الأوطان منقوشة على جبين الرجال ، هكذا بدت صورته ، وقد لفحته الغربة والتعب حتى بدت عيناه ذابلتين كشمس غاربة ، جبينه مطوية حلم لم يصل ، وابتسامته شاحبة كطيف ، ما الذي تفعله الحروب بقلوبهم ! .. إنها تؤرخ الحب كجرح غائر في الأعماق ، قال وهو يكتم الزفرات : سنعود إلى حينا .. ثم تفجر الوطن في عينيه كمشهد ، المدينة والحي والمنازل ، الرصيف والأطفال وبائع الخضار ، التل والوادي والشجر ، كيف لكل تلك الأشياء مجتمعة أن تخلد في الروح !

بدت شاردة وهو يحدثها عن وطنه ، تسأل نفسها : ماذا لو أنني أنجبته ثم صار بطلاً فكنت انا الوطن الذي يبرق في عينيه !

كان صوته دافئاَ أو هكذا أراده أن يكون ، دافئاً كي يحتضن كل من يستمع إليه ، كان يجيد إنتقاء مفرداته لتبدو كأم حنون ، كانت الحروف سلسة على لسانه كنهر الفرات ، كم يجيدون الحب حين يتحدثون عن أوطانهم ، الطفلة التي بين يديه بدت تشاركه الرأي ، كانت مندهشة من الإضاءة والكميرات لكنها بدت سعيدة وهادئة فهي لم تستشعر فقد الوطن بينما يحتضنها صوته كل ليلة ، شعرتُ بالحنين لكل أشيائي القديمة والجديدة ، شعرت بالأمتنان لأني أحسست بكل وجعه ، إنسانيتي بخير وأنا بخير وأبدي تعاطفاً جيداً .

أحبّته منذ كلماته الأولى ،  شِعره فاتناً وإلقاؤه عبقرياً ، إنه مجنون لا يبالي برتق القلوب بقدر قدرته على ذلك .

إلى كل الجنود الذين يرابطون على حدود قلوبنا ، دماؤنا تغذي نبضكم ، فأطعمونا المزيد من القصائد ، أنتم سماؤنا التي تحتضن قبلاتنا كل ليلة ، فتطير إليكم كشهب دافقة بالحب ، ليعطيكم الله المزيد من الصفحات لتكتبوا لنا ما يجعل من أحلامنا أشرعة لسفن ترسوا في موانئكم .