ن

طالبة ، طب الاسكندرية

مدة القراءة: دقيقتين

مات فُلان !

" مات فلان ، وفي جنازته أصيب زميله باضطراب نفسيّ علي أثره لا يبرحُ منزلَه .

أما بطلنُا فقد أجري اتصالًا هاتفيا للمُصاب ليأذن له بزيارته ، وانتظر و انتظرنا ، و لكنه لم

يأتِ قط !

خرج من منزله و لم يعد ، و لم يأتِ أيضًا ، و لم يُري بعد ذلك في مكان مألوف أو غيره .

أمّا فلان ؛ فقد كان طالبًا ، كزميليه ، يدرس في بلد لا تعليم بها و إن كَثُر فيها العلم .

مساء يومٍ ، لم يعد طالبًا مرة أخري .

أما زميله ؛ فقد كان رفيق دربه و صاحب أسراره . كلاهما مهد الطريق الوعِر لرفيقه . لقد تقابلا قدرًا ليفترقا قدًرا أيضًا .

صرنا نتلقي خبر الموت كل يوم ممن نتوقع رحيله أو ممن رسمنا معهم مستقبلا مديدا ، لكنّ يظل الموت هو الموت !

أما بطلنا ؛ فقد اجتمع عليه الظلم و الجهل و الفقر .

لم يكن مظلومًا بمعناه و لكنّه كان يشعر بأنه ظالم إِنْ تخاذل ، لم يكن جاهلًا أيضا و لكنّ عِلْمُه بلا ثمن في موقعٍ لا يُقدّره ، و كذلك لم يكن فقيرًا بل كانت روحُه لغيره لا لنفسه .

و لهذا حرموه الظلم ، الجهل و الفقر . ظنّوا ألا طاقة عليه بهم و أن واجبهم أن يحملوا عنه بعض همه و لكن بطريقتهم الخاصة .

لذلك ؛ خرج و لم يعد !

لم مات فلان ، ولم مرض زميله ، و أين ذهب بطلنا ؟

أحبوها جميعًا بلا أمل سوى أنهم أو أحد من ذريتهم قد ينبت الإصلاح علي يديه . عدا ذلك فكل أملٍ مقتول ، و كل حُلمٍ مُميت ، كحلمهم ! .

مات فلان لأنه وحده و زميله ضد كل شئ ، ضد اليأس و الضغط و سوء توزيع القوي .

رحل فأصبح زميله بلا رفقة ، و الرفقة تخفف من وهن المسير ، فأني له برفقة كسابقتها . أؤمن أن الرفقة المقصودة تأتي مرة و لا تتكرر .

خلق الله كل شئ بقدر ، و النفس البشرية مما خلق ، لها قدرٌ من الصبر و التحمل . و الأهوال أيضًا لها قدر ، يزيد و ينقص تتحملها النفس أو لا تفعل .

حياتنا واحدة ، و حلمنا واحد ، ظروفنا و طريقنا و صعابنا واحدة . رحلوا و بقينا . و برحيلهم أضاءوا شمعة ً أخري في طريق مظلم طويل .

رحيلكم نور و إن كان مُحزِن ، رحيلكم علامة فاصلة و إن كان صامتًا . رحيلكم لا يُنسى ! .

من أجلِكم أكتبُ اليوم ، عسى أن تذكرني كلماتي بكم حين يطويكم الزمان .

إليكم ..

يا من رحلتم و سَقِمتُم و أُسِرَت أجسادهم ، يا من أنرتُم أرواحنا و جددتم بِنَا الصبر ، سلام علي أرواحكم ، و أفكاركم و قلوبكم النقية .

لعل الله يرحمكم ، و يرحمنا ..

١٦-١٠-٢٠١٦

ن
نورهان الصّباغ

طالبة ، طب الاسكندرية

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات