(1)

أحمد بن عبد الله بن حسين بن مرعي السويدي ، أبو المحامد،  ولد سنة (1153)، وتوفي سنة (1210)...( 1740 - 1795)  ؛  وأخذ العلوم الدينية على والده وفصيح الهندي وعبد الله الهيتي ومحمود الكردي وغيرهم  , و تصدر للتدريس والافتاء وخدمة الولاة  ؛ وكما ترى عزيزي القارئ عثماني يتلقى التعليم ويأخذ المعلومات من استاذ اجنبي هندي وكردي لا يعرف من أي الاكراد هو  – من ايران او تركيا او اذربيجان ... الخ - ؛ ماذا يرتجى منه غير الافكار المسمومة والسلوكيات المنكوسة والشاذة والمعادية لكل ما هو عراقي وطني اصيل  ... ؛ وعندما توفى اخوه عبد الرحمن عام  (1200 ) رثى اخاه بقصيدة ومنها :

فخطبكـما فـي ذا الجليل جليـل ××× وأحسن مولانـا الجليـل عزاكمـا

فليس لكـم من ذا الإمـام بديـل ××× ويا أهل هذا القرن ابكـوا إمامـكم

من الملأ الأعلى الشريف رسـول ×××لقد سار للفـردوس لمـا أتى لـه

وفارقنا فرداً فقـلـتُ مـؤرخـاً ×××أبو الخيـر في أزكى الجنان نزيل

يصف اخاه المقبور الطائفي بالجلالة – وهذا يدخل ضمن خانة تمجيد النفس ومدح الذات والنفخ في الكيان الهزيل للعائلة مجهولة الاصل والنسب  – ويمتدح مولاه  الوالي العثماني المملوك لأنه قدم العزاء لاحد مرتزقته واقلامه المأجورة ... ؛ ويذهب بها بعيدا ؛ ويدعي ان اخاه ليس له بديل في العالمين ؛ اذ ان الذي خلقه لا يستطيع ايجاد بديله ونظيره ...؟! 

لذلك يطلب من مواطني القرن الثامن عشر الميلادي ان يبكوا امامهم الفقيد ويذرفوا بدل الدموع دما ... ؛ بل ادعى انه رسول من الملأ الاعلى للناس ؛ و شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا  ...؟!

وجزم على الله انه من سكان الجنان ولو اكمل خزعبلاته وترهاته لقال : انه قاب قوسين او ادنى ...!! 

وقد مر عليكم في الحلقتين السابقتين عن عائلة السويدي ؛ ان حياة الشيخ عبد الله  وكذلك سيرة ابنه الشيخ عبد الرحمن ؛ مليئة بالضغائن والموبقات الطائفية والعنصرية ؛ فضلا عن خدمة المحتلين الاتراك وغلمانهم المماليك المأبونين, وبما ان ((الولد سر أبيه ))  - وكلاهما من خدم ومرتزقة الدولة العثمانية -  ؛ فأنه قد ورث صفاته السيئة وسجاياه الطائفية والعنصرية وعقده وامراضه النفسية ؛ وسار على دربه ودرب اخيه – عبد الرحمن - ؛ حذو النعل بالنعل , وقد غرس هؤلاء  الطائفيون العنصريون في نفوس الناس ولاسيما الغرباء والدخلاء من خدم ومرتزقة ومماليك الاتراك العثمانيين والاعراب وشذاذ الافاق المهاجرين – ممن هم على شاكلتهم -  احقاد طائفية ولقنوهم بالأفكار والرؤى العنصرية والارهابية , ضد العراقيين الاصلاء والمسلمين الشيعة ؛ ولا ننسى ان لأبيه عبد الله له رسالة في (نقض عقائد الشيعة)  .

ومن نتائج هذه التربية الدينية المتعصبة شيوع كتابات طائفية وخطابات تحريضية  بل وتستنجد بالغرباء والاجانب ضد سكان العراق الاصلاء ؛ واليكم هذا المثال : ((ولأهمية هذا الوعي في وقاية بلادنا ومجتمعاتنا من أخطار التشيع القادمة  ؛ أذكر قصة ذكرها لي أحد الأخوة الباحثين الأفاضل حول سفر أحد فضلاء بغداد بعد دخول الصفويين بها إلى استانبول عاصمة الدولة العثمانية واحتياله لدخول قصر السلطان والأذان فيه بـ "حي على خير العمل" (أذان الشيعة) فأمر الخليفة العثماني بإحضاره وسأله عن سبب صنيعه هذا؟ فأجابه قائلا : هذا الأذان سيصل لقصرك وسيشيع في بلدك هذا إن لم تنقذ بغداد من الصفويين ؛ فهبّ السلطان لنجدة بغداد و تحريرها و تمّ له ذلك ... ؛ وهكذا يفعل فضلاء العراق اليوم يؤذنون في كل عواصم الدول العربية ؛ في الأردن ومصر والسعودية ودول الخليج والسودان واليمن وغيرها من بلاد الله، منذرين شعوبها وحكامها علّها تلامس أسماعهم مثلما لامست صرخة تلك المرأة أذن المعتصم أو علها تفعل ما فعله أذان العراقي الذي أذن في بلاط الخليفة العثماني، فيهبوا جميعاً بكل الوسائل والحيل والفرص كي ينقذوا اليوم سُنة العراق بل العراق أجمعه ... ؛ ولعل في ذلك تحفيزاً وإيقاظاً لنفر من أهل جلدتي من السُنة، سواء كانوا من أهل بلدي العراق الجريح، أو من بلد من بلدان العالم الإسلامي يحمل عقيدة أهل السُنة والجماعة، أو شريك في الدم والعرق تدفعه عروبته لشيء من الغيرة ...  )) (1)  .

من المؤكد ان صاحب هذه الترهات والتحريضات غريب ؛ وكذلك القصة التي نقلها عن احد خدم العثمانيين الاجانب – والذي ادعى انه عراقي والعراق منه براء -  والذي سافر الى اسطنبول للتحريض على الشيعة ومعتقداتهم بحجة الغزو الصفوي ؛ وهؤلاء الهجناء الغرباء يسمون الاحتلال العثماني : (( بالفتح العثماني بينما يسمى الاحتلال الايراني بالغزو الصفوي  ...!!)) ؛ وصاحب الكتاب الذي نقل لنا هذه السموم  اعرابي من الجزيرة وليس عراقيا اصيلا ؛ بالمختصر المفيد ان اصحاب هذه الدعاوى عبارة عن شرذمة هجينة وغريبة عن مجتمعنا العراقي وبعيدة عنه كل البعد . 

ومن مؤلفاته : ((الصاعقة المحرقة في الرد على أهل الزندقة )) على غرار كتاب : ((الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة )) وغيرها من كتب التعصب الديني والانغلاق الفكري والتحريض الطائفي ... ؛ بينما تجد امثال هؤلاء مداحون في الجانب الاخر ومتملقون الى درجة الانحطاط  ؛ فها هو يؤلف كتاب في مدح ال الشاوي من ابناء الطائفة السنية الكريمة ويؤلف كتابا اخرا في مدح التصوف العثماني : ((اقحام المناوي في فضائل آل الشاوي )) , ((رسالة في علم التصوف ))  (2)

ومن ولده : الشيخ محمد سعيد ؛ وهو متصوف، من النقشبندية في بغداد ؛ و له  من المؤلفات : (إيصال الطالب للمطلوب) في التصوف، وكتاب في (الحديث)  ؛ كما ذكر الزركلي في كتابه : الاعلام / ج6 / ص 140 /  خير الدين الزركلي . 

 (2)

الشيخ محمد سعيد بن عبد الله السويدي  ؛ ولد في بغداد بمحلة الكرخ  (1141 هـ - 1223 هـ / 1728 - 1808م) أبو السعود ،  يعد من رجال الدين العثمانيين , و له عدة مؤلفات منها كتاب  : (( ورود حديقة الوزراء بورود وزارة مواليهم في الزوراء عن تاريخ بغداد من سنة 1161 إلى 1202ه‍ ( 1748-1787م) .)) ؛  وقد أرخ فيه حوادث النصف الأخير من القرن المذكور ؛  لا سيما ما يتعلق بصعود المماليك إلى سدة السلطة في بغداد ، والصراعات التي نَشِبَتْ بين زعمائهم ، وموقف الدولة العثمانية والعراقيين - والدخلاء والغرباء -  منهم، ... ؛ ولكن كتابات القوم معروفة واراءهم مكشوفة وانحيازهم وابتعادهم عن الموضوعية واضح ؛ فلا قيمة علمية او تاريخية لما سطروه الا اذا كان موافقا للمناهج العلمية والتاريخية ومحفوف بالقرائن المؤيدة ؛ ولاسيما ابناء هذه العائلة العثمانية فهم ابعد الناس عن الموضوعية والحيادية والدقة والامانة العلمية والتاريخية ... وقيل :  انه كتبه اتباعًا لتوجيه صديقه المؤرخ محمد خليل المرادي الدمشقي  ؛ وكأن  الله خلقهم من اجل تنفيذ اوامر وتوجيهات الاجانب والغرباء والدخلاء ؛ ولا غرو في ذلك فما هم الا مرتزقة وخدم في ركاب الولاة العثمانيين  وخونة متسولين واشخاص متملقين ... .

 واخذ المعلومات والمعارف الدينية  عن والده، وعن الشيخ عبد القادر المكي الحارثي، والشيخ علي الأنصاري، ودرس جانباً من النحو على الشيخ إبراهيم بن سلطان الجبوري، ... ؛ وكانت داره في الكرخ والتي طالما تغنى بها وحن إليها في اثناء غيابه ؛ و قد ورثها عنه ابنه محمد أمين بن محمد سعيد السويدي، ووصفت بأنها ذات طبقتين عليا وسفلى ... ؛  ومن من شعره

ياليلة الكرخ عودي لي بذي سلم                    لا زال بدرك في ظلمّاك في سلمِ

أفدي سويعة بِشّرٍ منك إذ رجعت                    كرائم المال من خير ومن نعمِ

فها هو كأسلافه باستطاعته ان يعبر بحر من الدماء لأجل الدنانير ؛ اذ ان لسان حاله يقول : ( فداك نفسي وامي وابي ايها البشير يا من تبشرني برجوع  ايام الاموال وليالي الخيرات والنعم ؛ والتي كان يتنعم بها في بغداد بأسم عباءة الدين وخدمة الولاة الظالمين ) ... .

