الكاتب: بينديكت كاري

[بدأ المقال بمناقشة بعض الفضائح الجنسية لعدد من السياسيين في أوروبا وأمريكا، ولم أجد هذا الجزء مهماً لفهم بقية المقال]

تظهر الشهرة في الرجل شخصية فتى الكشافة الدفينة فيه، وتخرج جانب السيد الشهم المحسن للآخرين، وحتى في سنواته المتقدمة تخرج الجانب الحكيم للشيخ كث الحاجبين. لكن عناوين الصحف تذكرنا بشكل لا هوادة فيه كيف أن الشهرة تنتج سلسلة ممتدة من أزيار النساء والمتحرشين الوقحين والمنحرفين جنسياً. والسؤال هو: هل تحول السلطة الرجال العاديين إلى مفترسين جنسياً؟

يقول العلماء الاجتماعيين والمعالجين الذين لديهم خبرة طويلة في العمل مع الرجال أن الجواب هو: في معظم الحالات لا، فالسلطة لا تفعل ذلك. ويقول رونالد ليفانت وهو طبيب نفسي في جامعة أكرون وشارك في تأليف كتاب "الرجل والجنس: وجهات نظر نفسية جديدة": "السلطة هي عنصر ميسر، فهي تقدم الفرص للرجال الذين لديهم شهوات معينة، ولكن السلطة قلما تغير الشخصية بشكل جوهري".

ولنكن واضحين: العديد من الرجال هم شركاء مخلصين ويظلون كذلك طوال حياتهم، فيما البقية منهم يسلكون طريقا آخر فيما لو توفرت لهم الفرصة مثل تايغر وودز -لاعب غولف معروف بإدمانه الجنس وتعدد علاقاته الغرامية-، لكن قلة فقط منهم يرون أن لهم الحق في السيطرة على الآخرين بل وإهانتهم فيما لو تعرض هؤلاء القلة للاستفزاز. وهؤلاء القلة عادة يعرفون طبيعتهم هذه، ومن حولهم قطعاً يعرفون طبيعة هؤلاء الرجال، وهؤلاء القلة كانوا هم الذي يتحرشون بالنادلات وينتفون أجنحة الذباب في صغرهم، قبل أن يصبحوا مدراء مجالس الإدارة بوقت طويل.

ويتناقش الناس الآن فيما إذا كانت بعض الثقافات تعاقب حتى مثل هذا السلوك، لكن لو استدلينا بما تقوله العلوم الاجتماعية، فإن الغطرسة عادة تسبق السلطة وليس العكس. وعلى الرغم مما يعلنه الناس من شكهم في الأشخاص المستبدين، فالناس يميلون للتسليم بالسلطة لأولئك الأشخاص بالتحديد، والذين يرغبون في السلطة بشدة. وتشير الدراسات التي أجريت على سلوك الجماعة، أن الأشخاص الأكثر تصريحاً بآرئهم والمفرطي الثقة بأنفسهم يميلون لأن يصبحوا القادة، وتجربة موقع القيادة في القمة لا تفعل إلا تعزيز شعور الشخص بالسيطرة وبالتمركز حول نفسه.

وفي دراسة حديثة قام باحثون في جامعة نورث ويسترن بقيادة آدم غالينسكي بتحفيز المشاركين للشعور بقوتهم، بواسطة جعلهم يكتبون عن مواقف كانوا فيها مسيطرين على الآخرين، ثم طلبوا منهم توزيع تذاكر يانصيب على أنفسهم وعلى أحد المشاركين في التجربة. وتبين أن هؤلاء "ذوي القوة" كانوا أقل دقة في قراءة التعابير العاطفية على وجوه مجموعة تم تصويرها، مقارنة مع مجموعة أخرى من المشاركين الذين لم يتم تحفيزهم للشعور بقوتهم. واستنتج الباحثون من هذه التجربة وتجارب أخرى أن السلطة يمكن أن تعمي أصحابها عن مشاعر المحيطين بهم، وتقودهم إلى تشييء الآخرين بشكل يخدم المصالح الذاتية لهؤلاء الذين في السلطة.
ويقول صامويل بارونز، بروفيسور الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، ومؤلف الكتاب القادم "فهم الناس": "إذا كان لدى الشخص هذا الشعور بالفوقية، وإذا كان قد أفلت من قبل من العقاب على مثل هذا النوع من التصرفات –السابق ذكرها-، فإنه يبدأ بالاعتقاد بأن نظام المخاطر/ والمكافآت الذي ينطبق على الناس لا ينطبق عليه لأنه مميز، ومن الصعب بالنسبة الذين لا ينظرون للناس بفوقية أن يصدقوا أن هناك من يعتقد أنه متفوق على الآخرين، لكن هناك من يعتقدون بأنهم كذلك".

