من اروع ما تفوه به الزعيم الروحي الدالاي لاما ؛ قوله الشهير : (( السلام لا يعني غياب الصراعات , فالاختلاف سيستمر دائما في الوجود .. السلام يعني أن نحل هذه الاختلافات بوسائل سلمية عن طريق الحوار , التعليم , المعرفة , والطرق الإنسانية )) . 

الاختلاف بين الناس هو سنة في هذه الحياة ، وطبيعة متأصلة من طبائع الانسان ؛  فمن غير الوارد إطلاقا أن يجد المرء تطابق بين الخلق تام ، في كل الجوانب ، بل إن الأمر يتعدى ذلك ليصل إلى اعتبار الاختلاف ضرورة من ضرورات الحياة والدنيا ، ذلك أن هذا الاختلاف هو نوع من أنواع التكامل و جزء من الحكمة :  ( من خلق الناس شُعُوبًا وقبائل)  ؛ وقد اشرت هذه الآية القرآنية الاتية - وفقا لبعض التفاسير ان الارادة الالهية ارادت ذلك الامر - : ((   ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ))  ، ولا ينكر عاقل أنه لولا هذا الاختلاف بين البشر ، لكان كل شخص استغنى بنفسه عن الكون ومن فيه على الأقل من الناحية النفسية والروحية والعاطفية ... ؛ فما حاجة الفرد لنسخة أخرى منه ؟! ، وما كان هناك عمار في الأرض ، ولا حياة تخلق التفاعل بين الجميع ، ومن مظاهر الاختلاف بين الناس مظاهر شكلية ومظاهر فكرية ، ومظاهر نوعية ، ولكل مظهر من هذه المظاهر في الاختلاف دور في حياة البشر ، ووظيفة ، و تنوع ... ؛ لذلك قيل : ((  لولا  اختلاف الأذواق لبارت السلع )) فاختلاف أذواق العملاء والاشخاص  و اهتماماتهم هو ما يمنح الشركات  والشخصيات التجارية والصناعية ... الخ ؛ القدرة على الإبداع  وتنوع الانتاج , ويعطي مساحة للمنافسة  بينها ؛ وبالتالي تنوع السلع والبضائع  واقبال الناس عليها وذلك لاختلافهم في الاذواق والدوافع النفسية  ... ؛  فترى الشيء المحبوب عند هذا لم يكن محبوبا عند الآخرين ، والمرغوب عند الآخر لم يرغب فيه بعضهم ... وهكذا . 

 ان مفهوم الاختلاف قد  يتسع ليشمل ليس فقط الاختلاف في اللون، أو في الطول، أو في الشكل، او في الوزن ... ؛ او الذوق , او الطبع , او المزاج  على سبيل المثال، وإنما يمتد ليشمل الاختلاف في الرؤوس ، وبالتالي في محتوى ومضمون هذه الرؤوس، وفيما يجوز أن تحمله في داخلها من عقول وما تحمله تلك العقول من افكار ورؤى  ... الخ  ؛  وقد يختلف الناس فيما بينهم اختلاف كبير في التفكير ، لا يكاد يتطابق شخصين على وجه الأرض في التفكير ،و أكثر ما يمكن أن يحدث بين فردين في تفكيرهم هو تشابه في بعض الأفكار ، او التقاء في بعض الأفكار أو التفاهم على بعض الأفكار... ؛  أما التطابق فهو محال ، وذلك الاختلاف يعد هو دور الاختلاف في اثراء الفكر  ، ولولا هذا الاختلاف في الفكر لكان عاش البشر في جمود فكري ، و افتقر العالم للثراء الفكري ، وأصبحت الحياة اتجاه واحد بلا طعم أو معنى يشغل التفكير ويؤسس للتنوع ، وينتج إبداع بشري في شتى المجالات... ؛ ولولا مرونة هذا الاختلاف لما كانت ظهرت العلوم والفنون ، وكاد أن يصبح العالم جاف ، جامد لا روح فيه ولا إبداع، ولا هوية مختلفة لكل شخص ، تحددها الشخصية والأفكار والميول التي يعبر عنها في شتى المجالات ، ولا يمكن للعقل أن يتصور كيف كان الحال لو كان كل خلق الله من البشر متطابقين في التفكير. 

وما من اختلاف او خلاف او صراع في أي مجال من المجالات الحياتية المختلفة ؛ الا وممكن التوصل فيه الى نتائج ايجابية ؛ من خلال اساسيات وتقنيات الحوار والتفاهم والتعليم والمعرفة ؛ والروح الانسانية الواعية والتي تقدر التداعيات السلبية والاثار المدمرة والناتجة عن الصراعات العنيفة والحروب . 

وكل المحاولات الحكومية  والتجارب الايدلوجية السياسية المركزية  والتي اراد فيها الحكام والاحزاب والطغاة ؛ ان يصنعوا من الجماعات والشعوب والامم ؛ انسانا واحدا وشخصا فاردا ؛ أي ان يفكر الكل بنفس الطريقة ويتصرف الجميع بنفس الاسلوب ؛ ويمشوا بنفس الخطى , ويسيروا بذات الاتجاه , ... ؛ باءت بالفشل الذريع , ولم يكن لها نصيب من النجاح ؛ وكل الذين تخيلوا نجاح الامر قد خانهم التقدير لانهم خالفوا سنة من سنن الكون والطبيعة الا وهي طبيعة الاختلاف بين البشر . 

نعم قد يتحول الاختلاف والصراع الى حالة خطيرة ؛ اذ ادى الى التناحر , والتقاتل , والايذاء , ... ؛ وهذا النوع من الاختلاف لا يقبل فرد فيه اختلاف غيره معه فيؤدي إلى التعصب المذموم والصراع المبغوض ؛ فهذا النوع يؤدي الى التنازع والخصام ، والبغضاء بين النفوس ، والمقاطعة والتدابر بين الناس , وقد يصل الناس الى حالة الحرب والقتال بل والاعمال الارهابية والاغتيالات  وإرهاب الناس بعضهم بعض ...  ، ومثال ذلك  : اختلاف بعض الاحزاب والشخصيات السياسية  الطائفية والعنصرية والمنكوسة في العراق  ... ؛ وعليه قد يكون  ارتفاع الاصوات  بين المتخاصمين والمختلفين في الراي  ؛  وربما التشابك بالأيدي و الاحتكاك و التصادم  بين الطرفين  ؛ نتيجة حتمية في بعض الاحيان ... ؛  و تنبع معظم الصراعات من عدم التسامح  والتعصب والانغلاق والتقوقع على الذات ؛ والذي يأتي في معظم الأحيان من الجهل والعقد والامراض النفسية والتربية الاجتماعية والتنشئة الثقافية الخاطئة .