" مات فلان ، وفي جنازته أصيب زميله باضطراب نفسيّ علي أثره لا يبرحُ منزلَه .
أما بطلنُا فقد أجري اتصالًا هاتفيا للمُصاب ليأذن له بزيارته ، وانتظر و انتظرنا ، و لكنه لم
يأتِ قط !
خرج من منزله و لم يعد ، و لم يأتِ أيضًا ، و لم يُري بعد ذلك في مكان مألوف أو غيره .
أمّا فلان ؛ فقد كان طالبًا ، كزميليه ، يدرس في بلد لا تعليم بها و إن كَثُر فيها العلم .
مساء يومٍ ، لم يعد طالبًا مرة أخري .
أما زميله ؛ فقد كان رفيق دربه و صاحب أسراره . كلاهما مهد الطريق الوعِر لرفيقه . لقد تقابلا قدرًا ليفترقا قدًرا أيضًا .
صرنا نتلقي خبر الموت كل يوم ممن نتوقع رحيله أو ممن رسمنا معهم مستقبلا مديدا ، لكنّ يظل الموت هو الموت !
أما بطلنا ؛ فقد اجتمع عليه الظلم و الجهل و الفقر .
لم يكن مظلومًا بمعناه و لكنّه كان يشعر بأنه ظالم إِنْ تخاذل ، لم يكن جاهلًا أيضا و لكنّ عِلْمُه بلا ثمن في موقعٍ لا يُقدّره ، و كذلك لم يكن فقيرًا بل كانت روحُه لغيره لا لنفسه .
و لهذا حرموه الظلم ، الجهل و الفقر . ظنّوا ألا طاقة عليه بهم و أن واجبهم أن يحملوا عنه بعض همه و لكن بطريقتهم الخاصة .
لذلك ؛ خرج و لم يعد !
لم مات فلان ، ولم مرض زميله ، و أين ذهب بطلنا ؟
أحبوها جميعًا بلا أمل سوى أنهم أو أحد من ذريتهم قد ينبت الإصلاح علي يديه . عدا ذلك فكل أملٍ مقتول ، و كل حُلمٍ مُميت ، كحلمهم ! .
مات فلان لأنه وحده و زميله ضد كل شئ ، ضد اليأس و الضغط و سوء توزيع القوي .
رحل فأصبح زميله بلا رفقة ، و الرفقة تخفف من وهن المسير ، فأني له برفقة كسابقتها . أؤمن أن الرفقة المقصودة تأتي مرة و لا تتكرر .
خلق الله كل شئ بقدر ، و النفس البشرية مما خلق ، لها قدرٌ من الصبر و التحمل . و الأهوال أيضًا لها قدر ، يزيد و ينقص تتحملها النفس أو لا تفعل .
حياتنا واحدة ، و حلمنا واحد ، ظروفنا و طريقنا و صعابنا واحدة . رحلوا و بقينا . و برحيلهم أضاءوا شمعة ً أخري في طريق مظلم طويل .
رحيلكم نور و إن كان مُحزِن ، رحيلكم علامة فاصلة و إن كان صامتًا . رحيلكم لا يُنسى ! .
من أجلِكم أكتبُ اليوم ، عسى أن تذكرني كلماتي بكم حين يطويكم الزمان .
إليكم ..
يا من رحلتم و سَقِمتُم و أُسِرَت أجسادهم ، يا من أنرتُم أرواحنا و جددتم بِنَا الصبر ، سلام علي أرواحكم ، و أفكاركم و قلوبكم النقية .
لعل الله يرحمكم ، و يرحمنا ..
١٦-١٠-٢٠١٦