ويقول المعالجون النفسيون ربما الاستثناء هنا قد نراه في ذلك الرجل الذي تملؤه الحاجة للتقدم الوظيفي لدرجة تظل معها بعض خصاله الشخصية كامنة أو غير ظاهرة، فمشاعر النقص، أو التوق لطرق لم تسلك قبله، أو تأخر تلبية حاجته للإشباع لفترة طويلة جداً يمكن أن يدفع هذا النوع من الرجال لأخذ خطوة خطرة غير محسوبة أو لتحركٍ أخرق، ثم يتبعها بخطوة أخرى. ومن السهل الاستهانة بمثل هذه الدوافع، ورغم أنها لا تبرر الأذى الذي يطال الآخرين عندما يمد شخص في منصب رفيع يده ليأخذ ما ليس له أو ليلامس فخذ إحدى المتدربات بالكونغرس، إلا أنها –الحاجات التي سبق ذكرها- تظل دوافع للتجاوزات الجنسية –التحرش مثلاً- حتى وإن كانت الانحرافات الجنسية –الممارسات الجنسية التي تخالف العرف الاجتماعي السائد وربما تخالف القانون- نسبتها أقل من هذه التجاوزات.

ويقول وليام هيلمارخ، عالم الاجتماع في كلية مدينة نيويورك ومؤلف كتاب: "فيما كنت أفكر: الأشياء الغبية التي نقوم بها وكيف نتجنبها" أنه حالما تبدأ الخيانة والتحرش "فلا يمكن في الواقع أن نقول متى ستتوقف، خاصة لو كان الشخص يملك سلطة حقيقية وبدأ يعتقد أنه يمكن أن يفلت من العقاب".

في حين أظهر استطلاعاُ لآراء مجموعة من الشباب أجراه الدكتور ليفانت أن المواقف تجاه الجنس لا تحكمها ثقافة "غرف تبديل الملابس" – مصطلح حديث يشير إلى استخدام لغة خشنة أو بذيئة في غرف تبديل ملابس الرياضيين)، ويعني في سياق المقال التصورات الجنسية النمطية أو السلبية عند الرجال- كما هو شائع. فردود المستطلعين تفاوتت على نطاق واسع، لكن في المتوسط وافق المشاركون على أن (الرجل يجب أن يحب شريكه الجنسي)، وأنه يجب على الرجل أن (يهتم باستخدام وسائل منع الحمل)، وأنه لا يجب على الرجل (اتخاذ زمام المبادرة دوماً عندما يتعلق الأمر بالجنس).

وهذه النتائج وغيرها من النتائج المشابهة لها يمكن أن تكون مفاجئة بعض الشيء عندما توضع في سياق أكبر، ففي القسم الأكبر من التاريخ البشري قام الرجال بمعاملة النساء بالطريقة التي تحلو لهم، وقام الرجال ذوي السلطة بشكل روتيني بتجميع الزوجات والعشيقات، وقاموا وبكل أريحية بتشويه أو قتل أولئك الذين عبروا عن سخطهم. لكن تطورت الأعراف الاجتماعية والقوانين الجنائية والثقافة التقدمية في الغرب في جانب لكي تكبح مثل هذه الانتهاكات، وغالبية الرجال لا يراعون فقط هذه الأعراف والقواعد الجديدة، بل يستبطنونها.

المصدر: http://www.nytimes.com/2011/05/22/weekinreview/22carey.html?_r=0