مرة وتجربة أكلات جديدة، وصناعتك لأول كرسي أو إجرائك لأول عملية جراحية سوف تختبر مشاعر جديدة وأفكار جديدة، ستشهد ردات أفعال مختلفة ممن حولك، جرب أن تحضى بالتصالح والسلام في تلك الفترات الذهبية، أن تشعر بكل شيء وتتعلم جيدا، وتسمح لنموك المعرفي أن يسير في مساره المتزايد لتكتسب وعيا جديدا وخبرة أكثر لتتغير، لتبصر الأشياء على حقيقتها وتعرف معادن الأشخاص من حولك، في كل فترة جديدة من الحياة يتساقط بعض الأشخاص من حولك ويظهرون أشخاص أخرين، ومع إنتهائها يتساقط بعض الأشخاص ويظهرون أشخاص أخرين، إنها المعادلة السهلة الطبيعية بإنتهاء دورهم في حياتك أو في مرحلة معينة، تبقى العائلة هي المرافقة دائما في كل فترات الحياة منذ لحظة خلقك وحتى بعد وفاتك تتبعك وتضعك في أمان هناك في قبرك مع دعوات طويلة ورحلة من الوفاء المتتالية التي لا تنتهي، وتبقى الأم هي التي تبحث عن أبنائها وتجذبهم تجاهها في كل وقت ليبقوا بقربها، تبقى الأم القلب الحاني الرحيم في كل محطات الحياة وتبعاتها، ويبقى الله هو النجاة والمأمن والملجأ ومن يستحق السير في كل طرقات الحياة إليه.