 وقد ادعى البعض ان الشيخ محمد سعيد  سقط يوما من سطح داره فتألم ألماً شديداً، فشطّر قصيدة (البردة)، فما تم تشطّيرها إلا وزال السقم عنه ... وعدوا هذا الامر من كراماته , وطالما نسب هؤلاء محاسن غيرهم اليهم زورا وكذبا  ...!!

ومع كل تلك الحقائق  والقرائن ادعى البعض : (( ... وقد تعرض لسخط الحكومة العثمانية لصدق مبادئه ووطنيته ، فنفي من العراق، واختار الإقامة في حمص، وحل ضيفاً عند حاكمها الشاعر الشهيد المرحوم عبد الرزاق الجندي العباسي، لوجود صلة في النسب بين الأسرتين المنحدرتين من السلالة العباسية، وزادها تمكينا صلة الأدب، هذا وإن مساجلاته ومطارحاته الشعرية الارتجالية مدرجة في مؤلف سلك الدرر للمرادي الدمشقي... )) (3) وقد مر عليكم اللغط في اغلب انساب الذين يدعون الانتساب لبني العباس ... ؛ وان توثيق هؤلاء بعضهم لبعض او ادعاء الصلة والقرابة فيما بينهم على بعد الدار واختلاف الدماء والاحساب والانساب ؛ يذكرني بالمثل المصري الشعبي : ((  اتلم المتعـوس على خايـب الرجا )) . 

ولقد ذكر المؤرخ محمد سعيد الراوي في كتابه خير الزاد: ((أما الجامع المعروف بجامع خضر الياس فإنه من إنشاء داود باشا، بناه وبنى عندهُ دكاكين جعلها وقفاً عليه - كما فعل بمسجد رأس الجسر - واعطاه إلى محمد سعيد السويدي ليدرس فيه، وقد بناه على انقاض جامع قديم، وقد شرط لهُ في وقفيتهِ بعض جرايات للمدرس والإمام والخطيب والخادم والمؤذن. وهو واقع بين الطريق العام ودجلة، ذو ساحة واسعة، ومصلى مسقف بالخشب)).(4) 

كان محمد سعيد معجباً - كسائر أسرته- بوالي بغداد القوي أحمد باشا، وكان الأخير يُقدِّر للأسرة خدماتها،  ... ثم أنه أختير ليشغل إفتاء الحنفية في النجف وكربلاء، هذا مع أنه نفسه كان شافعياً وهكذا كان أبوه وأخوه الأكبر عبدالرحمن....  ؛ وقال الآلوسي في ترجمتهِ : ( درس مدة مديدة في مدرسة جامع داود باشا في جانب الكرخ قرب سيدنا الخضرعليه السلام ) (5)

و أولاده : الشيخ حسين ؛ والملا علي، توفي عام (1822م)، له العقد الثمين في بيان مسائل الدين... ؛ والملا عبد الله (الثاني) , والملا أسعد , و"عاتكة"، زوجها لابن عمها "محمد بن عبد الرحمن السويدي" . واما الأشقاء فهم : علي بن الشيخ عبد الله السويدي (1670-1756م) : له المشكاة المضيئة في الرد على الوهابية  - اقلام هؤلاء بخدمة الولاة فأن كانت العلاقة بين العثمانيين والوهابيين سيئة امروهم بنقد الوهابية وان اقتضت الضرورات السياسية التنسيق مع الوهابية سمحوا لهم بغزو المدن المقدسة الشيعية والاسلامية في العراق ونهبها ... ؛ وغضوا الطرف عنهم - ؛ وعبد الرحمن بن الشيخ عبد الله السويدي (1734-1787م) : له كتاب حديقة الزوراء في سيرة الوزراء... ؛ وإبراهيم بن الشيخ عبد الله السويدي (1737-1788م): له كتاب البدائع، وغيرها... ؛ وأحمد بن الشيخ عبد الله السويدي (1740-1795م):له الصاعقة المحرقة في الرد على الزندقة... .(6) 

وقد مدح الوالي الاجنبي  بقصيدة ؛ اذ شارك اخاه – عبد الرحمن – في نظم القصيدة ؛ وعلق احدهم قائلا : ((وشارك أخاه المذكور في نظم قصيدة في شكر الوالي ومدحه بمناسبة إهدائه فرساً إلى أبيه سنة 1159هـ/1746م، ولم يكن يتجاوز آنذاك الثامنة عشر من عمره، مما دل على تفتح مبكر لمواهبه الأدبية... ))  (5) ولو علق قائلا : مما دل على تملقه وخسته ورخصه , وسيره في ركاب الظالمين والمحتلين ضد مصالح العراق والعراقيين ؛ لصدق في قوله . 

وحينما توفي والي بغداد والبصرة وتولى صهره ، وأبرز مماليكه، سليمان باشا أبو ليلة الولاية من بعده، سافر محمد سعيد إلى بغداد مستقلاً السفينة التي أقلت موكب زوجته عادلة خاتون بنت أحمد باشا وأختها عائشة خاتون وأتباعهما.

وفي بغداد شهد محمد سعيد جواً سياسياً مضطرباً، فسليمان باشا ماض لتولي السلطة، يؤيده زملاؤه من مماليك سيده السابق، وواليها يسعى بكل سبيل إلى إقصائه عنها، وأهل بغداد منقسمين بين هذا وذاك، فكان أن انضم إلى جانب سليمان باشا وحرض الناس على مساعدة سليمان والوقوف ضد الاخرين ؛ بسبب اواصر المصاهرة والطمع والجشع ... ، وحينما وصل فرمان تعيينه والياً، كان هو، وأخوه، من أوائل المهنئين بذلك ؛ بل والمستفيدين ؛ فهؤلاء الشراذم  كانوا ولا زالوا هم اول المستفيدين واخر المضحين ؛ يدورون مع مصالحهم حيثما دارت .

 وقد اتسمت حياة محمد سعيد في أثناء ولاية سليمان باشا بالدّعة والاستقرار، مشمولاً برعاية عادلة خانم زوجة الوالي والحاكمة الحقيقية للولاية ، وكان من آثار ذلك الاستقرار أن تزوَّج ، وهو في السابعة والعشرين من عمره ،  وتكفلت عادلة خاتون بنفقات الزواج كله ؛ وفي ذلك  يقول "وفي هذه تزوجت بأم أولادي الموجودين، وذلك سنة ثمانية وستين بعد المائة والألف، وأرسلت عادلة خانم إليَّ النقد، وما تحتاج العروس والعرس من كل شيء بالزيادة ... ؛ لا يستحي من التسول من امرأة بل ويسطر الحروف بمدحها , وامثاله كثر ؛ وماذا تنتظر من شخص هذه سماته واخلاقه غير الخسة والنذالة والعمالة والخيانة والطائفية والحقد ...؟

وعندما توفي الوالي الاجنبي  سليمان باشا سنة 1175هـ/1761م، تبدِّدت  مظاهر الاستقرار والهناء ،  على مستوى أسرة محمد سعيد  العميلة والمتملقة والسائرة في خدمة ركاب الولاة الاجانب الظالمين ،  وقد انفجر صراع عنيف بين نوّابه (كَتخُداواته) السبعة بعد وفاته ، و المُرشّحين بحكم مناصبهم إلى شغل منصب الولاية، فكان "كل واحد من هؤلاء الاجانب الدخلاء  والمماليك الغرباء  يتمنى من قلبه أن يكون هو الخلف لسليمان باشا ... ؛  ووجد السُّويديون، ومنهم المؤلف، أنفسهم منحازين – كالعادة -  إلى أحدهم ، وهو علي باشا،  وقد تعرّف إليه المؤلف في مَقرّه حينما كان ضابطاً للحسكة (الديوانية) على نحو مباشر في أثناء بعض أسفاره ... ؛ اذ قال : (( وكان في ذلك الوقت أكبر من كثير من الوزراء غير وزير بغداد هيئة ونظاماً وعدداً وعُدّة واستعداداً، فألزمني بالبقاء والمكث عنده ثلاثة أيام ... )) ؛ هؤلاء السويديون لا يختلفون باي شيء عن باقي مرتزقة العثمانيين فهم دائما مستعدون للتنقل والترحال والسفر من اجل تنفيذ الاوامر العثمانية الغاشمة والتي تستهدف خراب العراق والاضرار بالعراقيين ؛ من خلال قمع انتفاضات وثورات العراقيين وفرض الضرائب و الاتاوات الباهظة عليهم ... الخ .

