ومن اصدق ما جادت به قريحة الكاتب فيودور دوستويفسكي : (( إذا كانت دموع الأطفال أمراً لا بد منه ولا غنى عنه لإكمال مقدار الألم الذي سيكون ديةً للحقيقة فإنني أعلن جازماً أن الحقيقة لا تستحق أن يدفع ثمنها باهظاً إلى هذا الحد )) لا يوجد شيء مؤلم واشد وجعا من رؤية طفل يبكي ويتألم ؛ وان كانت دموع الاطفال ثمنا لهذا السيناريو البشع والحقيقة المرة , وكانت معاناتهم دية لحقيقة وبشاعة هذا النظام الفاشل القمعي او ذاك ؛ فلا خير في هذه الحقيقة فضلا عن تقبلها او التكيف معها فهي لا تستحق دمعة من مقلة طفل بريء كما ذهب الى ذلك الكاتب الكبير فيودور دوستويفسكي .
و ان كانت النساء تمثل نصف المجتمع ؛ فالأطفال فيه يمثلون الافراح والطمأنينة والبراءة والمستقبل , فهم روح الحياة وبهجتها ولذة الدنيا وسعادتها ؛ ولا يكرم الاطفال ويحبهم الا المرء السوي والانسان الكريم ؛ ولا يعذبهم او يعنفهم او يهملهم او يكرههم الا الشخص الشاذ والمجرم اللئيم ... ؛ ولعل انجاب الاطفال ليس إلا وظيفة بيولوجية تقوم بها جميع الكائنات الحيَّة ابتداء من الأمبيا إلى القرود... ؛ اذ ان المهم رعاية الاطفال والاهتمام بهم وتربيتهم والاهم من ذلك كله الحرص على وجود الوالدين دائما معهم , وهذه هي المسؤولية الاخلاقية الكبرى والواجب الانساني المقدس .... ؛ ولكن ماذا يفعل الاب ان اختطفه الموت من اطفاله , وما يصنع الوالدان تجاه ابناءهم ان اخذوا عنوة والقوا في غياهب السجون ؟!
ولعل القارئ يتسائل عن علاقة هذه المقدمة بالعنوان ؛ وكذلك يريد ان يعرف من هو عدو الطفولة العراقية ...؟
اجبنا : بأن هذه المقدمة تعد تمهيد لما سيأتي ؛ وان عدو الطفولة العراقية ومصاص دماء الاطفال الذي لم يعرف له التاريخ مثيلا قط ؛ الا وهو الوغد السفاح صدام وزبانيته الجلادين ورجاله المجرمين .
اذ تعددت جرائم نظام البعث التكريتي الصدامي الارهابي بحق اطفال العراق وغيرهم ؛ وكلها او جلها تندرج ضمن عنوان ( جرائم ضد الانسانية ) , وهذه الانتهاكات الفظيعة المسندة إلى المجرم صدام ونظامه البعثي التكريتي الهمجي هي انتهاكات لحقوق الطفولة العراقية بل والانسان ؛ تعرّض لها الشعب العراقي أثناء فترة حكم نظام البعث والتكارتة منذ العام 1968... ؛ ولقد شملت قائمة الانتهاكات أعمال وجرائم مختلفة بحق اطفال العراق .
