الحسين مصباح الهدى, ومنار للتائهين, والحرقة في صدور المؤمنين, وشعار الثائرين, ضد الظلم والجور والعدوان, وأصحابه سرج مضيئة, في سماء الإباء التضحية, يستلهم منها معاني الإيثار والفداء, من اجل القضية, فكل واحد منهم, يمثل امة في الأخلاق, والشجاعة والطاعة والبذل, في سبيل الحق, والثبات على المبادئ.

     ولكي تكون الأمة حية, لابد أن تنهل, من دروس معركة الطف الخالدة, وترضع أبنائها من حليب البطولة, وصدر التضحية والإيمان, لتخرج جيلا ثابت العقيدة, صلب الإرادة, يذود عن الحق, ويقف بوجه الباطل, لا يهاب الموت إذا أقدم, يجود بنفسه ولا يبالي, وكيف يبالي والشواهد شاخصة أمامه, قد تربى عليها وعاشت معه.

     فلما خرجت خفافيش الظلام من جحورها, تريد أن تنهش في جسد الوطن, وتستبيح الحرمات, وتهلك الحرث والنسل, انبرى حفيد الحسين ع, ليعلن فتواه المقدسة, لأبناء مدرسة الحسين ع وأصحابه, فهبت جموع المتطوعين, تنادي لبيك وسعديك, حاملين أرواحهم على اكفهم, لا يبالون ان وقع الموت عليهم, ام وقعوا عليه, غير مكترثين ببرد ولا حر, يصولون في الجبال, كصولتهم في الصحاري, ليسحقوا جيوش النواصب, ويمزقوا راياتهم, ومع كل صرخة "هيهات منا الذلة", كانت تسقط قلاع الظالمين".

    رجال فتح الله بصيرتهم, هم كما قال الإمام علي ع: " حملوا بصائرهم على أسيافهم ", وتمثلت لهم معركة الطف بحقيقتها, وتجلت صورها إمامهم, فاختاروا معسكر الحق, ليقاتلوا معه وينصرون الإمام الحسين ع, وان لم يكونوا حاضرين, وهزوا سيوفهم الحمراء, حين نادت الحوراء ع: " إلا من ناصر ينصرنا ", فعلا هتافهم: " لبيك يا زينب ".

     وتسارعوا للشهادة, يجودون بأنفسهم, لا يهمهم إن تقطعت أجسادهم, يواسون بها الإمام الحسين ع, ويطلبون الكرامة من الله, بان ينالوا الشهادة, ليحشروا مع سيد الشهداء ع, تاركين الأهل والمال, لا يفكرون في مغانم الدنيا وزينتها, فهمهم إعلاء راية الحق, ودحر الباطل الذي تشبه بيزيد وجنوده, فكان لابد ان يدحره, أصحاب الحسين وشيعته.

  وكان هناك رجال, واسوا الإمام العباس ع, فقدموا أذرعهم, دون أن يبالوا, وهناك من قدم كل أطرافه, دون ان يهتم, وهناك الشيبة الذين تمثلوا بحبيب ابن مظاهر, بشيبته الكريمة ولحيته البيضاء, حاملا بندقيته بيد, وراية لبيك يا حسين باليد الأخرى, والى جنبه شاب صغير, هو الوحيد لعائلته, يأبى ان يترك الساتر, لان القاسم بن الحسن ع حاضرا معه هناك .

 وهؤلاء أربعة إخوة جاءوا معا, تاركين والدهم المقعد, ويرفضون النزول, الا بعد انتهاء الهجوم بالنصر المؤزر, متأسين بأبناء أم البنين ع, وكلهم احتشدوا في معسكر الحسين ع, ولسان حالهم يقول: "ياليتنا كنا معك" لن نقولها, لأننا حاضرون معك الآن.

 لقد اثبت رجال الحشد الشعبي, إنهم الأحفاد البررة, لأولئك الرجال, الذين قاتلوا مع الحسين ع, واستشهدوا دونه, وإنهم على سيرة أجدادهم ماضون, بنفس العزيمة والإباء, والإيمان بالعقيدة, وإنهم في زمن لن يرفع فيه رأس الحسين ع مرة أخرى, ولن تقطعا كفي ابا الفضل العباس ع, ولن تسبى زينب ع, بعزم أنصارهم الذين يبذلون المهج دونهم .