واظهر أعجابه  بالأجنبي المملوك  علي باشا ، وما وقر في قلبه من  الرهبة والرغبة وكالعادة المألوفة لديه واسرته ، مما أدى إلى مساندته في الوصول إلى السلطة بكل سبيل وبغض النظر عن الحق او مصلحة العراق والعراقيين الاصلاء ... ، و كاد علي باشا أن ييأس منها – ولاية بغداد -  إثر معارضة خصومه وكثرتهم وقوتهم لولا تدخل هؤلاء المرتزقة من عائلة السويدي ...  ؛ وها هو يقول :  (( مضيت أنا وبعض المُتعيِّنيين من أهل الجانب الغربي ، فرأيناه وأتباعه بلا أكل  - يقصد علي باشا - ، ولا أحد يتجرأ أن يمضي اليهم ليبيعهم، ولا أحد من أتباعه يتجرأ ينزل إلى البلد يشري شيئا، فأرسلنا إلى بيوتنا وبيوت معارفنا وأحبابنا أن يأتوا لنا بكل ما لديهم من مأكول ، حتى ما أعَدَّ كلٌّ لعشاه ، وأهل بغداد يخبزون كل وقت خبزاً قلما يكفي يومين ، فجاءوا لنا وقت صلاة المغرب بأطعمة كثيرة نفيسة تصلح له ولأتباعه، فأكل الكل وشبعوا، والباقي تصدَّق به على الشحَّاذين ، وبايعناه عنا وعن كل أهل الجانب الغربي ، أن له ما لنا وعليه ما علينا، ويحارب له أهل الجانب الشرقي كلهم ,  ففرح وعرف أنه صار باشا جديداً، فشكرنا وجئنا منه، فلما سمع بفعلنا أهل الجانب الشرقي انحلت عزيمتهم، فأطاع أكثرهم في الليل، ومضوا إلى خدمته، وهو لم ينم تلك الليلة فرحا ...)) (5) وهذه عادتهم لن تجد لها تبديلا فهم يفضلون الاجانب والدخلاء والغرباء على العراق وابناءه الاصلاء ... ؛ لذلك لا تستغرب عندما يطلب صدام من الامم المتحدة بالسماح له باشراك الفلسطينيين في نهب وسرقة قوت العراقيين الشحيح ايام الحصار القاسي ...؛ فقد طلب صدام من الامم المتحدة السماح لنظامه الاجرامي بإرسال نصف اغذية برنامج ( الغذاء والدواء مقابل النفط ) الى فلسطين ... ؛  فعلى الرغم من شحة المواد الغذائية ومعاناة اغلبية العراقيين من الجوع والعوز والحرمان  - والذي وصل الى العظم  والى حد الهزال كما يقول العراقيون  - ؛ اراد هذا المجرم الهجين ترفيه واسعاد الفلسطينيين على حساب الام ومجاعات وثروات العراقيين ... ؛ والحمقى يعتقدون ان امثال هذه التصرفات والشعارات الصدامية والبعثية الغاية منها فلسطين ؛ والحقيقة ان هذه الاجراءات تصب في مصلحة اسرائيل لأنها تخفف الضغط عليهم وتساهم بدخول الاموال اليهم  لتحريك اقتصادهم بحجة مساعدة فلسطين . 

 

وبعد تولي علي باشا السلطة ؛ اعترض الناس وكذلك اشباهه من المماليك على حكومته الغاشمة ؛ وبدأوا بالتحرك ضده ... ؛ لم يكن غريباً  أن يرفض محمد سعيد المشاركة الحملة النفسية والإعلامية التي قادها ( الكَتخُداوات ) – والكتخدا :  هو نائب الوالي ومساعده والمرشح لتولي الولاية من بعده  -   لعزله بعد نحو سنتين من توليه منصبه ... ؛  وأنف وأخوه، أن يضعا ختميهما كغيرهما من المدرسين وخطباء الجوامع على عريضة رفعت إلى الدولة العثمانية  تبين الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها مما  يدعوها إلى عزله ..  ،  اذ قال  (( وختموا العَرْض - أي العرضحال- حتى عند جميع المدرسين وخطباء الجوامع، وأنا وأخي اعتذرنا بضَياع خواتمنا، فختموا عند من تسمّى كإسمينا )) ... البغداديون كلهم وقعوا ورفعوا التظلم الى الدولة العثمانية الا هما ... ؛ ومع ذلك ولشدة جبنهم وخستهم ادعوا انهم قالوا للمعترضين والمحتجين على الوالي علي باشا كذبا : ان اختامهم قد ضاعت ؛ ومع ذلك قبلوا بتسجيل اسماء شبيهة بأسمائهم على العريضة ... ؛ وهذه العريضة عندما تصل الى السلطنة العثمانية تؤكد لها بأنهم مشتركون مع البغداديين الاخرين فيها ... ؛ ومع ذلك يحاول الدجال محمد سعيد تبرئة نفسه واخاه بهذه التبريرات والادعاءات السخيفة -  ( وهاي الكلاوات تمشي على الكثير من القشامر ) – وانهما لم يشاركا بهذه العريضة وقد كذبوا كعادتهم ؛  فهم مع الاقوى والحاكم الفعلي وضد الخاسر ... ؛ لانهم جبناء واخساء وعملاء ومرتزقة .

وهذا لا يعني ان ما ذكرناه هو السبب الوحيد لإبعاد علي باشا ... ؛ وقد  مر عليكم  سابقا ؛ انه بعد وفاة اول حاكم مملوكي ( سليمان باشا في سنة 1762م ) ،  كان  هنالك سبعة رجال مرشحين لخلافته وكانوا كلهم من المماليك ... ؛  وكاد الأمر ان يتحول إلى حرب طاحنة  بين المرشحين السبعة ... وبسبب تدخل عائلة السويدي  و استقر الرأي على أن يكتب بأسماء المرشحين السبعة إلى إسطنبول لكي يتم اختيار أحدهم للولاية ، بعدها عاد الجواب من إسطنبول باختيار السلطان العثماني لمتسلم البصرة علي باشا ، ولكن لم يكن علي باشا من أصول قفقاسية أو جورجية  كسائر المماليك الموجودين بل كان من أصول فارسية ... ؛  وهذا ما جعل المماليك الآخرين يحيكون المؤامرات له، فخلع من منصبه بعد سنتين من توليه المنصب إثر ثورة مضادة بقيادة عمر باشا والذي كان عديل سليمان باشا وكذلك كان أحد المرشحين السبعة للخلافة من بعده، وعلى إثر ذلك اجتمع علماء بغداد واعيانها وكتبوا عريضة للسلطان العثماني يسترحمونه بتولي عمر باشا واليا عليهم وإن علي باشا كان يريد تسليم العراق لبلاد فارس ... ؛  فجاء الفرمان من إسطنبول يقر عمر باشا واليا على بغداد ، أما علي باشا فقد هرب من السراي متنكرا بزي امراة  والتجأ دخيلاً لأحد الدور المجاورة ولكن صاحب الدار أخبر عنه السلطات فألقي القبض عليه، ثم تم قتله... ؛ ولعل المتتبع لسير هؤلاء الدخلاء والغرباء يجدها نسخ متكررة  ؛ فهم طالما تنكروا وغيروا ازيائهم بل واسماءهم والقابهم واخفوا اصولهم ... ؛ فها هو نوري السعيد يتنكر بزي النساء ايضا عند اندلاع  الانقلاب العسكري عام  1958  وكذلك عندما اختبئ صدام في حفرة كالجرذ او عندما تنكر عناصر داعش والقاعدة بأزياء النساء ... ؛ بالإضافة الى ملاحظة امر اخر الا وهو بغض ايران والايرانيين قاطبة ؛ نعم هم يتواصلون مع الايرانيين من اتباع الطائفة السنية الكريمة ويقدمون الدعم لهم احيانا ؛ كما قدم صدام لمنظمة خلق الارهابية كافة التسهيلات والدعم المادي والمعنوي في العراق وخارجه , وغيرها من الامثلة والشواهد , الا انهم ينظرون للإيرانيين نظرة شك وريبة وتوجس وخيفة لأسباب عديدة ومنها : انها مركز التشيع وهي تمثل الثقل الشيعي في العالم – في نظر ابناء الفئة الهجينة -  وبالتالي لا يؤتمن حتى الايراني السني لأنه خاضع للأغلبية الايرانية الشيعية ... ؛ والشيء بالشيء يذكر , لدي صديق عمل على اطروحة ماجستير تخص احدى عوائل العهد الملكي ودورها السياسي من عوائل ( ال چي )) وقد اتضح له ان جذور هذه العائلة والتي تتدعي الان انها من العوائل السنية ذات الجذور التركمانية ؛ من الفيلية الايرانيين ... ؛ وعندما فاتحهم بالحقيقة التاريخية انزعج  عميد العائلة جدا واصر على صحة ادعاءات العائلة ... ؛ مخافة الانتساب لإيران .

