كتبَ أحدهم رسالة هي في الأصل جواب على سؤال مفاده (كيف أدرس الفلسفة؟) ، فأجاب صاحبنا :
إنك إذا أردت أن تدرس الفلسفة الحديثة فإنك ستجد خلافا ً في التقسيمات ونسبة المدارس، وذلك راجع إلى سبب ، وهو أن بعض المؤلفين يخلطون المجالات الفلسفية ببعضها ولا يفرقون بينها، وأعطيك هنا مثالا ً: عندما تقرأ في الفلسفة الانجليزية أو المدرسة الانجليزية، فإنك ستشاهد أن أبرز روادها : بيكون وتوماس هوبز وجون لوك جورج باركلي وديفيك هيوم وبنتام وجون ستيوارت مل وسبنسر. هؤلاء يمثلون منظومة متكاملة، وليست مدارس كثيرة كما يظن بعض الطلاب، لكن أريدك أن تعرف الآتي:
الاتجاه التجريبي موجود عند كل هؤلاء وليس بعضهم كما يظن البعض، وهو يكون في منهج البحث عندهم ، أما في نظرية المعرفة فهم على مدرسة المذهب الحسي، أما مدرسة التداعي والترابط فهذا في الاتجاه النفسي أو في علم النفس، أما الجانب الأخلاقي فهم على مدرسة اللذة وبعضهم المنفعة، أما في الجانب الغيبي أو ما يسمى الميتافيزيقي فهم على مدرسة الشك ، أما في الجانب الديني فتجد عندهم دراسة مباحث الطبيعيات والإلهيات، وهي ليست مدرسة لبعضهم بل لجميعهم وهو موضوع من موضوعات دراستهم ، أما في الجانب السياسي فهم على مدرسة الحرية السياسية.
إذا فهمت هذا التقسيم فسترتاح كثيرا ً من عبث بعض الباحثين وتقسيماتهم التي تجحف كثيرا ً ، وتضيع القارئ، لا سيما وأن هذه المتداخلات لا يدركها غير المتخصصين.
وأُقسم لك مدارس الفلسفة الحديثة بالتقسم الزمني الذي أنصحك أن لا تتجاوزه ، وقبل ذلك لا بد أن تضع تصوراًعريضا ً في ذهنك يقسم لك الموضوعات إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الحقيقة،ومن أبرز موضوعاتها: البحث في الوجود ثم الموجودات.
القسم الثاني: المثالية، ومن أبرزها الأخلاق وليس هو أوحدها.
القسم الثالث: المعرفة، أو نظرية المعرفة.
ثم بعد ذلك حاول أن تجعل دراستك للفلسفة الحديثة في ثلاث حقب :
- الحقبة الأولى: فترة ديكارت، وهذه المرحلة تمتد إلى عصر التنوير في القرن السابع عشر ، وتمتاز هذه الحقبة بظهور مبدأ الشك كدليل وحيد، وأن العقل هو للتآمر. وهذا سيفيدك في مبحث نظرية المعرفة ، إلا أنه لا بد أن نعلم أن هوبز ولوك وهيوم كانوا يميلون إلى التحليل النفسي أكثر من مبدأ الشك
- الحقبة الثانية: هي حقبة التنوير التي وقفت عند كانط، وهي فلسفة السياسة والاجتماع بامتياز. والنقد الفلسفي في هذه الحقبة كان بمزاوجة الفحص التجريبي بالمنهج الأخلاقي ، وهذه الحقبة أفرزت لنا مسألة حدود المعرفة الإنسانية وهي فلسفة قائمة على أن الذات لا تدرك إلا ظواهر الأشياء وتفرض ظواهرا قبلية ومسبقة عليها ، ويصف بعض الباحثين هذه الحقبة بحقبة الاستعلاء أو الفلسفة المتعالية التي أعلت من شأن الذات كثيرا ً حتى في الحكم على الظاهر قبل فحصها
- الحقبة الثالثة: هي فلسفة هيجل وهي الفلسفة الجدلية المشهورة وخلاصتها أن هيجل قال إن الفلاسفة الأوائل يزعمون أن الحقيقة تخضع لقانون عدم التناقض ، فقام هيجل وأدخل القانون الجدلي الذي يفرض على الحقيقة وقانونها التناقض وقال إن التناقض هو سر الوجود وهو أساس الحقيقة. والتناقض عنده فسره بأنه انتقال الشيء من حالة إلى حالة مضادة. اهـ
قلت : وهذا متن موجز في التحقيب الفلسفي