ولعل اشكال العنف المتنوعة ضد الاطفال بدأت منذ الوهلة الاولى لتأسيس الدولة العراقية المعاصرة ؛ فقد تولى وزارة المعارف المجرم الاجنبي والطائفي العنصري الخطير المدعو ساطع الحصري – مجهول الاصل - ؛ وبرعايته الخبيثة وتوجيهاته المنكوسة عملت الكوادر التربوية والتعليمية على حرمان ابناء مناطق الاغلبية العراقية من الالتحاق بالمؤسسات التربوية والتعليمية وذلك من خلال اهمال تلك المناطق وعدم بناء او انشاء المدارس والمعاهد والكليات والجامعات ... الخ ؛ في تلك المحافظات والمدن والقرى ... ؛ وبعد المطالبات الجماهيرية والحراك الشعبي وضغط نخب الاغلبية العراقية على حكومات الفئة الهجينة ورجالاتها الطائفيين والعنصريين والحاقدين والمنكوسين ؛ اضطر هؤلاء الاوغاد – وعلى مضض – الى افتتاح بعض المؤسسات التربوية والتعليمية البسيطة والقليلة والتي لا تتناسب مع اعداد واحتياجات السكان في مناطق الوسط والجنوب العراقي في بعض تلك المناطق والمدن والقرى المنكوبة ؛ الا ان هؤلاء الاوغاد والدخلاء الانذال من الذين تسنموا مناصب التعليم والتدريس والاشراف على العمليات التربوية والتعليمية اغلبهم من ابناء الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة بل والاجانب والغرباء من شتى بلدان العرب وغيرها في بداية الامر ... ؛ ولان تربيتهم طائفية وتنشئتهم الاجتماعية عنصرية ومناطقية والتوجيهات التي تأتيهم من رجالات الحكومات الهجينة المتعاقبة تدعوهم الى انتهاج سلوك سلبي تجاه تلاميذ وطلبة وابناء تلك المناطق المنكوبة ؛ تعرض الاطفال والصبيان والمراهقين والشباب وفي كافة المرافق والمراكز التربوية والتعليمية الى العنف البدني أو النفسي أو عانوا من الإهمال والتمييز العنصري والطائفي والمناطقي في سير العمليات التربوية والتعليمية ؛ فمثلا كانت مدارس مناطق الاغلبية العراقية تعج بالمعلمين والمدرسين الحمقى والاغبياء والسذج وعديمي الكفاءة والاهلية بل والمرضى النفسيين من ابناء الفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة عند اندلاع الحرب العراقية الايرانية ؛ وذلك هروبا من القتل في تلك المعارك الخاسرة وعند انتهاء الحروب يتركوا هذه المناصب كي يلتحقوا بأدوار اخرى ؛ فهم لهم في كل مرحلة وفترة دور معين يحميهم من الاخطار ويوفر لهم الامتيازات المادية والمعنوية ؛ فهم كانوا ولا زالوا يؤدون ادوار مختلفة لأهداف واحدة ومحددة سلفا ؛ ومما لاشك فيه ان اهدافهم منكوسة وخطيرة وتلحق افدح الاضرار بالأمة والاغلبية العراقية والعراق .
ومن المعلوم ان استخدام العنف ضد الاطفال في تلك المدارس الكئيبة والبائسة والطينية احيانا ؛ يؤدي الى الاضرار بالصحة النفسية وتستمر تداعياته طوال العمر , فقد كانت إساءة معاملة الأطفال وممارسة جميع أشكال العنف ضدهم وتعذيبهم في المدارس بحجة التربية والتعليم يعد أمرا مألوفا ؛ وطالما أصيب اطفال بجروح بالغة عندما يتعرضون للضرب بالعصا و ( الصوندة ) , وقد تتضرر عيون الاطفال اثناء صفعهم بقوة من قبل المعلمين والمدرسين - الراشْدي: هذه الكلمة تعني الضرب بالكف على الوجه.. ويعتبر هذا النوع من الضرب ضرب من باب العقاب للتأديب، ولعلها سميت بذلك من باب الإرشاد – وهذه الدعاوى تضحك لها الثكلى , فقد عملوا ولا زالوا على شرعنة العنف والارهاب - ... أحيانا تنطق "راجدي" باللهجة العراقية ويسمى في مصر القلم...!! - ؛ وقد يضربون الاطفال الى درجة فقدان الوعي , ولا زلت اتذكر الست الشريرة صديقة العانية التي ضربت احد التلاميذ الصغار على راسه ولمرات عديدة , اذ تقوم بجر الطفل من شعره وترطم راسه بالسبورة ؛ وقد خرَ ساقطاً بعد أن انفلق رأسه وتبعثرت ذاكرته على السبورة ... , واستمرت معاناته ؛ ولم يستطع اهله فعل اي شيء بسبب دعم هذه الشرذمة من قبل دوائر الحكومة الامنية كافة , ولا ابالغ ان قلت ان أسوأ معدلات العقاب العنيف للأطفال في المنطقة والدول العربية والاسلامية حدثت في العراق ابان عهود الحكومات الهجينة ولاسيما في العهد البعثي التكريتي الصدامي ... واجزم ان 