كُتب في إحدى البرديات الموجهة إلى فرعون مصر "أنظر الى من كان لا يملك شيئاً يعيش الآن في القصور.. ومن كان لا يجد الشعير يشرب الآن الجعة.. انهم سرقوا مال الناس واغتصبوه، وأن من كان ينبغي عليه أن يقدم الحساب يجور على متاع غيره.. وذلك الذي يجب أن يحكم بمقتضي القانون يأمر بالسرقة.. وكبير المنطقة الذي كان ينبغي أن يمنع الاختلاس أصبح نموذجاَ لمن يود أن يختلس.. أن اصلاح الخطأ متعب لكن الضرر طويل".


جرم المشرع القطري الاختلاس في المادة 148 من قانون العقوبات القطري رقم 11 لسنة 2004 حيث نصت على "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تجاوز عشر سنوات، كل موظف عام اختلس أموالاً، أو أوراقاً أو غيرها، وجدت في حيازته بسبب وظيفته.وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سبع سنوات ولا تجاوز خمسة عشر سنة، إذا كان الجاني من الأمناء على الودائع، أو الصيارفة، أو كان مكلفاً بتحصيل الغرامات، أو الرسوم أو الضرائب أو نحوها، وسلِّم إليه المال بهذه الصفة".

 

جاءت هذه المادة موائمة لاتفاقيه الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 وفق نص المادة 17 "تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم قيام موظف عمومي عمدا، لصالحه هو أو لصالح شخص أو كيان آخر، باختلاس، أو تبديد أي ممتلكات، أو أموال، أو أوراق مالية عمومية، أو خصوصية، أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه، أو تسريبها بشكل آخر". وهنا نستنتج من النص القطري والأممي بأنه توجد موائمة عالية.

 

ما هو المقصود بجريمة الاختلاس؟ يتمثل الاختلاس بقيام الموظف العام بالتصرف في شيء مملوك للدولة أو للغير ومحاولة إضافة الشيء إلى ملكه عن طريق أي تغيير طارئ في نية الحيازة، متى وجد هذا الشيء في حيازته بسبب وظيفته. يمكن القول إن الاختلاس هو تغير الحيازة الناقصة إلى كاملة مع الظهور بمظهر المالك، ويمكن إثبات نية التملك عن طريق الأعمال المادية كبيع الشيء أو رهنه. وبناء عليه يمكن تصور جريمة الاختلاس الأموال العامة والخاصة متى وجدت في حيازة الموظف بسبب وظيفته، وهذا اتجاه يحمد عليه المشرع القطري فكان دقيقًا عند تسمية عنوان الفصل" الاختلاس والاضرار بالمال العام" على خلاف المشرع المصري الذي عنون الباب "اختلاس المال العام والعدوان عليه" صفة العام اقترنت بالمال هنا ولذلك اتجه بعض الفقهاء على حصر الجريمة في نطاق الأموال العامة أما المشرع القطري جرد الاختلاس من أية صفة، ولذلك يتصور وقوعها على المال العام والخاص متى وجد المال في حيازة الموظف وبسبب وظيفته.

 

تصنف جريمة الاختلاس في مصاف الجنايات، ويعود ذلك بسبب إهدار ثروات الدول والأشخاص وهي بذلك تتعلق بالحقوق العامة والخاصة، أضف إلى ذلك تمثل هذه الجريمة عدواناً بشكل صريح على ثقة الموظف العام الممنوحة من قبل الدولة، ويكون موضوع الجريمة هو المال وبناء عليه فهي اعتداء على الأموال. لكن يجب أن نوضح أن علة التجريم نطاقها أوسع من ذلك فالجاني اتبع هواه الشخصي على حساب المصلحة العامة عن طريق إشباع رغباته، فهو يقوم باستغلال الوظيفة العامة، والخائن هنا تولد وصفه عن طريق خيانة الأمانة الموكلة إليه ولولا وجود هذا النص لعوقب بجريمة خيانة الأمانة. وكل ما في الأمر أنه يمكن القول بأن هذه الجريمة صورة مشددة من جريمة خيانة الأمانة لكن مرتكبها موظف عام فتحولت الجريمة من جنحة إلى جناية، والحيازة جاءت بسبب الوظيفة وليس بناءً على عقود الأمانة. وشدد المشرع على فئة معينة من الأشخاص، يتضح من نص المادة 148 أن الاختلاس قد يكون بصورة بسيطة فيعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 10سنوات، وقد يكون بصورة مشددة فيعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن7سنوات ولا تزيد عن15سنة. وتعود حالة التشديد هنا بسبب أخذ الجاني صفة طائفة معينة من الموظفين العموميين وهم الأمناء على الودائع (هو الشخص الذي تكون وظيفته الأساسية الحفاظ على أموال الدولة والأفراد) يتمثل ذلك في الواقع العملي بأمين المخزن أو المكتبة. الصيارفة (الشخص الذي يتولى عملية استلام النقود وعدها والحفاظ عليها وانفاقها وتوزيعها) ومثال عليه في الحياة العملية هو الموظف الذي تُسلم إليه النقود لكي يعطيها لأصحابها كمعاشات ورواتب أو تعويضات لهم، ويمكن أيضاً يكون موظف في إحدى البنوك يتولى عملية استلام النقود وعدها. المكلفين بتحصيل الغرامات والرسوم والضرائب (وهو الشخص المكلف بجمع أموال الدولة بمقتضى القانون أو اللوائح أو الأوامر) وتوجد صور عدة في الحياة العملية ومنها الشخص المختص بجمع رسوم الدعاوى القضائية، أو مأمور أو المكلف بجمع الضرائب، أو المأذون (المَّلاك)، وعلة التشديد هنا تعود لسهولة وصول المال إلى هذه الطائفة، أيضاً يوجد حمل ثقيل إلى هذه الطائفة فالمسؤولية بقدر الأمانة فكل ما زادت المسؤولية زاد العقاب. وتتكون جريمة الاختلاس من أربعة أركان، هي: الركن المفترض وركن المحل والركن المادي والركن المعنوي.