ومن اجود ما انشده الشاعر أبو علي الحسين بن الضحاك الباهلي البصري العراقي في هجر المعشوق  : 

بعضي بنار الهجر مات حريقا  ××× والبعض أضحى بالدموع غريقا

لم يشكُ عشقاً عاشقٌ فسمعته ××× إلا ظننتك ذلك المعشوقا

الشعر عالم اخر يأخذك اليه الشاعر من خلال الصور الشعرية ؛ وصدق  حكيم العراق  الامام علي عندما  قال : ((الكلمة  إذا خرجت من القلب وقعت في القلب , وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان )) اذ ان جمال الشعر لا يكمن في ألفاظه وموسيقاه وصوره ولكنه يكمن قبل كل شيء في القلب البشري ..., و القلب مستودع احاسيس ومشاعر الشاعر ؛  لذا قالوا : المعنى في قلب الشاعر . 

وبما ان  هذه  الابيات الشعرية تتكلم عن حالة وجدانية من حالات العاشق العاطفية ؛ لابد لنا من بيان الفرق بين الحب والعشق ؛ اذ يُعرّف الحبّ بأنّه ميل قلبٍ إلى قلبٍ آخر ، أو تعلّق قلبٍ بقلبٍ آخر، ويكون ذلك باجتماع مشاعر قوية داخلية لشخصٍ ما، والحبّ علمياً : يكون بإفراز المخ لهرمون التستوستيرون ليندمج مع هرومونات الجسد بطريقةٍ معقدةٍ، لا تستوعبها عقولُ العلماء، وهذا الهرمون يزداد إفرازه كلّما زاد حبّ الشيء . (1) 

و يُمكن تعريف العشق بأنّه تعلّق القلب بالشيء وحبّه حبًا شديدًا، وهو أعلى مرتبة من الحبّ ومرحلة متقدّمة منه، (٢ ) فالحبّ يمرّ بعدّة مراحل وهي: الهوى، ثمّ الصبوة، ثمّ الشغف، ثمّ الوجد، ثمّ الكلف لنصل إلى العشق،(٣) والعشق هو عمى الحسّ عن إدراك عيوب المحبوب هو قوةٍ غريزية، تسري من دونِ تدخل العقل، فيعطي شعوراً بالانجذاب نحوَ شخصٍ ما، لتولّد رغبةً قويةً لا يوقفها أحد.

وللعشق علامات ومنها : إدمانُ النظرِ إلى المحبوب وتتبع اثاره , وبذل  كل الجهد لأجل ارضاءه , والشعور بمشاعر الفرح والدهشة عند سماع ذكر المحبوب او رؤيته , والاهتمام بأدق تفاصيل الحبيب , بل الانقياد المطلق للمعشوق  ... , وقد رسم الشاعر الضحاك صورة وجدانية في غاية الروعة والصدق عن حالة العاشق عندما يهجره الحبيب , فالشعر رسم ناطق – بالكلمات - , وقد كشفت لنا هذه الصورة الشعرية الرائعة عن صاحب الابيات وما يعتلج في صدره من مشاعر و ما يدور في خلده من  هموم العشق والوجد , وهذه الصورة  الفريدة  تدل على صاحبها، ولا تدل على أحد سواه ؛ لأنها تعبر عن تجربة شخصية عاشها الشاعر بكل احاسيسه المرهفة ومشاعره الصادقة ... ؛ ومن المعروف ان من مصاديق ميتة السوء في التراث العراقي والعربي والاسلامي الموت حرقا وغرقا ؛ والشاعر هنا يصف حالته وانه بسبب هجر الحبيب ؛ قد مات بعضه حرقا بينما مات الجزء الاخر منه غرقا ولكن ليس بمياه البحر بل بدموع المقل ... ؛ وله الحق في ذلك ؛ وذلك لان دواء العشق الوصال والاتصال واما الهجر فهو داء لا دواء له ... ؛ بل وصل الحال بشاعرنا الضحاك انه ما ان يسمع عاشق يشكو العشق وهجر المعشوق الا وتبادر الى ذهن صاحبنا معشوقه وحبيبه ؛ فمن شدة الوله والعشق وشرود الذهن والتفكير المستمر بالمعشوق ؛ تخيل ان شكوى العشاق تعني معشوقه لا غير ؛  فما من عاشق ذكر حبيبه الا وانصرف ذهن شاعرنا الى معشوقه  . 

......................................................................................................

 love", merriam-webster, Retrieved 17/7/2022. Edited-1.

 2^ أ ب "Why Adoration Is Essential for the Soul and Body",, Retrieved 17/7/2022. Edited- ↑ ascensionpress .

3-"مراتب المحبَّة"، الدرر، اطّلع عليه بتاريخ 17/7/2022. بتصرّف.