صب سمومه على الجذور صبا ، صب الكثير منها ، صبها مرارا ...
بدأت أوراقها الخضراء الجميلة البهيجة تصفر ... الجنة الخضراء الصغيرة ، استسلمت للسموم ...
لم يبق من جسدها الا هيكلها العاري ، كان الهيكل كأطلال بيت أطاحت حرب ضروس بجدرانه ، و تركت أركانه قائمة تحكي قصة ماض جميل .
كم هو بشع ؟ كم هو قاس من قتل الجمال ؟!
مررت بجانب الأطلال ، طأطأت رأسي ، لطفت نسمات عليلة حر قلبي ، سحبت نفسا عميقا ، و رفعت رأسي ! و كعاشقين ، التقيا بعد طول غياب ، عانقت عيناي وريقات خضراء رقيقة كست بحنان الهيكل الجاف ... !
يا إلهي سبحانك : أميتة كانت الجنة فأحييتها ؟ أم كانت الجنة حية في جوهرها ، ميتة في ظواهرها ؟
يا إلهي سبحانك : كيف استطاعت وريقات دقيقة ، لطيفة، اقتحام هذه الأغصان القاسية الفظة ؟ أم أن الأغصان فظة في مظهرها ، حنونة في مخبرها ؟ هل هي كالأرض الجدباء ، التي تحتضن بذيرات صغيرات ،فإذا ما داعبت قطرات المطر خد الأرض ، انفجرت الحياة الكامنة في البذور ، فخرجت من رحم البذور ، و من رحم الأرض .
أحسب - و الله اعلم - أن الجنة راوغت الجاني ، لقد ظلت فيها بقية حياة ، تسترت الحياة في السيقان العارية ، و في الأغصان الجافة ، صبرت و ثابرت ، فلما تهيأت الأرض ، و رقت الأجواء ، أورقت ، غالبت وجعها و أورقت ، و لا شك أنها ضحكت ، اذ انتصرت .