90% من الأطفال أو أكثر كانوا يتعرضون للإساءة الجسدية أو اللفظية او الترهيب والتخويف بشتى الطرق في مدارس مناطق الاغلبية العراقية ؛ ولم ولن انسى توبيخ احد اساتذة الفئة الهجينة من ذوي الجذور الاجنبية والعثمانية للطالب رسول علي الكناني – احد طلبة الدراسة المتوسطة – عندما قال له : (( عابت هل الشكول , جنك هندي , خلقه سزز ... )) - علما ان الطالب رسول كان اسمر اللون طويل القامة حسن الهندام ومع ذلك تعرض للتوبيخ لسبب تافه جدا - ؛ فمسألة وظاهرة توبيخ الاطفال والمراهقين والشباب والسخرية منهم والاستهزاء بأشكالهم وملابسهم ولهجتهم ... الخ , والتهديد والترهيب والتمييز والنبذ وغير ذلك من الأشكال غير الجسدية للمعاملة العدائية... ؛ كانت منتشرة في مدارس الاغلبية ... ؛ وصدقت الكاتبة نبال قندس عندما قالت : ((الأطفال رغم براءتهم و ملائكيتهم إلا أنهم لا ينسون الإساءة أبدا ! حذارِ أن تتركوا لهم ذكريات سيئة )) ... ؛ فهذه الاجراءات الظالمة تؤدي الى تدنّي مستويات التعليم , والتسرب من المدرسة والهروب منها , وقد تؤدي الى ظهور السلوكيات السلبية فيما بعد , والادمان على شرب الكحول او تعاطي المخدرات , وبغض وكراهية العلم والتعليم والدراسة والتدريس ... الخ ؛ وطالما كنت اشاهد خوف وارتجاف الاطفال في كل يوم خميس عند مراسيم رفع العلم وسماع الاطلاقات النارية ... ؛ ومن ثم اجبروا الاطفال والمراهقين والشباب على الالتحاق بمنظمة الطلائع ومنظمة الفتوة للتدريب العسكري القاسي والذي لا يتناسب مع اعمار واجسام أولئك التلاميذ والطلبة المساكين ( المكاريد ) ... .
علما ان الدول بدأت بحظر العقاب البدني في سبعينيات القرن الماضي ، حيث أظهرت الأبحاث أنه لا يساهم في تحسين سلوك الأطفال ، بل وكان مرتبطا أيضا بزيادة الأفكار الانتحارية والقلق والعدوان والعنف الأسري والجريمة والتسرب من المدرسة ... ؛ و لكن الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زالوا يتعرضون للإيذاء الجسدي في المنزل ، والمدرسة ... الخ ؛ الا ان القانون العراقي والذي شرع من قبل رجالات الفئة الهجينة الحاقدة ؛ كان يسمح بالتأديب العنيف للأطفال , اذ يقدم قانون العقوبات العراقي دفاعا ضد المسؤولية الجنائية عن (( تأديب الاباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر ... )) وقانون عام 1978 والذي ينص على منع ضرب الاطفال كان كباقي القوانين البعثية والتكريتية والصدامية حبرا على ورق ؛ فكل قانون يصب في مصلحة الشعب لا يطبق ابدا .
وقد مر عليكم في مقدمة المقالة اهمية تواجد الاب او الوالدين في حياة الاطفال وقربه او قربهما منهم ؛ لذلك عمل القادة الوطنيون والساسة الانسانيون على دفع ويلات الحروب عن بلادهم ما استطاعوا الى ذلك سبيلا ؛ الا نظام البعث والعميل صدام السفاح , فقد كان يزج بالعراقيين في معارك وحروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل – كلها كانت حروب بالوكالة والنيابة - , وسقط في هذه الحروب ملايين الضحايا ومن كل الاطراف ؛ وقد اثكل النساء وايتم الاطفال ؛ اذ خلّفت الحروب والصراعات الهجينة والصدامية المستمرة في العراق شريحة واسعة من الأيتام يعيشون بفقر مدقع ، بعدما فقدوا المعيل ، بالتزامن مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة والفقر في البلاد ... ؛ومن الواضح حدوث تداعيات خطيرة اجتماعية ونفسية تترتب على اليتم ، لذا نجد الارث الحضاري العراقي والعربي والاسلامي والانساني يحض على كفالة اليتيم من أجل توفير البيئة النفسية والاجتماعية الصحية اللازمة له كي ينمو نموا سليما وطبيعيا... ؛ وفي هذا الموضوع قال السياسي النمساوي سيباستيان كورز : (( ... ما نريد القيام به هو إعطاء جميع أطفال وأحفاد ضحايا المحرقة الفرصة ليصبحوا مواطنين نمساويين إذا أرادوا ذلك ... )) هكذا تكافأ الحكومات ابناء الضحايا وايتام الشهداء وفاقدي الاباء ؛ الا نظام التكارتة والبعث والسفاح صدام اذ كان يعالج الجريمة بما هو ابشع منها ويصحح الخطأ بما هو افدح منه ...!! .