وبعد مقتل المجرم الوالي  الاجنبي علي باشا ؛ وتولي المجرم الشهير الوالي الاجنبي عمر باشا السلطة , وعلى الرغم من جرائم ومجازر الوالي المجرم عمر باشا ضد العراقيين  ؛ اذ اعد الجيوش والمرتزقة لإبادة وقمع الثورات العراقية و الانتفاضات العشائرية الشيعية وكذلك السنية , وقد اسس الشيخ العراقي الاصيل حمود الحمد كيان اجتماعي وعشائري مستقل عن كيان سلطة الدولة العثمانية المحتلة وعن سلطة المماليك الاجانب في منطقة الفرات الاوسط ؛ فقام المجرم المملوكي الاجنبي عمر باشا بالقضاء على ثورة شيخ قبيلة الخزاعل العراقية العربية الاصيلة حمود الحمد , وكذلك قام بالقضاء على ثورتي عشائر المنتفق الجنوبية العراقية العربية الاصيلة وثورة عشائر العبيد السنية العراقية الاصيلة  على التوالي ...  ؛ وبما ان عمر باشا زوج عائشة خانم بنت أحمد باشا، وأخت عادلة خانم ، صاحبة الأيدي البيض عليه – محمد سعيد - ؛ سارع الدجال محمد سعيد  الى اظهار الطاعة والولاء للوالي الجديد بل والاشادة ب جرائمه وقمعه لثورات العراقيين الاصلاء , وذكرها في كتابه  ... ؛ ومع كل هذه الحقائق الدامغة يحاول بعض الكتاب والمؤرخين تزييف الحقائق وقلب الوقائع والادعاء بأن موقف محمد سعيد من سلطة المجرم عمر باشا غير محدد وليس واضحا , او انه قد ندد بأفعال المجرم عمر باشا ؛ وقد ادعى الكاتب ان هذه المواقف تدل على صحة ما ذهب اليه من تبرئة ساحة المرتزق الافاك محمد سعيد  ؛ قائلا : (( ... والراجح أن أعمال عمر باشا العنيفة، لاسيما ضد آل الشاوي، وهو الذين تربطه به صلات الولاء والجيرة، وقتله عبد الله بك الشاوي، لم تبق شيئاً من التقدير له ؛  وها هو يصف الشاوي بالشهيد ، مما دل على اتهامه الباشا ضمناً بالظلم ، وقد وصفه بأن لسانه وقت الغضب فحَّاش ، وذكر في هذا الكتاب أنه لما نفى عمر باشا دفتردار  بغداد عثمان أفندي العمري إلى الحلة، وهو يضمر له الإعدام، لم يجد حرجاً في أن يقصده بالزيارة متفقداً صحته، متعاطفاً معه فيما هو فيه من عنت ... )) (5) وكل ما ذكره الكاتب لا يغير من الحقيقة شيء فهذه امور اعتيادية لدى القوم ؛ ولا ضير عندهم في تسمية المجرم حسين كامل بالشهيد وكذلك المجرم صدام والمجرم علي الكيماوي والمجرم الكسيح عدي ... الخ ؛ بالشهداء , فهؤلاء يتساوى في نظرهم القاتل والمقتول والضحية والجلاد فكلهم رضي الله عنهم ان كانوا من الطائفة السنية الكريمة والفئة الهجينة ...!! ؛ واما بخصوص وصفه للوالي بالفحاش فهذا امر طبيعي جدا ؛ وسوف اذكر لكم في الحلقات القادمة ان توفيق السويدي قد اراد تنبيه مجلس رئاسة الوزراء على  حالة سلوكية , الا وهي  ظاهرة ( العفاط والزيج ) المنتشرة  بين وزراء ومسؤولي الدولة  ... , وانها لا تليق بهم لاسيما وان المجتمع العراقي مجتمع محافظ ... ؛ الا ان القوم ردوه بأنها :  امرا طبيعيا ومألوفا بينهم ..!! ؛ ولعل المتابع للشأن العراقي يستطيع التأكد من هذا الامر بسهولة , فلو سار في احدى طرقات حارات بغداد القديمة والتي يقطنها احفاد هؤلاء الغرباء والدخلاء لشاهد بأم العين وسمع بأذنيه ما تقشعر له الابدان وما يخالف العادات والتقاليد والقيم العراقية الاصيلة ... , بدأ من شتم الذات الالهية وائمة المسلمين ,  مرورا ب استخدام اقذر الالفاظ الفاحشة والسوقية والمبتذلة , وصولا الى ارتكاب شتى الموبقات الاخلاقية ..., وهذه السلوكيات تعتبر نتيجة طبيعية بالنسبة لهم لانهم ليسوا عراقيين اصلاء ولا عربا اقحاح , ولم يتكيفوا مع الاغلبية العراقية الاصيلة ولم يتأثروا بهم ... لكن هذا لا يعني ان ابناء هذه المناطق والحارات من احفاد المماليك ؛ ففي الامر تفصيل وتعقيد سوف نتطرق له فيما بعد .  

وبسبب اجراءات المجرم عمر باشا الطائفية والغاشمة ومضايقاته للعراقيين ؛ استغل الشاه الايراني كريم خان زند هذه الظروف ؛ وارسل – عام 1775 م - جيشا كبيرا لاحتلال البصرة بقيادة أخيه صادق خان فحاصرها ... ,  وقد دام الحصار على مدينة البصرة حوالي 13 شهرا انتهى بدخول صادق خان للمدينة ... ,  وعند وصول نبأ الحصار إلى إسطنبول اعتقد المسؤولون  الاتراك هناك  : أن السبب الأكبر الذي أدى إلى نشوب هذا النزاع بين الدولتين هو تصرفات عمر باشا  ... ؛ وأنه لابد من عزله لكي ينتهي هذا الصراع القائم بين الدولتين. 

وفي عام 1776 م قامت الدولة العثمانية بإرسال ثلاث قواد ومع كل واحد منهم قوة عسكرية كبيرة إلى مدينة بغداد، وكان سبب إرسالهم هو عزل الوالي عمر باشا وهم كل من أوزون عبد الله باشا والي ديار بكر ، وسليمان باشا الجليلي والي الموصل ومصطفى باشا الإسبيناخجي والي الرقة  , وكان مصطفى باشا هو الذي من أسندت إليه ولاية بغداد ، وقتل عمر باشا إن امتنع عن تسليم الولاية إليه، وكانت حجة القواد الثلاثة أثناء المجيء هي فك الحصار عن مدينة البصرة، وعند اجتماع مصطفى باشا الإسبيناخجي  - ( بائع السبانخ ... فهو ينتمي الى قبيلة الخس والسبانخ ...!!  ) - بعمر باشا ومعرفة عمر باشا بالفرمان السلطاني لم يعترض عليه وغادر بغداد دون وقوع أية مشاكل ... ؛  ولكن مصطفى باشا ظن أن في الأمر مكيدة له من قبل الوالي السابق عمر باشا فأرسل قوة من الجند ليهاجموه ليلا إلا أن عمر باشا تمكن من الهرب ولكن فرسه سقطت على الأرض مما أدى إلى سقوطه وكسر رقبته، وقد عثر عليه من قبل أحد الجنود ، فقام بقطع رأسه وإرسالها إلى الوالي الجديد والذي قام بدوره بإرسالها إلى إسطنبول ... ؛ ويبقى الهروب من المواجهة  والاختباء والاحتماء بالأجنبي شيمة الجبناء والدخلاء والغرباء والعملاء  . 

وبعد مقتل عمر باشا لم يهدأ الوضع في العراق في السنوات التي تلت مقتله وتسلم مصطفى باشا السلطة ؛  اذ لم يدم حكم مصطفى باشا سوى تسعة أشهر حيث عزل بفرمان من السلطان العثماني، ثم ولي بعده عبدي باشا لمدة 17 يوماً وفي رواية 40 وفي أخرى 45 يوماً ، وتم تولية زعيم المماليك عبد الله باشا...,  والذي كان قد ثار ضد مصطفى باشا بعد كثرة الشكاوى عليه وسيق مصطفى باشا إلى مدينة ديار بكر مخفورا وهناك تم قطع رأسه بأمر من السلطان.(5)

وقيل ان الوالي المملوكي عبد الله باشا – وكعادة اسلافه - : كان يحب الاستمتاع بما لذ وطاب , وممارسة كل الامور المحرمة والمباحة ؛ وكان متأثراً بالجو اللاهي ، والصاخب، الذي كان يلهيه به مساعده محمد بك العجمي الأصل ، المعروف بعجم محمد، وحينما أرسلت الدولة العثمانية سليم أفندي لتدارك الأمر انغمس  هو الخر  بملاهي عجم محمد و وعوده – كما ادعى القوم وقد بينا حقيقة الامر في الحلقات السابقة فراجع -  حتى نسي القضية التي جاء من أجلها الا وهي تحرير البصرة من الاحتلال الايراني كي تبقى تحت الاحتلال العثماني ... !! .

وحدثت  حركة  في بغداد تطالب بعزل عجم محمد الايراني ، والتخلص من قيادة عبد الله باشا المتهاونة ، فانضم محمد سعيد إلى أخيه عبد الرحمن في تزعمهما أهل الجانب الغربي ضدهما، في معارك ضارية استخدمت فيها كل الأسلحة المتاحة عهد ذاك –  كما تقدمت الإشارة إلى ذلك من قبل في الحلقات السابقة - ، وجرى القتال من على المتاريس التي حجزت بين الطرفين المتقاتلين، ولم يستتب الوضع إلا بعد أن أضطر عبد الله باشا ومساعده وأعوانهما إلى مغادرة بغداد نهائياً . 

و لم يدم حكم عبد الله باشا طويلا إذ توفي في شتاء عام 1777م ، وحدثت بعده الفوضى التي عمت أرجاء بغداد لعدة أشهر ... ؛  إذ كان التنافس على الحكم بعد موت عبد الله باشا منحصرا بين شخصين هما محمد العجمي وإسماعيل آغا الكهية - ( الكهية تعني مساعد الوالي )  - وانقسمت محلات بغداد إلى فريقين متناحرين، فقد وقفت محلات الفضل والمهدية والقراغول والميدان إلى جانب محمد العجمي . بينما وقفت محلات رأس القرية، باب الشيخ والشورجة إلى جانب إسماعيل آغا وقد إنحاز المماليك إلى إسماعيل آغا بشكل عام ؛ وبمساعدة عائلة السويدي ايضا .

وفي شهر أيار من سنة 1778م  , وصل حسن باشا الكركوكلي :  وهو يحمل فرمانا من السلطان العثماني يعهد بولاية بغداد إليه... ؛  فأضطر على إثرها محمد العجمي بمعونة صاحبه أحمد آغا  للفرار من مدينة بغداد إلى نواحي ديالى... ؛ و في عهد الوالي حسن استرجعت البصرة من ايدي الإيرانيين إذ انسحب الإيرانيون من المدينة بسبب وفاة كريم خان زند في مدينة شيراز... ؛  وعاد إلى البصرة واليها السابق سليمان آغا بعد أن كان محبوسا في مدينة شيراز... ؛  وفي أواخر شهر تشرين الأول عام 1779م  : حدثت مشاجرة بين شخصين قرب مقبرة الشيخ عمر فلما سمع أهالي الميدان في بغداد بهذا الحادث إتخذوها ذريعة لإعلان الثورة والتمرد  على الوالي حسن باشا ، و عند ذلك  هرب حسن باشا إلى القلعة الداخلية متحصنا بها ... , وفي اليوم التالي تجمع سكان بغداد في الطرقات واتخذوا المتاريس وقاموا بمهاجمة مبنى السراي الحكومي العثماني ، وعند حلول الظلام عشية ذلك اليوم تسلل حسن باشا من باب القلعة وعبر النهر  الى جانب الكرخ ومن هناك استطاع الفرار كالجبان المرعوب  إلى ديار بكر وقد توفي حسن باشا إثر إصابته بمرض غامض لازمه عدة أيام هناك ... .

كان والي البصرة المملوكي  سليمان آغا والذي عرف لاحقا بعد توليه ولاية بغداد باسم سليمان الكبير يترقب الأوضاع فأخذ يكاتب السلطان العثماني لغرض توليه الحكم وقد تم له ما أراد إذ صدر فرمان من السلطان بتوليه شؤون ولاية بغداد وقد عرف عصره باسم العصر الذهبي لفترة حكم الماليك في العراق، حيث بدأ سليمان الكبير حكمه بالقضاء على ثورة محمد العجمي في نواحي ديالى... ,  والقضاء على ثورات  عشائر الخزاعل  في منطقة الفرات الأوسط. وفي عام 1782م  , و توجه سليمان الكبير إلى مناطق كردستان العراق للقضاء على التمرد الذي قاده هناك متصرفها محمود باشا بابان فالتجأ محمود باشا بابان إلى بلاد فارس... ,  وعين سليمان الكبير مكانه إبراهيم باشا بابان... ,  وفي سنة 1786 عم قحط شديد على العراق فعمت المجاعة وانتشرت الأمراض فأدى هذا إلى نشوب ثورة عارمة في بغداد، ولكن سليمان باشا استطاع القضاء على هذه الثورة وصلب بعضا من رؤساءها وسجن الآخرين...  ؛ وفي أواخر سنين حكم سليمان باشا الكبير بدأ الوهابيون يغيرون على تخوم العراق  , فهؤلاء الغرباء كانوا اشداء على العراقيين جبناء وضعفاء امام الاعداء  ... ثم توفي سليمان باشا الكبير عام 1802م ... ؛ وعلى الرغم من اجرام وتعسف الوالي المملوكي سليمان باشا ؛ نجد محمد سعيد نفسه متعاطفاً مع هذا الوالي بل ومواليا ومدافعا عنه ... ؛ وليس صعباً أن نجده يثني على صفاته وأنه : ((عامل الناس بالعدل لا الجور والإضرار )) (5) . 

والشيء بالشيء يذكر : بدأت الحركة الوهابية والمدعومة بريطانيا تهدد العراق منذ سنة 1790 وصارت الجماعات المنضوية تحت لواء الحركة تهدد مراعي الظفير والمنتفق والشامية  - و هذه المراعي بالإضافة الى مناطق الاحساء عراقية وهذا ما دفع الملك فيصل بالقول ان حدود العراق تصل الى شمال الرياض في اجتماعات ترسيم الحدود بإشراف الانكليز وقتذاك مع ال سعود -  ؛  وبدأ دعاة الحركة بنشر الدعوة في المدن والأرياف العراقية  , وفي سنة 1796 م استولى الأمير عبد العزيز بن سعود على منطقة الأحساء العراقية والمرتبطة بالعراق الحالي  من الناحية الشرقية والجنوبية ... ,   وفي عام 1797 م كلف سليمان باشا الشيخ  ثويني شيخ المنتفق بحرب الوهابيين  ... ؛ ولكن  الشيخ ثويني قتل بعد أن هجم عليه طعيس وهو من عبيد الجبور من بني خالد وقتله في محرم 1212 هـ /1796 في عين الشبيك أو شباك بمنطقة الأحساء العراقية ... , و أدى مقتل الشيخ ثويني إلى فوضى في صفوف الجيش ,  وقد انتهز الوهابيون هذا الأمر فأستطاعوا هزيمة الجيش العراقي  الذي كان يقوده  الشيخ ثويني ... , وفي سنة 1798م أعد سليمان باشا الكبير حملة عسكرية كبيرة بقيادة الكهية علي باشا ووصل الجيش الذي كان يقوده الكهية إلى قلعتي الهفوف والمبرز ولكن مدافع الجيش عجزت عن هدم أسوار القلعتين كما أن الكثير من البعران بدأت تهزل وتموت وضج الجنود في الجيش نتيجة عدم وجود جدوى للقتال والاستمرار فيه ... ,  وفي شهر تموز من عام 1799 م عادت حملة الكهية إلى بغداد بعد أن عقد الطرفان الصلح وتم توقيع مراسم هذا الصلح في بغداد بحضور وفد يمثل الوهابيين وغض الولاة المماليك الطرف عن تمدد الحركة الوهابية  في الاحساء لان العراق ليس بلدهم بالإضافة الى ان سكان الاحساء من الشيعة ... ؛  وفي يوم 22 من شهر نيسان من سنة 1802 الموافق 18 من شهر ذي الحجة من سنة 1216 هجرية هاجمت مجموعات مسلحة من الحركة الوهابية مدينة كربلاء وقد دخلوا المدينة على حين غرة ؛ لأن هذا اليوم  كان يصادف أحد الأعياد  الدينية عند الاغلبية العراقية  وهو عيد الغدير وبدؤا يقتلون كل من يلقونه في طريقهم حتى الشيوخ والنساء والأطفال والعجزة  والمصلين والزائرين ... الخ ؛ وعلى اثر ذلك توجه احد ابناء الشيعة من سكنة بغداد , وقيل عنه : (( انه شخص أفغاني كان مقيما في بغداد يدعى الملا عثمان.   )) (5)الى الدرعية عاصمة الامارة الوهابية ... , وبينما كان الامير  عبد العزيز بن سعود في أواخر سنة 1803م   يصلي بالناس هجم عليه الملا عثمان وقتله ... ؛ وادى هذا الامر إلى تجدد الصراع من جديد حيث تمت مهاجمة المراعي التابعة للعشائر العراقية وتمت مهاجمة بلدة الزبير ومحاصرتها وقد دام الحصار عليها حوالي 12 يوما... ,  وفي فترة حصار الحركة للبلدة تم هدم جميع القبور والمشاهد الموجودة خارج سور البلدة كمشهد طلحة والحسن البصري ... ,  ولكنهم عادوا من حيث أتوا إذ لم يتمكنوا من فتح البلدة... ,  وفي سنة 1806 شن الوهابيون هجوما على مدينة النجف ولكن هجومهم باء بالفشل ... ,  وقد أدى استمرار الجماعات الوهابية على الإغارة على المناطق المخصصة للرعي في منطقة الفرات الأوسط إلى عدم خروج الرعاة مع أغنامهم إلى البادية لخوفهم من هذه الجماعات واستمر الحال على هذا المنوال إلى بداية الربع الأول من القرن العشرين... . 

عودا على بدء : وقد أوصى  الوالي المملوكي سليمان باشا الكبير بأن يعهد من بعده بمنصب الوالي لصهره علي باشا الكهية وألا يختلفوا عليه... ,  ولكن سرعان ما ظهرت الخلافات بين أفراد عائلة سليمان الكبير حول منصب الوالي بعد وفاته والذي شغله صهره علي باشا الكهية  ... , واستطاع علي باشا الكهية  حسم الصراع لصالحه ... , و دام حكم علي باشا الكهية حوالي خمس سنوات وكانت سنوات حكمه مليئة بالقلاقل والمخاوف والصراعات وفي سنة 1807 وبينما كان علي باشا الكهية  يقيم صلاة الصبح قام رجل يدعى مدد بك وقد كان هذا الرجل من المقربين لعلي باشا غير انه كان يضمر له الشر ويحقد عليه ؛ فهجم عليه وقد كان يصلي بجانبه وأغمد خنجره في خاصرته وسقط علي باشا الكهية صريعا على الفور ...  , و تولى ابن أخت علي باشا الكهية ويدعى سليمان باشا ولقب بعد توليه الولاية في بغداد بسليمان الصغير تميزا عن سلفه سليمان باشا الكبير ... , و دام حكم سليمان الصغير حوالي ثلاث سنوات إذ قتل في يوم 6 تشرين الأول من سنة 1810 م  على أيدي الجيش العثماني بقيادة حالت أفندي بعد معارك طاحنة بينهما... ,  وتم تعيين عبد الله آغا التوتونجي واليا على بغداد... , و لم يدم حكم عبد الله آغا التوتونجي سوى سنتين ونصف وقد قضى تلك المدة القصيرة في خوف دائم من سعيد بك وحزبه إذ كان الكثير من المماليك يميلون إلى سعيد بك ويعطفون عليه وفاء لذكرى أبيه سليمان الكبير – كما قيل - ,  وقد أدى هذا الأمر إلى إشعال الحرب بين كلا الطرفين ومقتل الوالي عبد الله آغا التوتونجي في بلدة سوق الشيوخ مع كهيته (معاون الوالي) بعد أن تم أسرهما ... , و بعدها دخل سعيد باشا ومعه شيخ  عشائر المنتفق  الشيعية – او الاغلبية الساحقة منها -  حمود الثامر السعدون  السني والمنصب من العثمانيين  بغداد في يوم 16 أيار من سنة 1813... ,  وقد أعطى سعيد باشا لشيخ عشيرة المنتفق حمود الثامر السعدون  حكم منطقة البصرة نتيجة مساندته أياه في حربه ضد الوالي السابق عبد الله آغا التوتونجي  ؛ وأدى استفحال طغيان الشيخ  حمود الثامر  السعدون على ولاية البصرة وظلمه للناس إلى ثورة عارمة في صفوف العشائر الجنوبية العراقية الاصيلة , إضافة إلى وجود ما يقارب اربعين الف زائر من بلاد فارس في مدينة كربلاء والذين بقوا محاصرين فيها خوفا من تعرضهم لأعمال نهب وسلب من قبل تلك العشائر – كما يدعون - ؛  ولم يجد سعيد باشا بدا من تعيين زوج اخته داود باشا بمنصب الكهية فأستطاع الأخير إخماد ثورة العشائر العراقية  باستعمال القوة  ... , ولكن ما ان انتهى داود باشا من القضاء على ثورة العشائر في الجنوب حتى أصدر سعيد باشا قرارا بعزل داود باشا من منصبه وذلك بعد إلحاح شديد من قبل نابي خانم والدة سعيد باشا ... ,  وسرعان ما تردت الأوضاع في العراق من جديد نتيجة لإهمال سعيد باشا شؤون البلاد وفي شهر أيلول من سنة 1816 م  , وغادر داود باشا مدينة بغداد خلسة بصحبة مجموعة من اتباعه ... ؛ واستطاع داود باشا أن يحصل من السلطان العثماني على ولاية بغداد بدلا من سعيد باشا ... , وفي يوم 7 كانون الثاني من سنة 1817 م جرت معركة ما بين أنصار سعيد باشا وأنصار داود باشا خارج سور مدينة بغداد من جهة منطقة باب المعظم وقد لعبت المدافع دورا هاما في هذه المعركة ، كما قام فرسان الشيخ حمود الثامر السعدون  بحركة هجوم مباغتة جعلت النصر يميل إلى جانب سعيد باشا فاضطر داود باشا على إثر هذه المعركة إلى الابتعاد بقواته عن مدينة بغداد بغية الاستراحة ولم الشمل  ... , وقد ظن سعيد باشا أن الخطر قد زال عن بغداد فسمح للشيخ  حمود السعدون  بالعودة مع أتباعه إلى مناطق نفوذهم السابقة ,  وفتحت أبواب بغداد من جديد لزوال الخطر ولكن الحال لم يستمر طويلا لأن وجود داود باشا مع قواته وتهديده المستمر لبغداد جعل أسعار المواد الغذائية في ارتفاع مستمر إضافة إلى نشر أنصار داود باشا الإشاعات وتحريضهم أهالي بغداد على الثورة ضد سعيد باشا  ؛ فانتشرت الفوضى في بغداد والمناطق المحيطة بها وكثر السلب والنهب حينها  ؛ واجتمع أعيان بغداد وعلماؤها وكتبوا محضرا وأرسلوه إلى  المملوكي داود باشا يحثونه على الإسراع بالقدوم إلى بغداد لإنقاذ الأهالي مما أصابهم... ,  وفي يوم 20 شباط من نفس السنة دخل داود باشا مع قواته مدينة بغداد وسط استقبال جماهيري حافل من قبل الأهالي أما سعيد باشا فقد قتل من قبل سيد عليوي رئيس الانكشارية بعدما وجده لائذا بحضن امه السيدة نابي خانم ... ؛ وانظر الى ان اسم رئيس الانكشارية الاجنبي , اذ  غير اسمه الحقيقي واستخدم اسما عراقيا محليا  ( سيد عليوي ) لكي تجري الامور بصورة سلسلة , وتنطلي هذه الخدع على السذج والحمقى والمغفلين من ابناء الامة والاغلبية العراقية الاصيلة ... ؛ ومن باب الاستطراد : عندما فتح الهجين صدام ابواب العراق امام شذاذ وسفلة ومرتزقة وعمال البلدان العربية المختلفة في عقد الثمانينيات من القرن المنصرم ... ؛ صادف ان تكلم احد العراقيين مع وافد فلسطيني واخر مصري فراح الاثنان يكيلان التهم والشتائم ضد العراقيين الاصلاء ويستهزئان بالعادات والتقاليد والفلكور الشعبي العراقي ... و وصل الحديث بهما الى ذكر اسم الفنانة المصرية ليلى علوي ... فقال الفلسطيني للعراقي : ان اسم اباه ( علوي ) يختلف عن اسم ( علاويكم ) ويشير بذلك الى اسم الامام علي استهزاءا ...!! . 

