ومما قاله السياسي اللبناني كمال جنبلاط الدرزي : (( إذا خُير أحدكم بين حزبه وضميره، فعليه أن يترك حزبه وأن يتبع ضميره، لأنّ الإنسان يمكن أن يعيش بلا حزب، لكنه لا يستطيع أن يحيا بلا ضمير )) .
الضمير الحي أو يقظة الضمير أو الوجدان – ( او الحظ والبخت كما يقول العراقيون ) – ... , ما شئت فعبر ؛ إحدى سمات الشخصية النبيلة والمحترمة , ويُعتبر الضمير مقياس ومعيار اخلاقي على ضوئه نميز بين الحق والباطل والحسن والقبيح والزين والشين ... ؛ لذلك جاء في الاثر المنسوب للنبي محمد قوله : ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ )) ؛ أي : اترك ما تشك في كونه حسنا أو قبيحا ، أو حقا أو باطلا – الريبة من الرَّيْبُ : بِمَعْنَى الْقَلَقِ وَالِاضْطِرَابِ - ... ؛ ( إلى ما لا يريبك ) أي : واعدل إلى ما لا شك فيه - بَلْ تَسْكُنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَيَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ - ، يعني ما تيقنت حسنه و احقيته ... ، و بالمختصر المفيد ؛ معناه : إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء ، فاتركه ، فإن ضمير الانسان ووجدانه دليله الى الخير والحق ... ؛ وارتيابك من الشيء منبئ عن كونه مظنة للباطل والشر والقبح ، فاحذره ... ؛ وضمير الانسان : هو دليله للطريق الصحيح في الدنيا ، فالإنسان بدون ضمير ؛ يعد إنسان ميت بل عديم الشرف والانسانية وصدق من قال :
ليس من مات فاستراح بميْتٍ ××× إنما الميْتُ ميِّتُ الأحياء
و المعنى أن الذي لفظ أنفاسه ورحل عن العالم واستراح من الحياة الدنيا لا يعتبر ميْتًا، فالميْت حقًا هو ذلك الذي يعيش بين الناس مجرما ومخربا و سلبيا و باطلا و عاطلا بلا ضمير ولا وجدان وخاليا من المشاعر والاحاسيس الانسانية ، فلا أثر له في فعل الخير ولا فعالية ايجابية له في الحياة ... ؛ أو كأنه غير كائن ، فوجوده وعدمه سيّان... ؛ فعندما تحيي ضميرك تجد للوجود حياة من حولك ، أما إذا مات ضميرك، فإنه خبر وفاتك الحقيقي ... .
فالإنسان يحيا بضميره الحي ، وهو الذي يرشده للبعد عن الشر والانحراف والاقتراب من طريق الخير والحق , و هو الصوت الداخلي والذي يرشد صاحبه على فعل الحق وفعل الصواب في حياته ، وأن يقول الحق ويفعله مهما كلفه هذا من مشقة وتعب وظلم وخسارة ... ، بلى : الشخص الذي يتبع صوت وجدانه وضميره الحي يبقى مطمئن ومرتاح لأنه فعل ما يمليه عليه ضميره ؛ و بالتالي جنب نفسه الصراعات النفسية والقلق وتأنيب الضمير ... ؛ وان خسر بعض الامتيازات المادية والاعتبارات الاجتماعية الباطلة والمزيفة .
ومن مات ضميره ؛ مات قلبه ومات كل شيء جميل وايجابي في حياته ، فلا يذوق طعم الراحة والسكينة والسعادة ، إلا إذا عاد واستيقظ ضميره مرة أخرى ... ؛ وان ماتت ضمائر الناس فلا تستغرب ابدآ إذا رأيت الدنيا غابة ... ؛ فكل ما يطلبه الظلم للوجود ، هو نوم الضمائر وموتها ؛ وموت الضمير علامة على موت ايمان الشخص بالله والدين والاخلاق ... ؛ ومن يفقد الضمير يفقد القيم النبيلة والمثل السامية والانسانية ؛ بل ان من فقد الضمير ؛ فقد الأصل والانتماء والشرف .
ولا يوجد في الدنيا قوة تنافس قوة الضمير، فضميرك الحي هو سبب قوتك وانتصارك وسعادتك وراحتك واعتزازك بنفسك وثقتك بها ؛ وهو بوصلة النجاة في حياتك ؛ وهو الوسادة الناعمة التي يرتاح عليها الإنسان ويريح رأسه.
وعليه لو خير الانسان بين حزبه وضميره ؛ فعليه ان يختار صوت ضميره ويسير خلفه ؛ فمن يمشي وراء ضميره، يجد نفسه لا يخالف إنسانية ولا يخالف عقل ولا دين، فهو يكون في الطريق الصحيح ؛ اما الذي يخالف صوت الوجدان ويهمل هاتف الضمير ويسير كالأعمى خلف تعليمات حزبه حتى وان كانت مخالفة للوطنية والانسانية والقيم الاخلاقية بل و التي قد تدعو للخيانة والتخريب والتدمير والعمالة احيانا ؛ فأنه يمشي في طريق العار والخزي والهلاك ... ؛ والانسان الشريف والمواطن النبيل يستطيع ان يحيا بلا حزب الا انه لا يستطيع العيش من دون ضمير حي وكرامة .
فمن العار ان تجعل من نفسك امعة ؛ او عبدا مطيعا للأحزاب حتى وان امرتك بفعل الموبقات والجرائم والجرائر والخيانات والمؤامرات التي تستهدف الوطن او المواطن ؛ كما كان يفعل النازيون والفاشيون في اوربا ؛ و الطائفيون والقوميون و البعثيون والمنكوسون في العراق .