فقد عاش أيتام العراق مأساة كبيرة، تضاف إلى مآسي العراق الكثيرة ... ؛ فبعضهم انخرط في سوق العمل : ( عمالة , بائع علاليك , حمال , دوار يشتري الاغراض المستعملة – عتيك - , صانع في ورش تصليح السيارات ... الخ ) وعلى الرغم من صغر اعمارهم ورقة ابدانهم وضعف عودهم وقلة خبرتهم مما عرضهم لشتى صنوف الاستغلال البشع ؛ بينما تسول البعض الاخر في الشوارع تطارده الشرطة الصدامية ... ؛ وكان مشهد رؤية الأطفال وهم يبحثون عن لقمة العيش وسط القمامة او ينظرون لمن يأكل و هم يحاولون الطلب منه – ايام الحصار – أمرا مألوفا جدا ... , وعندما كبروا التحقوا بالجيش لاداء الخدمة الالزامية وتعرضوا في هذه المؤسسة البائسة لمختلف اشكال العنف والاهانة والاستغلال ... ؛ فمنهم من قتل والتحق بأبيه المقتول قبله في المعارك الصدامية المستمرة , ومنهم من هرب واعدموه فيما بعد او صلموا اذانه او سجنوه ... الخ , ومنهم من تسكع في الشوارع ومارس الجريمة مضطرا ومكرها نتيجة للمقدمات المذكورة انفا ... وهكذا تستمر المعاناة وتتكاثر الازمات في ايام الزمن القبيح الاغبر .
قبل هذه الجرائم شرع النظام الارهابي بجريمة لا تقل بشاعة عما ذكرناه انفا ؛ الا وهي جريمة تسفير العوائل الفيلية ؛ اذ قام النظام البعثي التكريتي الصدامي ، باعتقال آلاف الأسر الفيلية وبعض العوائل العراقية العربية الاصيلة بحجة التبعية الايرانية - وما نقم النظام منهم الا لكونهم شيعة - , وزجهم في السجون وعزل الشباب عنهم واخذهم الى اماكن مجهولة ,فقد دفع بالبعض الى الجبهات الامامية بمهمات شبه انتحارية بينما اعدم البعض الاخر , وقام بإجراء التجارب الكيمياوية على البعض الاخر ، فضلاً عن ترحيل الشيوخ والمرضى والعجزة والنساء والاطفال إلى إيران ورميهم في مناطق حدودية مزروعة بالألغام والسراق والعصابات الاجرامية المتعاونة مع النظام البعثي ، إضافة إلى مصادرة أملاكهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة ... ؛ ومن أبشع جرائم الكيان التكريتي الهجين في هذه الجريمة النكراء ؛ طريقة تعامله مع الأطفال الفيلية والعراقيين ؛ إذ تعامل معهم بشكل لا إنساني ؛ فقد داهم زبانية النظام منازلهم في منتصف الليالي وارعبهم واعتقل ابائهم وامهاتهم واخوانهم واخواتهم امام اعينهم فضلا عنهم , وقد تعرضوا لمختلف صنوف العذاب والجوع والعطش في المعتقلات التكريتية والسجون البعثية والزنازين الصدامية المرعبة ,ناهيك عن الإهانات ، والألفاظ النابية ، والتهديدات ، والوعيد بإنزال اقسى العقوبات وذلك على مسمع ومرأى الاطفال , والذين سقط قسم كبير منهم صرعى اثناء رحلة السير في المناطق الحدودية الجبلية الوعرة والمليئة بالألغام والوحوش وقطاع الطرق ... ؛ وهنالك في المهجر عانوا من الذكريات الاليمة وعاشوا الظروف الصعبة .
وقد ساق النظام الاجرامي الاف الاطفال الاكراد بطوابير طويلة في عمليات الانفال , ولعل اغلبنا شاهد صورة الطفل الكردي البريء والذي يقف في احدى طوابير الموت البعثي الزؤام وهو ينتظر دوره بينما كان فرحا مبتسما منفرج الاسارير , لعله كان يعتقد ان هؤلاء الاوغاد سوف يأخذونهم الى الالعاب ...!!
