المغاربة، من منا لم تتردد هذه الكلمة بشكل دائم في حياته اليومية، عنوان يوحي على الكثير، ويفتح أبوابا عدة للتساؤل والاستفسار، عنوان متعدد الأبعاد والتطلعات، هو عنوان فلسفي يجعلنا نتسائل حول ماهية وجودنا، وعنوان سياسي يضعنا أمام أزمة الهوية الوطنية، عنوان تاريخي يعود بنا للماضي لعلنا نهتدي لحقيقة نشأتنا وتطورنا، وأخلاقي يخط لنا مبادئ مشتركة لعلها توحدنا. المغاربة، عبارة تكتنز الكثير، كلمة تنبع من عمق الأنثروبولوجيا، وتُحير السوسيولوجيين، كلمة لم تجد لها الجغرافيا حدودا على الخريطة، ولا التاريخ نجح في حصرها داخل خط زمني محدد، كلمة تَحدت جميع القيود وحطمت الكثير من أصول المنطق.

تحكي الرواية عن قصة محمد الغافقي، هذا الشاب المكفوف الذي جسَّد به الكاتب حالة شعب بأكمله، مكفوف لقي حتفه مجنونا بعد قصة حب مبهمة، مكفوف حارب مكفوفا أخر في سبيل فتاة مبصرة، فراح الإثنان في مصير مجهول ذهب ببصيرتهما هي الأخرى، مكفوفان كانت أخر ذكرياتهما عبارة جنونية: إنه زمن الجنون الكبير والعمى الهائل يا صديقي، إن حالنا كمغاربة لا يختلف عنهما إلى بالنزر اليسير، نتصارع فيما بيننا في عز حاجتنا للوحدة والتكافل. سؤال محرج أجبرنا جويطي على مجابهته في الرواية، كيف يمكن لذوي الاحتياجات الخاصة أن يحيوا بكرامة في مجتمع يفتقر أصحائه لهذا الشرط؟ كيف لمكفوف أن يحيى دون أن يتعرض للاستغلال الأهوج، وكيف لمعطوب حرب أن يُتمم حياته مهمشا بعد ان أفرغ مخزونه من الحياة في الحروب. من خلال هذه الشخصيات المهمشة، أبدع الجويطي في تشخيص حالة المجتمع المغربي تشخيصا متقنا وجريئا لأبعد حد، وبعبارة أخرى، نجح في أن يرينا من خلال مرآة التاريخ حقيقة وجهنا كمجتمع. في هذا العمل التشخيصي، لم يعتمد عبد الكريم أي مَخرج من مخرجات التشخيص التقني، بل اعتمد تشخيصا تاريخيا محظا. من خلال التاريخ فقط، نجح في تشخيص حال مجتمعنا، وكانت روايته هاته بمثابة نتائج الفحص الذي نبأنا بسوء حالنا، وحاجتنا الماسة لشفاء فعال وعاجل.

الأن دعوني أحدثكم عن أساليب التشخيص المستخدمة هاته، إنه التاريخ يا سادة، عبد الكريم أبدى في عمله مجهودا بحثيا عميقا حول تاريخ المغرب، من زمن السلاطين العلويين الأوائل وحتى زمن الملوك الحاليين، مرورا بفترة الاستعمار ومن برز فيها من قواد وباشوات. كلها فترة غطتها الرواية بدقة داخل قالب روائي ممتع، معلنة عن نجاح جويطي في تسخير قوى التاريخ من أجل الإبداع الأدبي الصارخ. إبداع جال به الكاتب بحرية بين أصقاع جغرافية عدة، من مصر رفقة طه حسين، إلى القايد لغناوي والعيادي ووغيرهم من السياسيين والأولياء الصالحين المغاربة، هكذا سيجعلك هذا العمل تقابل أعلاما عربية وأمازيغية عدة في الفن والسياسة والعلم والدين، شخصيات تركت بصمتها في التاريخ، فالراوية هي مخزون مُغري وقاموس متميز للأعلام والأقوال المأثورة والخالدة. هي تجسيد لتاريخ مغربي دامي نعيش امتداده حتى اليوم، تاريخ بلور في مخيلتنا الجماعية عقدا نفسية وأوراما مجتمعية يصعب التخلص من خبثها دون إرادة حقيقي. بعد المكان كان حاضرا بقوة، من مدينة بني ملال سافر بنا الجويطي عبر المكان لبلدان وعوالم مختلف من مختلف بقاع العالم، وعبر الزمن، عاد بنا إلى عصور مضت، وأحداث خلت، وشخوص تاريخية أزهرت في وقتها. دمج عبق التاريخ مع سحر الجغرافيا كان بمثابة الوصفة السحرية الازمة لفك شيفرة هذا المفهوم الغامض، " المغاربة ". المغاربة هي رواية تُعري واقع المجتمع المغربي، بمنطق سليم قائم على ضرورة تشخيص الامراض من أجل علاجها، وليس فقط الاكتفاء بحجبها والتظليل بشأنها