ما الذي يمكن أن يحدث أثناء أو بعد أن تقرأ نص، قصيدة، بيت شعر، كتاب أو حتى إقتباس؟
ما الذي يمكن أن يفعله الكاتب بالقارئ من خلال الكلمة؟
وحينما أتحدث هنا عن الكاتب، فأنا أتحدث عن الكاتب الحقيقي. الكاتب القادر على تصوير الفكرة بذهنك. الكاتب الذي يجعلك تشعر بأنك ذكي. الذي لا يجعلك تشعر بالملل معه حتى وإن كان حديثه طويلاً!
هناك من يكتب لك الفكرة بطريقة مدهشة، تفهم تماماً ما يريد قوله، قد يعجبك ما يقوله لكن لا تتجاوز أبداً حدود نصه وكلماته المكتوبة وهذا جيّد!
هناك من هم أعلى درجة، الكاتب القادر على إثارة فضولك. الكاتب الذي يجعلك تفكر بالهامش، بمن يقف خلف النص، وما الذي يمكن أن يكون أمامه. الكاتب الذي يكتب لك نصاً كاملاً إلا أنك تشعر أن هذا النص قطع بزل غير مكتملة تبحث أنت عن البقية! تفرد نصه في عقلك وقلبك. تصنع من خيالك قصصاً قد تكون له أساساً، وتستطيع أيضاً أن تبني عليه قصصاً وأفكاراً أُخرى.
الكاتب الذي يدلك على كل شئ، ولكن لا يقول لك كل شئ.
وهذا ممتاز!
النوع الأخير وهو نادر جداً، الكاتب الذي يكتب بصدق وشفافية تأخذك إليه. تتجاوز الكلمة وفكرة النص. تتجاوز الهامش وما يقف خلف النص وما يأتي بعده. تتجاوز هذا كله وتصل إليه!
يأخذك دون أن يشعر -رُبّما- إليه!
قد تترك كل شئ خلفك، لتبحث عن سره! سر صدقه!
تود أن تمشي على أثره! تزور أماكنه! تجرب مقعده في المقهى، ومكانه المفضل في الحديقة! تدور عيناك حول هذا كله، تفتش عن أثر عينيه، وعن الأماكن التي إلتقط منها الفكرة! تود أن تلتقيه، تسمع منه أكثر، وتفتش بين قسمات وجهه ونبرة صوته عن نصوص وكلمات أخرى!
شئ يشبه ما حدث لمعلم اللغات القديمة - ريموند جريجوريوس - في فيلم قطار المساء إلى لشبونة.
حينما وقع الكتاب الوحيد للطبيب الأديب - أماديو دو برادو- في يديه عن طريق الصدفة، و وقع في يديه أيضاً تذكرة لقطار الليل المتجه إلى لشبونة -بلد الكاتب-.
بدأ المعلم بقراءة الكتاب، والذي كان عبارة عن مقتطفات من أفكار الطبيب أماديو. بدأ بالقراءة، وترك الفصل ولم يكمل درسه، خرج من المدرسة، واتجه إلى القطار إلى لشبونة.
لم يخطط للرحلة، ولم يكن بحوزته شيئاً، ولا يعرف عن الكاتب شيئاً غير هذا الكتاب!
وهُناك في لشبونة، بدأ البحث وأكمل القراءة. ليكتشف أن هذه الرحلة تستحق أن يتخلى من أجلها عن كل شئ. وأن هذا الكاتب كان يُخفي حياة عظيمة في الظل.
لم يكن الكتاب فقط، كانت الكلمات، الرحلة، القصص التي قرأها المعلم من أصدقاء الكاتب كاملة، كل هذه كانت كفيلة بأن تقلب حياة المعلم رأساً على عقب. كفيلة بأن تُخرجه من دائرة الملل والروتين إلى حياة الإكتشاف والشغف والحب!
هل يدرك الكاتب كل هذا؟!
قطار المساء إلى لشبونة وعوالم أُخرى
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين