" تنتابني كثيرًا أفكارٌ موجعةٌ عن هويتي الإسلامية ، لا تدع عقلك يشتُ بك للإلحاد !

لا..لا ليس هذا إطلاقا .

يومًا ما أخبرتني أمي أننا أكثر حظًّا من جيلها ، ترى أن جيلنا نشأ علي علمٍ ، دين ، و وسائل علمٍ أفضل مما كان لديهم . أخبرتني أنّه لم يوجد عندهم من يفقّههم في الدين كحالنا .

أمّا أنّا فأري أن تلك الوسائل انتشرت وتداخلت حَتَّى أُصبنّا بجهلٍ أكثر .

جزى الله عني والِدَيَّ خيرًا بما هما أهلًا له ، أنشآني على قدر من العلم - و إن كان ضئيلًا - فإنه أساسٌ يدعمني حتى لحظتي هذا .

ثم كبرُت ، اختلطت بالناس ، وصرتُ أبحث عن العلم دونهما ، فتكاثرت عليّ الوسائلُ المعنية حتى أغرقتني بمزيد من الجهل .

نشأنا علي قيم ، و أحكام و مبادئ عدةٍ ، تلقيناها من الأسرة و الكتب ، حلقات الدعوة و الكتاتيب ، أشرطة الكاسيت و الراديو غالبًا . لم يكن التلفاز قد تناول الدين بعدُ بسُمومِه كما هو الحال الآن ، و لكنه ربما يكون قد ساهم في زمن ما . و الآن ، تعارضت قيمنا و مبادؤنا مع ما ألقته علينا الوسائل من فتاوى و تفسيرات خاطئة و أحاديث ضعيفة و موضوعة جعلتك ترى معظم ما تعلمته في حياتك كذبة .

لا أحد يصل لأقصى العلم ، فالعلم بحرٌ لا شاطئ له . و إن كان العلم الدنيوي لا نهاية له فالدين أحق بألا يجمعه شخص واحد و إن كان أصدق و أكثر ثباتًا من دونه .

كنّا و سنكون دومًا في بداية الطريق ، نتعلم كل يوم و يتبقي الكثير لا نعلمه ، أبدًا سيكون " و فوق كُلِّ ذي علمٍ عَلِيمٌ " .

منذ فترة ليست بعيدة كنت أظن أن عصر غربة الإسلام لم يبدأ بعدُ حقًّا و إن كانت بوادُره تنتشر كالنار في الهشيم . و الآن أكاد أتيقن أنه قد بدأ من زمن بعيد . منذ أن حِدّنا عن الطريق الحق و سَنَن الأولين .

ضللنا كثيرًا ، و ضاعت سَنَنٌ و فروض . اندثرت البيناتُ و طفت المتشابهاتُ لتتناولها كُلُّ يدٍ سواء يحق لها ذلك أو لا .

ضللنا كثيرًا و صرنا نستقي الفتوى مما لا يمكنه الفتوي ، يُفتٓي فنأخذ ما يوافق هوانا و نرغب عن دونه .

ضللنا كثيرًا و صرنا نتعدى الحدود بخدعة قالوها أن " ربك رب قلوب " !

ضللنا كثيرًا و أصبحنا نحن من يُأوِّل و يفسر و يجتهد بلا علمٍ أو هدًى أو كتابٍ مبين .

ضللنا كثيرًا يا أمي ! ..

لم نكن يومًا أكثر حظك منكم ، يكثرُ العلم فيزيد جهلنا و تمضى الأيام و نتخلف نَحْنُ .

ضللنا و نَحْنُ نردد في اليوم خمس مرات واجبة " اهدنا الصراط المستقيم " ، فإلي أي ضلال وصلنا ؟!

فَلَو فقط ينطق الفؤاد بها لما كان ما كان ! ..