"كلما ازددتُ علمًا، سواء العلم بالدنيا او العلم بالله وبالدين، ازددتُ علمًا بمدى جهلي الكبير بالله والدين والدنيا !!، فأحس بالضحالة والضآلة الى حد الصغار وأعلم كم انا جاهل وكم انا صغير جدًا جدًا !!، فالقصة كبيرة جدًا أكبر من رأسي!!، وأكبر من رأسك!
وكلما ازددتُ تعبدًا لله وفي فعل الخيرات والحسنات تذكرتُ كارثة ومأساة عبد الله (ابليس) قبل ان يهوي من أعلى عليين إلى اسفل سافلين!!، فهو كان قد تفوّق على بني جنسه من الجن - قبل ان يخلق الله آدم بقرون- علمًا وعبادةً لله حتى بلغ درجة الملائكة(!!؟؟) فبات في صفوفهم، ثم اعماه حسده وغروره حينما كرّم الله عبده آدم بسجود الملائكة، فأبى واستكبر فكان من الكافرين!!، لقد ذبح (إبليس) يوم كان من عباد الله العابدين كل ذلك التفوق العظيم الذي بلغه في درجة العلم والعبادة على مذبح الكِبر والغرور وسقط في الاختبار الكبير والأخير بعد كل ذلك التفوق والترقي في درجات العلم والعبادة وهوى كما يهوي النجم ويغدو مجرد ظلام!!!!، لقد وقع الملاك (إبليس) في اخطر وأكبر فخ يمكن ان يقع فيه العلماء والعبّاد وهو فخ (غرور العلماء) و(غرور العابدين)!!

كلما تذكرت مصير عبد الله (ابليس) ذاك، وكثرة وطول تعبده لله تعالى كل ذلك الزمن الطويل وكيف انتهى به الحال إلى أن اضله الله عن علم لا عن جهل (!!) كحال من قال الله عنه في قرآنه : (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (¤) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))، فعلمت أن كثرة علمي بالدين والدنيا، وكثرة عبادتي لله وكثرة حسناتي لن تنفعني بشيء ما لم يرَ الله منّي من (صدق واخلاص القلب) ما يرضيه عنّي!!

وهكذا ... وأمام هذه الحقائق لم اجد من طريق إلا طريق ذلك المثل الشعبي البسيط الذي يقول لك: (( اعمل الخير وارميه في البحر وأنساه، واعمل الشر وارعاه)!! فأخذتُ كل حسناتي ورميتها كلها في البحر وتركتها خلف ظهري كأن شيئًا لم يكن!، بعد ان إرتبتُ في أمرها وشككتُ في صحتها وصحة توفر شرط الصدق والاخلاص فيها!، وحملتُ كل ذنوبي وعيوبي وسيئاتي (الثقيلة) على ظهري ومضيتُ أجر رِجليّ جرًا لشدة ثقل ذنوبي التي تنوء بحملها الجبال وقصدتُ باب ربي الكريم بل الأكرم والهي الرحمن الرحيم بل الأرحم ووقفتُ هناك في رحابه، على أعتابه، عند بابه، مُطأطِئ الرأس، في استسلام تام... لا أبرح مكاني حتى ينظر في أمري، ويوم يفتح لي بابه فسأقول له : " يارب!، يا رب !، لقد جاءك عبادك بالحسنات، وجئتك بكل هذه السيئات، ولا حول ولا قوة الا بك "!!
فهذه هي خلاصة تجربتي الإيمانية ، والأمر من قبل وبعد لله وحده، فإن عاقب فهذا من عدله، وإن غفر فهذا من فضله!"

هكذا قال لي ذات مرة شيخي (الطيب سعيد) رحمه الله وهو ينظر إلىّ نظرة الخائف المُشفق الواقف عند الباب!
---------------
أخوكم المحب