بالإضافة الى ذلك كانت اجهزة النظام البائد القمعية تعتقل عوائل بأكملها بما فيها الاطفال والرضع ؛ و يزخر سجل العراقيين في زمن النظام الصدامي الهجين المنكوس بحكايات وقصص تبدو غريبة وعجيبة وغير معقولة ... ، عوائل بالكامل بما فيها الأب والأم والأطفال كلهم وضعوا داخل زنزانات صغيرة – مساحتها لا تتجاوز ال9 متر مربع - تفتقر لأبسط المتطلبات الموجودة في سجون العالم ، وقد عاشت العوائل معاناة حقيقية لا يمكن ان تنساها ... , ولكن الذي ألمني هذه القصة التي ذكرها لي عبدالرحمن عن ابيه : أحضر ملازم اسمه اسامة الجحيشي - وكان في جهاز الامن - زوجة أحد الضحايا المعتقلين بصورة عشوائية إلى غرفة التعذيب وجردها من ثيابها وعذبها أمام زوجها ثم هدد بقتل الابن الرضيع الذي كان يصرخ في الغرفة ويرى بعينيه الصغيرتين اما وابا يعذبون ويصرخون مثله ؛ وعندما رفض الأب والأم الاعتراف بما لم يرتكبانه اصلا , قام الجلاد المنكوس بضرب الطفل الرضيع بالحائط و بقوة حتى ارتطم رأسه الطري بالجدار وسالت دماءه الزكية امام ناضري والديه !!.
وبعد اندلاع الثورة الجماهيرية والانتفاضة الشعبية عام 1991 ؛ قامت اجهزة القمع التكريتية والحرس الجمهوري والجيش بالهجوم على وسط وجنوب العراق ؛ فقاموا بدفن الرجال والنساء والاطفال والرضع وهم احياء في المقابر الجماعية ... ؛ فضلا عن ان جثث الاطفال الذين يلفظون انفاسهم الاخيرة في سجن نقرة السلمان ترمى الى الكلاب والذئاب في الصحراء , اما باقي المعتقلات فيتم التخلص منهم بطرق شتى .
وقد نقل اللواء نجيب الصالحي لنا هذه الحادثة البشعة ومن على احدى شاشات القنوات العربية الفضائية : امر الفريق الركن الهجين المجرم احمد الحماش التكريتي بقتل طفل في مدينة العمارة وقد راه يلعب في الشارع عام 1991 , فسأله ضابط ركن قائلا : (( سيدي هذا طفل عمره 6 سنوات ليش تقتله ؟ ) فأجابه : (( هذا مو يكبر ويصير غوغائي )) .
واما معاناة الاطفال في ايام الحصار الدولي والعربي ضد الشعب العراقي بالتعاون مع النظام الصدامي الهجين العميل الحاقد ؛ فحدث عنها ولا حرج , فقد جاع الاطفال وحرموا من الغذاء الصحي , فضلا عن الحلويات – غذائهم المفضل والمحبب لنفوسهم البريئة - ؛ واصابهم الهزال وكأنهم الاطفال الذين اعتقلوا في المعسكرات النازية ؛ وتعرضوا لمختلف الامراض ومنها : ( فقر الدم , وعدم النمو , والتقزم , ونقص الوزن , واصفرار الوجه , وهشاشة العظام ... الخ ) ... ؛ وصرح وزير صحة النظام البائد المجرم أوميد مدحت مبارك : (( إن الإحصاءات الخاصة بوزارة الصحة المتعلقة بالوفيات خلال فترة الحصار, أكدت أن معدل وفيات الأطفال الرضع لعام 1999 بلغ 107 حالات وفاة لكل ألف ولادة حية, وبلغ معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة 130 حالة وفاة لكل ألف ولادة حية, في حين كان معدل وفيات الأمهات في سن الحمل 294 لكل مائة ألف ولادة... ؛ وأوضح مبارك أن معظم هذه الوفيات كانت بسبب التلوث المائي الناتج عن عدم حصول 86% من العراقيين على الماء الصالح للشرب, بسبب تضرر وحدات التصفية, وعدم إمكانية إصلاحها واستيراد قطع غيار جديدة لها لظروف الحصار... ؛ وأشار مبارك خلال لقائه بوفود الصحفيين العرب المشاركين في ندوة الإعلام العربي في بغداد إلى أن وزارة الصحة سجلت مليون و650 ألف حالة وفاة خلال أعوام الحصار حتى الآن...!! )) .(1)
هذا هو نضال البعث الخائن والتكارتة الاوغاد والسفاح اللقيط دوحي من اجل اطفال العراق ؛ والشيء بالشيء يذكر : عندما سأل ضابط ال CIA تشي جيفارا قبل إعدامه : إلى متى ستبقى تقاتل بعد أن كنت في فنزويلا والمكسيك وأنغولا والجزائر وكوبا .. إلى متى ؟ فأجاب جيفارا : إلى أن يتمكن أطفال العالم من أن يشربوا كوباً من الحليب كل صباح ... .
كان اطفال العراق يتسولون في الشوارع , او يبيعوا البضائع البسيطة والاغذية المصنعة محليا – واغلبها غير صحية بتاتا – في الاسواق ... ؛ وبينما الكاتب المصري نجيب محفوظ يسير في احدى الشوارع ؛ رأى طفلاً يبيع الحلوى عند اشارة مرور ... بكى ... ثم كتب أحلام الأطفال قطعة حلوى وهذا الطفل يبيع حلمه... ؛ وليت اطفال الاغلبية العراقية حرموا من الحلوى وقتذاك فقط ؛ بل انهم حرموا من رؤية وحنان الاباء , و من الحرية، و من التعليم الراقي ، ومن الرعاية الطبية ، ومن الالعاب والمتنزهات ... الخ ؛ فضلا عن انهم عانوا من مختلف أشكال العنف والفقر... ؛ وبعد كل هذا الكم الهائل من الحرمان والاهات والالام يأتي المجرم الصدامي والمسؤول الهجين لكي يلقي القبض على هؤلاء ان سرقوا رغيفا من الخبز او جهازا كهربائيا بسيطا ...؛ وما اروع ما ذكره الروائي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز في احدى لقاءاته : (( في إحدى نوبات يأسها سمعت أمي تغمغم : ” لا بد للرب من أن يبيح السرقة أحياناً، من أجل إطعام الأطفال ..!! )) .
وبعد سقوط الصنم الاجرامي والنظام التكريتي الارهابي عام 2003 ؛ قام ازلام صدام وايتام النظام التكريتي و زبانية البعث وجلاديه باستدعاء كافة قتلة وذباحة ومجرمي العالم ؛ للفتك بالعراقيين وبما فيهم الاطفال واكمالا للمسيرة الاجرامية والارهابية الحاقدة والتي انطلقت منذ العام 1920 ؛ اذ قاموا بارتكاب ابشع الجرائم بحق الاطفال : قتلوا ابائهم امام اعينهم واغتصبوا امهاتهم كذلك , وباعوا بعضهم في سوق النخاسة للخدمة والاستغلال الجنسي بحجة جهاد النكاح وما الى ذلك ... , بينما حرقوا البعض , وفخخوا البعض الاخر وارسلوهم في عمليات انتحارية , ودربوا الاخرين تدريبا عسكريا قاسيا لزجهم في المعارك الرهيبة ... ؛ ان سجل رجال الفئة الهجينة ومجرمي بعض الفئات العراقية حافل بالاجرام والارهاب والعنف ... ؛ وهنالك مثل سويسري يقول : (( ابتعد عمن لا يحب الخبز وصوت الأطفال )) وصدقوا بما قالوا ؛ فهؤلاء اشبه بالضباع والوحوش وليسوا بشرا قطعا ؛ تصور ان بعضهم – من مجرمي الفئة الهجينة والنظام البائد - الان يقوم بين الفينة والاخرى بتعذيب زوجته او اطفاله , وتنتشر جرائهم المقززة في وسائل التواصل الاجتماعي ؛ فمن شب على شيء شاب عليه .
هكذا كان ولا زال يعامل اطفال العراق من قبل مجرمي ومرضى الفئة الهجينة ؛ بينما يقول جون كنيدي : ((الأطفال أهم موارد العالم وأفضل أمل في المستقبل )) ... ؛ نعم إذا أردنا أن نحقق السلام الحقيقي في العالم .. فعلينا أن نبدأ بتعليم الأطفال كما قال غاندي ... ؛ وبما ان احداث الطفولة والخبرات النفسية للأطفال تؤثر تأثيرا بالغا على مستقبلهم يجب علينا الاهتمام بالأطفال العراقيين وتصحيح اخطاء الماضي من خلال توفير البيئة الصالحة والمثالية للأطفال في كافة مرافق الدولة العامة والخاصة .
............................................................
- 1-وفاة 1.65 مليون طفل عراقي بسبب الحصار واليورانيوم / الجزيرة عن المصدر : قدس برس / بتاريخ : 14/1/2002.