أيقونة جديدة تلمع داخل خزانة الأدب المغربي، دراسة أنثروبولوجية لعلاقة المغاربة بالثورة عبر التاريخ، ومحاولة لتفسير الدينامية الفكرية التي تخضع لها المفاهيم في أذهان المغاربة في ظل مختلف المؤثرات، حيث فسر الجويطي بشكل جيد ما وراء السلوكيات المجتمعية لدى المغاربة أو الدوافع الدفينة وراء مختلف الاختيارات.
في محاولة لأسقاط مخرجات الرواية على عالمنا المعاصر، قد يتضح أن ما ندعوه سذاجة أو تفاهم في المجتمع المغربي، لا يزيد على أن يكون نتيجة سيرورة من الأحداث التي أدت إلى تشكل قناعات جديدة داخل الوعي الجماعي المغربي، أنتجت لنا نموذجا للمجتمع الأكثر تأقلما مع المتغيرات الحالية، بغية تجنب أي كوارث محتملة.
عدم استجابة الشارع المغربي للربيع العربي وفق منطق الرواية، قد يكون بدافع توقع الكارثة المحتملة وراء أي تصرف طائش، حيث رسخت الكوارث التي تتالت على المغاربة جراء المقاومة والثورات نوعا من الفوبيا اتجاه المعارك الخاسرة، وأصبح المغربي أكثر حساسية في مسألة الانسياق وراء العاطفة.
تموقعنا كشباب التسعينات بين جيل الثمانينات وجيل الألفينات، حرمنا من خوض غمار المعارك الكبرى، لهذا أعتقد أن هذه الرواية ستنال اعجاب الشباب، لأنها تحيي بهم الرغبة في خوض معارك حقيقية بدل الاكتفاء بالمعارك الصغيرة، خاصة أننا جيل سليم عاطفيا، تأثرنا بانكسارات الماضي بشكل أقل.
فلسفة الحرب طُرحت في الرواية، هل لابد من العنف كي نحقق السلم؟ كيف يمكن للعنف أن يخدم السلم إذا؟ أم هل يجب أن نترك الأمور على ما هي عليه؟ لكن ماذا لو لم تكن الأمور جيد؟
تيمة المكان، كانت ممتعة للغاية، الجويطي كتب عن مدينة بني ملال كما لم يفعل أحد قبله، وجدت نفسي في أخر زيارة لقصر أسردون استرجع تفاصيل الرواية، وأحاول تنزيلها على الواقع، كما قمت بزيارة لقمة جبل تاصميت خصيصا لتبع أثار هذه الثورة، في انتظار أن أزور وادي إيرس أيضا.
الكتابة هي مس من الجنون كتابة بلا جنون هي كتابة ناقصة، لأن المجانين فقط يقرؤن بنهم، وقد وجدت الجنون الذي أبحث عنه في قصة الوسادة والسلحفاة، اصطحاب وسادة وسلحفاة في رحلة ثورية، تعبير معبر عن الجنون الذي يجب أن تختلجه الأفكار العظيمة
وادي إيرس، كنت أتمنى ألا تتوقف سطور الرواية عن وصفه ومناقشة أحوال أهله واحدا واحدا، كأن الجويطي يريد أن يقول من خلال ساكنة الجبل أننا مجتمع متعب، مجتمع مجروح، مجتمع في طور التعافي، وإلى حين أن نتعفى، سنحوم فقط حول معاركنا الصغيرة، بعيدا عن المعارك الكبيرة. واد إيرس هو مغرب مصغر صور من خلاله الكاتب الوضعية السوسيوعاطفية للمجتمع المغربي.
مُسيرة دار الدعارة، تُدير مقاولة ناجحة رأس مالها المُتعة، لكن رغم ذلك كان لها رأي في الحرب والسياسة، كأن الجويطي أراد أن يقول من خلالها ونيابة عن نساء غيرس الموجوعات، أن المرأة هي دائما الضحية الأولى لتهور الرجال، الرجال يشعلون شرارة الحروب والثورات، والنساء يدفعن الثمن.
قرار اغلاق دار الدعارة بغية كسب تعاطف ساكنة الوادي لم يكن ناجحا، كأن تلك الصفحات تقول أن المغاربة لا يحتاجون للإرشاد والتوجيه، إنما يحتاجون حقوقهم التي تضمن لهم الكرامة، المغاربة مفتخرون بكرامتهم، ومتسامحون مع عاداتهم وأنفسهم، فلا داعي لاستغلال الدين لتوجيههم.
فلسفة الحزن كانت جلية من خلال مقبرة الصور، سيتعافى مجتمعنا ربما حين تدفن صور شهداء المقاومة تحت التراب، وتتوقف النساء عن زيارة تل الأمل الزائف، حين تتوقف القلوب الموجوعة عن زيارة مقبرة الصور، وحين تتوقع الأرجل المتعبة عن زيارة تل الأمل، حينها سيكون مجتمعنا قد تعافى من جراح الماضي، وحينها يمكننا التحدث عن ثورة ناجحة.