وتولى المملوكي داود باشا مقاليد الحكم في العراق في شباط من سنة 1817 م وواجهت داود باشا خلال سنين حكمه ثورات قامت بها العشائر العراقية المختلفة ؛  إضافة إلى دخوله في نزاع مع الدولة القاجارية في فترات مختلفة من سنوات حكمه التي امتدت على مدار 14 عاما... ,  و اهتم  الوالي الاجنبي داود باشا بالجيش وأولى به عناية خاصة  ... ؛ وقد استدعى  المسيو ديفو  - كان المسيو ديفو أحد ضباط الجيش الفرنسي إبان حكم نابليون بونابرت وكان يعمل في تدريب جيش والي كرمانشاه قبل استدعائه للعمل عند داود باشا -  لتدريب الجيش ... ؛ ولعل السبب الذي دفع الوالي المملوكي لذلك هو انهيار الجيوش والمرتزقة العثمانية في العراق بسبب توالي الثورات والعصيان والتمرد والصراعات والانتفاضات ... ؛  ومن  اهم اسباب  تلك الثورات سوء الادارة ,  والظلم الحكومي  , واهمال الخدمات والمرافق العامة الضرورية , وجسامة الضرائب من اجل ارضاء الباب العالي في الاستانة  , او لإشباع  نزوات الولاة و جشعهم وطمعهم , او لسد نفقات الحروب الغاشمة الداخلية والخارجية ... . 

وفي سنة 1828 م أعلنت الإمبراطورية الروسية الحرب على الدولة العثمانية وذلك دعما للثورة اليونانية التي كانت قائمة آنذاك ضد الاحتلال العثماني وكان من المقرر أن يرسل داود باشا ما مقداره 6000 كيس من الذهب لدعم الدولة في حربها ضد روسيا ولكن داود باشا امتنع عن إرسال هذا المبلغ ففسر امتناعه هذا في الاستانة بمثابة إعلان عصيان على الدولة واعتبر أنه تخلى عن سيده السلطان في أحرج المواقف وإساء إلى هيبته ... , وفي سنة 1830 أرسل السلطان العثماني محمود الثاني إلى بغداد أحد رجالاته الثقات يدعى صادق أفندي وكانت مهمته التخلص من داود باشا ... , و أحس داود باشا بالمكيدة التي دبرها له السلطان وبمغزى قدوم صادق أفندى مبعوثا من السلطان إلى بغداد  , وقد قتل صادق افندي في العراق ... , و كان لمقتل صادق أفندي صدى واسع في الاستانة وفي مختلف الولايات العثمانية... ؛ و كلف السلطان العثماني محمود الثاني والي حلب علي رضا باشا بإعداد جيش ضخم للهجوم على بغداد وفي أوائل شهر شباط من سنة 1831 تحرك الجيش من حلب نحو بغداد وفي أواخر شهر آذار بدأ مرض الطاعون القادم من مدينة تبريز الايرانية  بالانتشار في بغداد وقد أفسد ظهور هذا المرض كل الخطط التي اعدها الوالي المملوكي داود باشا  - والمتمرد على اسياده او الذي رفض فكرة عزله - لمقاومة الجيش العثماني القادم من مدينة حلب ... ؛ و دخل الجيش العثماني بغداد يوم 14 أيلول من سنة 1831م بعد حصار طويل لها  وبعد إحكام السيطرة على بغداد واستباب الأمن وضع علي رضا باشا خطة متقنة لقتل المماليك حيث تظاهر في بادئ الأمر بالرضا عن المماليك وولى بعضهم مناصب رفيعة في الدولة وفي ذات يوم دعا علي رضا باشا المماليك مع جماعة من اعيان بغداد وعلمائها إلى اجتماع بحجة الاستماع لقراءة الفرمان الذي وصل مؤخرا من الاستانة  , وما إن شرب جميع المدعوين القهوة ودخنوا الجبوق حتى إنهال الجنود الألبانيون الاجانب  الذين احضرهم علي رضا باشا بقتل جميع من كان مدعوا لهذا الاجتماع ... ؛ وبهذا قضى الغزاة الاجانب  العثمانيون على مرتزقتهم ومماليكم وعبيدهم الغرباء والدخلاء  ... ؛  أما الوالي المملوكي الاخير  داود باشا فقد تم إلقاء القبض عليه وإرساله  إلى الاستانة.(7)  .

وفي ختام البحث عن هذه الاحداث السياسية والعسكرية ؛ لابد لنا من تسليط الاضواء على فترة المماليك في العراق ؛ ففي في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي انتقل الحكم في العراق من الولاة العثمانيين إلى المماليك الذين جلبوا من بلاد الكرج وغيرها من البلدان الاسيوية والاوربية ... ؛  ليتولوا الحكم في بغداد وكان وصول الوالي العثماني  المملوكي حسن باشا الى الحكم في العراق  ؛  اذ حكم بغداد لمدة عشرين سنة من 1704-1723 م ... ,  وعند وصوله الى بغداد طبق نظام(( شراكة الارقاء – العبيد -  )) الذين يجلبون اطفالاً  صغارا ويدربون تدريباً خاصاً ليصبحوا موظفين في حكومة السلطان ... بالإضافة الى استغلالهم الجنسي كغلمان للمتعة الجنسية والرقص ... ؛ حتى تطور الامر واصبحت مسألة اللواط سلوكا يوميا وطبيعيا لأغلب هؤلاء الدخلاء والغرباء والاجانب ...؛ علما ان هذا السلوك الجنسي كان مرفوضا رفضا باتا في مناطق الجنوب والوسط العراقي باستثناء بعض المناطق الدينية كالنجف الاشرف لان  بعض العجم يقطونها ... ؛ ولعل قضية الشاب الألماني مشهورة بين البغداديين ومذكورة في كتب التاريخ ؛ اذ كان هناك شاب ألماني يسكن بغداد يدعى ريتشارز وكان هو من أسرة ألمانية نبيلة وفي سنة 1894 قامت إحدى العوائل المسيحية برفع دعوى على هذا الشاب بحجة إنه لاط بغلام لها كان تلميذا في مدرسة الأباء الكرمليين ... ؛ وقد انقسم المجتمع البغدادي حول هذه القضية إلى فريقين فوقف فريق منهم إلى جانب الشاب الألماني الذي لاط بالغلام المسيحي البغدادي باعتبار ان الامر طبيعي جدا ... ؛ بينما وقف فريق آخر ضده  ... ؛ ولكن  الفحص الطبي أثبت  بأن الغلام  البغدادي سبق اللواط معه من قبل ... ؛  وقد أستآءت الحكومة الألمانية في هذه القضية ضد هذا الشاب فقامت بتعيين  الشاب الالماني ريتشارز قنصلا لها ببغداد للبرهنة من إن ريتشارز بريء من هذه التهمة ...  وكان بذلك أول قنصل لألمانيا في بغداد(8) ؛ ولعل صدفة خير من الف ميعاد فلولا لواط الالماني بالغلام البغدادي المسيحي لما فتحت المانيا قنصليتها في بغداد ...!!  .

