من اقوال الفيلسوف فولتير : (( أفضل حكومة هي تلك التي يوجد فيها أقل عدد من الأشخاص عديمي الفائدة )) ... ؛ لا يخفى أنَّ الحكومات إنما تقوى وتضعفُ برجالِها ، وتحيا أو تموت بأحوالِها ، وتتقدمُ أو تتأخرُ بهمَمِها ، وهل قامت عبرَ التأريخِ الدولُ إلا بالتفافِ رجالها وتَنَاصُرِهم...؛ ولا يوجد ما يجمعُ الشتاتَ، ويؤلف القلوب ، ويوحّد الصفوف، وينهض بالهمم، ويحيي العزائمَ كالعقد الاجتماعي والدستور والقوانين المتفق عليها بين كافة ابناء الامة ؛ والاهم من ذلك كله اعتقاد ابناء البلاد حكام ومسؤولين ومحكومين ومواطنين بأهمية المشاعر والمصالح الوطنية والالتفاف حول هوية وطنية جامعة .
بل ان الشعوب والامم لا تقوم لها قائمة الا بقادتها المخلصين ورجال حكوماتها الوطنيين ... ؛ فهؤلاء هم الذين ينهضون بالأمة و يحمون الشعب ويحققون اهدافه وتطلعاته ويلبون احتياجاته وطلباته ... .
اذ ان قوة الشعوب والاوطان تستمد من قوة وكفاءة القادة السياسيين والحكام والمسؤولين الحكوميين ؛ والعكس صحيح ؛ اذ تضعف الدولة بضعف حكامها ؛ لذلك قيل : ضع الرجل المناسب في المكان المناسب ... ؛ وكلما كان رجال الحكومة اصحاب خبرة سياسية وكفاءة قيادية ومهارات ادارية ؛ كلما استقرت الحكومة واستندت على قواعد آمنة في السلوك السياسي وحظيت بالدعم والاسناد الجماهيري ؛ اذ لا يمكن لأية حكومة ان تنجح من دون رجال دولة من ذوي الخبرة والحنكة والدراية السياسية ؛ تقف خلفهم احزاب سياسية متماسكة ومتفقة على تحقيق ذات الاهداف الوطنية ؛ بالإضافة الى الاسناد البرلماني والجماهيري الفاعل .
وبما انه من الصعب وجود حكومة كاملة الاوصاف ؛ بحيث يتصف جميع رجالها وحكامها وقادتها و وزراءها ومدراءها ومسؤوليها وعناصرها المهمة بالكفاءة والنجاح والجدية والوطنية الخالصة و روح المبادرة وسرعة البديهة في حل الاشكاليات والعراقيل التي تعتري العملية السياسية ومسيرة الحكومة ... الخ , فلابد من وجود عناصر غبية وعديمة الفائدة وفارغة المحتوى وانتهازية ونفعية وكسولة ولا أبالية وبطيئة الحركة ... الخ ؛ فأن كانت نسبة هؤلاء قليلة جدا قياسا بأصحاب الكفاءات والمهارات والقادة الناجحين ...؛ فهذه الحكومة تعتبر حكومة ناجحة بل من افضل الحكومات كما قال الكاتب فولتير ؛ ولعلها تكون مصداقا لقول الشاعر :
وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها ××× كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ.
الا ان الخطر يكمن في استحواذ الاغلبية من الاشخاص عديمي الكفاءة والفائدة والخبرة على مقاليد السلطة في البلاد كما هو الحال منذ العام 1920 والى هذه اللحظة ... ؛ مع ملاحظة بعض الاستثناءات المهمة ...؛ فالسياسة من دون ساسة دهاة وطنيين , والحكومة من دون قادة اقوياء مخلصين ؛ تدمر الحكومة والدولة بل والوطن والمواطن معا .
فماذا نتوقع من اشخاص ساقهم القدر الى دخول عالم السياسة و قادتهم الصدف الى ولوج الدوائر والمؤسسات والوزارات الحكومية ؛ وهم مستبدون , نرجسيون , فاشلون , و يتسمون بمحدودية الافق , وبساطة المستوى التعليمي والثقافي فضلا عن السياسي والإداري , بالإضافة الى قلة خبرتهم او انعدامها في مجالي السياسة الداخلية او الدولية , ... الخ ؛ غير الفشل الذريع وارتكاب الاخطاء الجسيمة , والتسبب بالأزمات والانتكاسات والويلات التي تلحق بالمجتمع والدولة , ولعل تجربة حكومات الفئة الهجينة في العهد الملكي ؛ او حكومات العهد الجمهوري الثورية ؛ اذ استولى على الحكم ومقاليد السلطة في العراق بغفلةٍ من التاريخ ؛ مجموعة من الضباط محدودي التفكير والتجربة والثقافة ... ؛ والخبرة والكفاءة السياسية والادارية وغيرهما ؛ ( كالطرطور ) المجرم عبد السلام عارف , او ( ابو الهوايش ) المجرم احمد حسن بكر , او ربيب الشوارع ( والكراجات دوحي بن صبحة ) صدام , او همج تكريت ورعيان العوجة ... ؛ من أكبر الشواهد على صدق مقولة الكاتب فولتير ... ؛ والامر نفسه ينطبق على حكومات العهد الديمقراطي فهي مليئة بالرجال عديمي الكفاءة والخبرة ؛ وطالما شاهدنا اشباه الرجال والامعات و( الثولان والغمان والمخانيث ) يعتلون مناصب أكبر من حجمهم وامكانياتهم وخبراتهم المحدودة او المفقودة اصلا .