سواسة مصطلح رائج في المخيلة الجماعية المغربية، ويرتبط بدلالات عدة، فالسوسي قد يكون هو الرجل الشحيح، أو هو التاجر المعتكف، أو هو صاحب الدكان في أخر الزقاق، وأحيانا هو كل من أتى من منطقة سوس أو مدينة أغادير. دلالات مبعثرة لا ترقى لتحديدي مفهوم دقيق لهذا المصطلح الذي قد يراه البعض عرقيا، وقد يراه البعض اجتماعيا أو أيديولوجيا أو جغرافيا. في هذا الكتاب المونوغرافي، حاول الكاتب تتبع مسار الظاهرة السوسية منذ نشأتها وحتى تطورها، وذلك من أبعاد مختلفة، منها ما هو انثروبولوجي وما هو سوسيولوجي وما هو سلوكي وما هو تاريخي.

من هم السوسيون؟

يفتتح الكاتب سرده بتصحيح بعض المغالطات الرائجة حول الظاهرة السوسية، وأهمها المغالطات الجغرافية، حيث أن السوسيون لا ينتسبون بالضرورة إلى مدينة أغادير أو نواحيها، ولا إلى سهل سوس، بل إن جبال الأطلس الصغير هي المهد الحقيقي للظاهرة السوسية، بدأ من مدينة تافراوت، وصولا الى مدينة تيزنيت

مهد الظاهرة السوسية

حاول الكاتب من بعد سوسيولوجي أن يبرر قابلية هذه المجتمعات للتطور الذي عرفته، من خلال عاداتهم وتقاليدهم وأعراقهم وعلاقاتهم الرائجة، ثم يسير بنا الكاتب مفسرا نشأة هذه الظاهرة، والقبائل الأولى التي تعاطت للتجارة بالمنطقة، بل والتجار الأوائل اللذين أثاروا هذه الشرارة بتحقيقهم لأرباح مهمة من التجارة، وتبذيرهم لتلك الأموال في تشييد منازل فخمة داخل حدود دواويرهم، ما جعل المنافسة تحتمي بين الشباب والكهول، ما خلق حاجة جديدة لللإنجاز، وإلى تحقيق الربح، وفرض الذات

كيف تطورت السوسية

من هنا تبدأ قصة "الحاج براهيم" التاجر السوسي المخضرم الذي عايش نشأة وتطور الظاهرة السوسية بحلوها ومرها. الحاج إبراهيم الذي رافقنا من خلال تجربته، كان نموذجا معبرا عن جميع التجار السوسيين بتلك الفترة. فالتاجر السوسي الطفل ليس هو التاجر الشاب ولا الكهل. فما إن يبلغ السوسي 10 سنوات، حتى يرحل للبيضاء أو طنجة او غيرها من مدن الشمال ليلتحق بأحد اقاربه لمساعدته في أمور التجارة، ثم حين يصبح شابا يسعى لإنشاء دكانه الخاص، وبعد ان يصير كهلا، يطمح في خوض مغامرة استيراد السلع والتجربة السياسية أو المدنية

مقاومة الإستعمار في بلاد سوس

من أبرز ما أشار إليه الكتاب أيضا تزامن تطور الظاهرة السوسية مع فرض فرنسا لللإستعمار على المغرب، ليتحول السوسيون من أناس يتاجرون مع المستعمر في الدار البيضاء، إلى مقاومين يدافعون على أراضيهم من هذا العدو، حيث يمكن وصف المقاومة السوسية بأنها الأفضل من حيث الديبلوماسية والإستراتيجية. حيث أُنهكت فرنسا قبل تمكنها من احتلال قبائل الأطلس الصغير، لأن جل المقاومين تجار عايشوا العدو ويعرفون أسراره. لكن حين باتت المقاومة بلا جدوى، وبعد استسلام السلطان، فرض السوسيون شروطهم على المستعمر مقابل تسليم أراضيهم.

سوس كمركز اقتصادي

يتطرق الكتاب إلى دينامية وسائل التواصل منذ نشئة الظاهرة السوسية إلى اليوم، فالتجار الأوائل اللذين أشعلوا شرارة التجارة، كانو يستخدمون وسائل بدائية في التواصل والتنقل، فكانوا مرة كل سنة مع حلول مناسبة عيد الأضحى ينتقلون نحو سوس من أجل زيارة الأهل، والتبختر بالأرباح، أرباح لم يكونوا يحملونها معهم في طريقهم عبر الممرات الجبلية، حيث نشطت حركة قطاع الطرق حينها، خصيصا من أجل الترصد بالسوسيين العائدين إلى سوس، فكان هذا بمثابة دافع من أجل خلق خدمات خاصة بنقل الأموال، كانت بدائية في البداية، حيث تستعمل السفن لهذا الغرض، ثم تطورت مع إنشاء أول مكتب بريد بالمنطقة بمدينة تيزنيت، حيث ترسل إليه الأموال قبل أن تنقل بالبغال إلى تافراوت والمراكز المجاورة حيث تغيب الطرقات المعبدة، لكن بعد ذلك فرض السوسيون وجودهم على المستعمر، وبالتالي تم تعبيد الطرق من وإلى سوس، وتنويع وسائل التنقل التي بدأت بالحالفلات ثم سيارات الأجرة، واليوم نتحدث عن قطار فائق السرعة يربط طنجة بمدينة أغادير.

الصراع اليهودي السوسي الفاسي

في الأخير، لابد من الإشارة إلى المنافسة الإقتصادية بين السوسيين وغيرهم، حيث يظهر من خلال الكتاب أن هنالك حرب باردة قائمة بين السوسيين والفاسيين لا ندري عنها الكثير. فمع تراجع أعداد اليهود بالمغرب، أصبح المنافس الوحيد للسوسي هو الفاسي، ليس في التجارة فقط، بل في السياسة أيضا، حيث كان لكلا الطرفين دور حاسم في تكوين حزب الإستقلال والضغط على المستعمر من خلال المقاومة الوطنية، إلا أن الطرفين وصلا الى نقط الفراق بعد الإستقلال، ليركز السوسيون جهودهم حول الغرفة التجاربة بتكوينهم لحزب الحركة الشعبية، تاركين لحزب الإستقلال الحرية في الساحة السياسية، ليحتكر "فاسة" جل المناصب العليا في البلد بفضل ميزتهم الحاسمة وهي التعلم

اللوبي السوسي

إلى جانب كل شيء، تطرق الكتاب بالتفصيل لقضية الزيوت المسمومة، والتي تعرفت عليها وأثارت اهتمامي لأول مرة في رواية الملف 42 لعبد المجيد سباطة، لكن في هذا الكتاب تم التطرق لأدق تفصيل القضية، ولأسباب التكتم الإعلامي حولها، بسبب القرارات الغير منطقية التي تلت الكارثة، والتي لعب فيها اللوبي السوسي دورا حاسما.