وقد اشترى الوالي العثماني حسن  فتيان من بلاد الكرج وقفقاسيا  - بلاد القفقاس  - ودربهم (كمماليك ) ،في  مدرسة  ببغداد اقامها لهذا الغرض وعلمهم فنون القتال وتعاليم الدين الاسلامي ، بلغ عددهم  في البدء الى (200 ) تقلدوا مناصب ادارية وعسكرية حتى اصبحوا بالتدريج قوة مهمة فاقت قوة الانكشارية وعرف المماليك  بالتركية  : ( كوله مند) ؛ ولا غرو في ذلك ولا عجب فهم في الليل عرائس وفي الصبح فوارس – مقولة شهيرة تكشف لنا حقيقة هؤلاء - .

واستلم الحكم بعد الوالي حسن ابنه الوالي العثماني  المملوكي احمد باشا عام 1723 م  وقيل 1724م , واستمر في نفس المنوال وسار على نهج ابيه في جلب الفتيان والصبيان والاطفال ... , حيث سار أحمد على خطى والده في توطيد نظام المماليك في العراق والاعتماد عليهم في الحكم وإخضاع العشائر الثائرة، ولا سيما أنّ أحمد باشا كان مُدركًا للدواعي التي كانت تثيرها العشائر العراقية  للسلطة العثمانيّة الحاكمة  ؛ واستمر حكمه حتى عام 1747 م ... و استبدل أحمد باشا بـ إسماعيل باشا والي طرابزون عام 1747 ... , ومنح أحمد ولاية حلب بدلا عن  بغداد ، فرفضها، وطلب استبدالها بولاية الرها (أورفة حاليا) ، فتمت الموافقة على طلبه، وخرج على الفور لتسلمها ... ؛  وبهذا تم تهيئة الارضية لاستلام المماليك  المأبونين لمقاليد السلطة في العراق والتحكم بالعراقيين ...!! .

أما أهالي بغداد، فوفقا لشهادة المؤرخ  عباس العزاوي، صاروا :  (( ... يتحسرون على أيام أحمد باشا، ويحسبون أنها لا تعود إليهم مرة أخرى ,  ويئسوا من صلاح الحالة ، حيث اختل النظام داخلا وخارجا وفقد الأمن وتشوشت الأمور بحيث استحالت السيطرة على الإدارة ,  وأحال الوالي الجديد إسماعيل باشا الأمر في خارج بغداد إلى رؤساء العشائر وليس لهم تلك الكفاءة والقدرة... ؛  فاضطربت الإدارة في أيامه واستغاث الأهلون منه ونقموا عليه، بينما عاد الإنكشارية إلى العيث في بغداد وكانوا ألوفا متعددة )) . وينقل العزاوي عن تاريخ  كتاب تاريخي قديم اسمه (الحديقة) القول : ((  أخبرنا الكهول أن الإنكشارية كان بأيديهم حكم البلد في أيام الولاة الأول لا يقدرون على إذلالهم غير الوزير أحمد باشا وأبيه حسن باشا )) (9) ... ؛ وكما مر عليكم ان حال الانكشارية ليس بأفضل من حال المماليك  فهما رضيعا لبان . 

وبعد ان هاجم الانكشاريون مبنى السراي الحكومي العثماني وضربوه بوابل من القنابل ، واستمر التمرد من قبل هؤلاء والثورة من قبل الاهالي لعدة ايام ... ؛ هرب الوالي العثماني من بغداد كعادتهم ... ؛  فاضطرت الدولة العثمانية آنذاك إلى تعيين العبد المملوك سليمان باشا  الجورجي واليا مكانه ... فهو من ضمن الصبيان الذين جلبهم الوالي حسن باشا  وابنه احمد باشا  من اسواق تفليس الجورجية وغيرها وكانت اسواق تفليس زاخرة بالصبيان والغلمان المعروضين للبيع ؛ بل ان الوالي حسن باشا اسس دائرة خاصة بهم كما مر عليكم اسمها : ( إيج دائرة سي )  أي دائرة الداخل ومهمتها هي الإشراف على شراء المماليك من تلك البلاد وتدريبهم ... ؛ وتعود أصولهم إلى عدة مناطق من آسيا الوسطى  - (جورجيا ومن بلاد الشركس وداغستان وبلاد جبال القوقاز الأخرى) – بالإضافة الى اوربا كما مر انفا . 

واستمر حكم المماليك للعراق 82 عام تقريبا وهي نفس المدة التي حكمت بها رجالات الفئة الهجينة العراق المعاصر ( 1921- 2003 ) ... ؛ اذ ابتدأ عهدهم بولاية سليمان باشا الكبير المكنى بأبي ليلة في سنة 1749م، وانتهى بعزل داود باشا من منصب والي بغداد سنة 1831م ... . 

وقد كان مماليك العراق يشبهون نظرائهم من مماليك مصر من حيث الأصل والمنشأ ، وقد تميز عهد المماليك في العراق عما قبله من العهود بشدة التنافس والتنازع على الحكم ... ,  حيث كان الولاة قبل عهد المماليك يتم تعيين أحدهم بفرمان يصدره السلطان العثماني من الباب العالي في إسطنبول ، أما في عهد المماليك فقد تغير الحال إذ أصبح الفرمان السلطاني قليل الأثر في تعيين الولاة ، وفي بعض الأحيان لم يكن له أي أثر على الأطلاق ، إذ كان التنازع بين المماليك يعتبر صاحب التأثير الأكبر في تعيين أي والي ، فأي مملوك يستطيع أن ينال منصب والي بغداد أو الوزارة كما كانوا يسمونها بالقوة إثر التغلب على بقية منافسيه من المماليك يجتمع حوله أعيان بغداد وعلماؤها ثم يكتبون عريضة إلى السلطان العثماني يسترحمون منه أن يصدر فرمانه بمنح الوزارة أو الولاية إلى المملوك الغالب...؛ و قد كانت نهاية  سبعة من حكام بغداد المماليك  القتل نتيجة للصراعات فيما بينهم ,  وبرزت ظاهرة حرب المحلات : ففي عهد المماليك جرت العادة على أنه حين ينشب نزاع ما بين فريقين منهم على الحكم تنتقل عدوى النزاع إلى سكان بغداد... ,  فكل فريق من المماليك كان يستنجد عند حصول النزاع بحلفائه من رؤساء المحلات البغدادية... ,  ويرجع سبب انتقال حمى النزاع ما بين المماليك إلى محلات بغداد واصطفاف كل محلة خلف أحد الفريقين المتصارعين إلى أن المماليك أنفسهم نشأوا منذ طفولتهم في محلات بغداد... ؛  وبذلك كانوا يختلفون عمن سبقهم من الولاة العثمانيين في أن المماليك كانوا يعتبرون أنفسهم من سكان بغداد بحكم نشأتهم فيها...؛  بل ويعتبرهم البغداديون كذلك – نسبة منهم لعلها تمثل الاغلبية او الاقلية لا اعلم على وجه التحديد - ؛ ولا عجب في ذلك  فبغداد منذ تأسيسها والى هذه اللحظة تعتبر مدينة الغرباء والدخلاء والاجانب والوافدين والمهاجرين والزائرين والسائحين ... الخ ؛ بالإضافة الى سكان العراق القدامى والاصلاء ... ؛ وهي بذلك مؤهلة اكثر من غيرها لتكون مدينة عالمية بمعنى الكلمة . 

 وبلغت دولة المماليك في العراق أوج قوتها في عهد سليمان باشا الكبير والذي دام حكمه 22 عامًا ما بين عام 1780 إلى عام 1802 .  

ونرجع الان لإكمال سيرة الشيخ محمد سعيد ؛ فعندما داهم الطاعون بغداد سنة 1772م،  هرب مع اخيه من بغداد , ونزحا الى  الحلة، فالبصرة، وحينما أدرك الوباء تلك المدن أيضاً، تركها متوجها إلى  مدينة الكويت التابعة لولاية البصرة - وهي  بلدة القرين كما يسميها - ، حيث استقبله، وأخاه، أهلها استقبالا يليق  بهما باعتبارها من المدن العراقية الواقعة تحت سيرة ونفوذ رجالات الدولة العثمانية ورجال الدين فيها ... ؛ ولما انتهى الطاعون عاد الأخوان إلى البصرة ، وإذا بأخيه يُصدع بأمر من والي بغداد بتولي منصبي الإفتاء والقضاء فيها ، فاضطر لقبول هذا التكليف مرغماً – كما يدعي - ، أما محمد سعيد فقد لزم أخاه ولبث في البصرة هو أيضاً، ولا ندري ماذا كان يفعل في هذه الأثناء إلا أن مرضاً ألم به جعله يكره الإقامة فيها (5) – كما ادعى البعض - ؛ ولو اني اكاد اجزم بان هذه المرض هو مرض الطائفية الخبيث والعنصرية الخطير التي يعاني منه امثال الشيخ محمد سعيد ؛ فهو لم يستطع العيش وسط اجواء البصرة الجنوبية الشيعية الاصيلة وضاق بها وباهلها ذرعا فأضطر الى مغادرتها ... ؛ وكره هؤلاء الدخلاء والغرباء للعراق والعراقيين الاصلاء امر مفروغ منه  ومسلم به ؛ فها هو المجرم ( محروق اللشة ) عبد السلام عارف يعزف عن زيارة دائرة حكومية في عهده لان اغلب موظفيها من الشيعة ... ؛ وكذلك مسعود البارزاني الكردي  – والمولود في مهاباد الايرانية – يكره رؤية وزيارة بغداد كما صرح بذلك بريمر في مذكراته  ... . 

وعاد محمد سعيد إلى بغداد ليجدها على غير الصورة التي ألفها عليها، حيث كانت المدينة قد تخرَّبت بسبب فداحة الوباء ، وموت أكثر السكان أو فرارهم، حتى أنه يقول :  (( لم يوجد من مائة منهم شخص بل أقل، والأسواق خربة تأوي إليها الكلاب، وما في هذه البلدة العامرة إلاّ سوق واحد بيع التركات، هذا مع أنه قد جاءها ناسٌ من كل طَرَف )) (5) . 

وضاق محمد سعيد بالجو الخانق الذي كانت عليه بغداد عهد ذاك ، فغادرها لأداء فريضة الحج ، في قافلة كبيرة، سنة 1774م ، إلا أن سوء طالعه – ولعله  سريرته  ايضا  - قضى بأن تقع القافلة ، وهي قريبة من مدينة تدمر الأثرية ، في أيدي قطاع الطرق، فيسلبون من كان فيها سلباً مهولاً ، ومنهم  صاحبنا الطائفي الهجين محمد سعيد ... ؛  ويضطر  لمصاحبة اللصوص إلى تدمر ومن هناك وجد طريقه إلى حلب ، ولأسباب لا نعرفها، فإنه لم يرجع إلى العراق ، وإنما فضّل أن يقيم في حلب، فلبث فيها نحو سبعة أشهر ، تزوج في أثنائها من إحدى بنات بيوتاتها... ؛  ثم أنه غادر مع زوجته إلى دمشق، فدخلها في منتصف ذي الحجة سنة 1189هـ/1775م، وأقام فيها شهراً كاملاً ، ثم سافر إلى صيدا ، وعاد منها إلى دمشق ثانية ، ومنها سافر إلى الحج ، وجاور هناك ، وبعدها سافر إلى جدة ، حيث لبث فيها ثمانية أيام ، وركب البحر منها إلى مدينة السويس ، ومكث فيها أربعين يوماً ، ومنها سافر إلى القاهرة فبقي فيها شهرين ، وسافر بعدها إلى يافا ، ثم إلى القدس ، حيث أقام ثلاثين يوماً ، ومنها انتقل إلى نابلس ، وأقام فيها أياماً ، ثم رجع إلى دمشق فلبث فيها حتى أوائل رجب من العام التالي ، ثم سافر عائداً إلى بغداد ، فدخلها في الثاني من رمضان من ذلك العام .

و لم يفصح صاحبنا محمد سعيد  عن سبب اقامته الطويلة في حلب ومدن الشام الأخرى ومصر ، وعدم عودته إلى العراق ، فإننا نرجح أنه فعل ذلك  هروبا من اجواء بغداد البائسة وقتذاك  لا كما ادعى البعض : ( لعزمه أن لا يرجع إلا بعد ادائه المناسك ... ) (5)  فهؤلاء العراق بالنسبة لهم مجرد بقرة حلوب يهربون منه عند الشدائد والازمات وفي النهب والسرقة والامتيازات يرجعون اليه ؛ فهو محطة استراحة وعمل وعمالة  بالنسبة لهم لا وطن ... فهذه التربة لا علاقة لهم بها لانهم اجانب وغرباء ودخلاء ... ؛ وكذلك  نحن لا نعلم بمصير الزوجة التي تزوجها في حلب ... ؛ إن كانت قد صحبته في عودته إلى بغداد ، أو أنها فضلت الإقامة في وطنها حلب ... ؛ ومر عليكم في الحلقات السابقة ان هؤلاء مجرد مرتزقة للعثمانيين وهم في حل وترحال دائم كالغجر ... ؛ وطالما تركوا زوجاتهم وراء ظهورهم ورحلوا عنهن . 

وفي المرة الثانية، غادر محمد سعيد بغداد سنة 1202هـ/ 1787م  قاصداً الحج ايضا ، فدخل حلب، ثم دمشق، وكان ذلك في غرة رجب من ذلك العام ، ونزل في ضيافة صديقه الشيخ مفتي الشام المؤرخ محمد خليل المرادي (المتوفى سنة 1206هـ/1791م) ، حيث قضى لديه أياماً هانئة رَخيّة ... ؛  وفي تلك الأيام قام  بتشجيع من المرادي بتأليف كتاب : (ورود حديقة الوزراء بورود وزارة مواليهم في الزوراء عن تاريخ بغداد من سنة 1161 إلى 1202ه‍ ( 1748-1787م) ) ... ؛  وبلغ من إعجابه بصديقه  - او بالاحرى تملقه للدمشقي - المؤرخ الكبير أن نَسَب نفسه إليه وإلى مدينته حباً وولاءً ، فقال في آخر كتابه أنه :  "البغدادي ثم الدمشقي ثم المُرادي" ... ؛ لهؤلاء القوم قدرة عجيبة في تغيير الالقاب والعناوين وادعاء الصفات والكفاءات ؛ فهم كالحرباء تغير جلدها بين الحين والاخر . 

وانحدر من دمشق إلى مصر ليلتقي بعلمائها وذلك في 10 ذي الحجة من سنة 1204هـ/ 1789  م ... , وعاد محمد سعيد إلى بغداد بعد سنتين قضاهما في سفر وإقامة وترحال ، وكان عمره قد تجاوز الستين عاماً ، فاستقر في بيته حتى وفاته ... ؛ وذكروا أن وفاته جرت في سنة 1203هـ/1788م ، مع أنه لم يكن إذ ذاك في بغداد ، لأن تاريخ تأليفه لكتاب (ورود حديقة الوزراء بورود وزارة مواليهم في الزوراء عن تاريخ بغداد من سنة 1161 إلى 1202ه‍ ( 1748-1787م) )  هو في سنة 1204هـ/1789م ، وكان يومها في دمشق ، وأن تاريخ إجازة الزبيدي له في القاهرة كانت في هذه السنة ، ولا ندري تاريخ عودته إلى  بغداد بعد هذا التاريخ على وجه التحديد ، وثمة رواية تحدد وفاته في سنة 1213هـ/1798م ، وأخرى تقول أنها حدثت سنة 1223هـ/1808م ، ... ؛ وقد توفى وهو في داره في بغداد ؛ ودفن في مقبرة الكرخي , حيث يسكن بالقرب منها ... ؛ وقال فيه الالوسي : انه كان ( سلفي العقيدة ) ؛ مع ان من مؤلفاته كتابا في الطريقة النقشبندية ، ويظهر أن الآلوسي استند في رأيه على حفظه للحديث النبوي  ، وإنه "كان محدثاً عالماً متقناً، متفنناً فيه"  ... ، هذا مع أن كثيراً من معاصريه من رجال الدين  كان يجمع بين كونه محدثاً وبين إعجابه بالطريقة النقشبندية دون غيرها من الطرق ، وذلك لأن هذه الطريقة ، كما جدد قواعدها الشيخ خالد النقشبندي المعاصر له (توفي سنة 1242هـ/1728م) ، كانت تؤكد على أتباعها ضرورة دراسة العلوم الشرعية ، ومنها الحديث بوجه خاص، وقد انتمى إليها الكثير من العلماء لقدرتها على الجمع بين (جناحي الشريعة والطريقة) كما قيل . (5) 

(3) 

ابراهيم بن عبدالله السويدي  : هو أبو الفتوح إبراهيم بن الشيخ عبد الله السويدي أخو الشيخ المتقدم ذكره ولد في بغداد سنة ١١٤٦هـ - ١٧٣٣م واخذ العلم عن والده وعن الشيخ فصيح الهندي وغيره ...؛ وسافر إلى بلاد الهند وجعلها دار أقامته إلى أن توفي فيها وله من الكتب كتاب البدائع في الأدب ورسائل في الحديث... (10) ؛ ولا نعلم ما هو السبب الذي دعاه الى ترك بغداد والهجرة الى بلاد الهند البعيدة ؛ ان تحركات القوم مشبوهة وارتباطاتهم بالتربة العراقية واهية للغاية .  ..................................................................................................................

  • 1-جهود علماء العراق في الردّ على الشيعة  / عبد العزيز بن صالح .
  • 2-معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002/  كامل سلمان الجبوري (2003) بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية. ص 188. وكذلك : مجلة لغة العرب  / الكرملي . 
  • 3-تحفة الزمن بترتيب تراجم أعلام الأدب والفن / ادهم الجندي .
  • 4-خير الزاد في تاريخ مساجد وجوامع بغداد  / تأليف السيد محمد سعيد الراوي - تحقيق الدكتور عماد عبد السلام رؤوف - بغداد 1427هـ/2006م -  / ص 402، 403.
  • 5-ورود حديقة الوزراء مصدرا لتاريخ الكرد في القرن الثامن عشر/ تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف .
  • 6-المسك الأذفر / محمود شكري الآلوسي  . و مرتضى الزبيدي، المعجم المختص، دار البشائر الاسلامية، بيروت، 2006م، ص748. و محمد سعيد بن عبدالله السويدي، ورود حديقة الوزراء بورود وزارة مواليهم في الزوراء ، تحقيق : الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 1912م، ص18-20. و  تاريخ مساجد بغداد وآثارها . و الجوهر العفيف في معرفة النسب النبوي الشريف، دار الكتب العلمية، بيروت، ص432-433. و إسماعيل باشا البغدادي، هدية العارفين، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص 165 / ج2، ص312  . و مجلة لغة العرب، مج2، ج8، السنة2، ربيع الأول سنة1331/شباط 1913، ص325-329. و تاريخ الأدب العربي في العراق / عباس العزاوي .
  • 7-لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث /  الجزء الأول / علي الوردي  . و موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين  / الجزء السادس /  عباس العزاوي . و أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث /  ستيفن همسلي لونكريك /  ترجمة جعفر الخياط . وتاريخ المماليك في بغداد /  سليمان فائق / ترجمة محمد نجيب أرمنازي . و كتاب (دواد باشا والي بغداد)  / عبد العزيز سليمان نوار 
  • 8-لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث /  ج 2 / ص 65 / علي الوردي . و بيير دي فوصيل. الحياة في العراق 1814 – 1914 / ص 155 و ص 156 .
  • 9-حكاية أحمد بن حسن المملوك «1».. دافع عن بغداد فكافأه العثمانيون بالعزل/ خالد ابو هريرة .
  • 10= مجلة لغة العرب / مجلد 2 / ص 381 .