(1)

هنالك مقولة مفادها ان  : (( وزارة التجارة  تستورد الخمور؛ و وزارة المالية تفرض عليها ضريبة  بالإضافة الى استحصال  رسوم الكمارك  , ومن ثم وزارة السياحة تشجع على شربها في البارات والملاهي  والفنادق والمنتجعات السياحية ... ؛ بينما تحرمها وزارة الاوقاف , وتطارد وزارة الداخلية المواطنين بحجة مخالفة القانون ؛ اذ تقبض الشرطة على المواطن بتهمة الجرم المشهود , وتحيله إلى المحكمة لتحكم عليه بالسجن او الغرامة ؛ ناهيك عن عمليات الابتزاز وفرض الاتاوات باسم القانون وبقوة السلطة !!   ... الخ )) ولعل هذه المقولة تكشف لنا خواء المنظومة الفكرية واضطراب الاوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية وتناقض الاداء الرسمي  والقوانين الحكومية وتناشزها الظاهر للعيان ... . 

ومن الواضح ان الدولة بلا فلسفة كالسفينة التي تجري في البحار  وسط الامواج العاتية بلا ربان يمتلك بوصلة للنجاة ... ؛ اذ  تمثل فلسلفة الحكم ركن مهم من بناء المجتمع السياسي لكونها الطريقة التي يختطها النظام السياسي والسلطة السياسية على هديّ  الآراء والنظريات الفلسفية والسياسية والاقتصادية والوثائق الرسمية ولا سيما الدستور  ، والقرارات، والقوانين، في إدارة شؤون الحكم  ,  وتتباين تلك الطرق وبالتالي فلسفة الحكم من دولة الى أخرى. (1)  

وقد إختط العراق منذ العام 2003 فلسفة للحكم مغايرة عن تلك التي عرفها قبل العام 2003 ولاسيما فيما يتعلق بمسألة أساسية ومحورية  ؛ الا و هي الانتقال من مجتمع يرتكز على الاحادية  - فلسفةً للحكم  - إلى مجتمع يتخذُ من التعددية فلسفة وسبيلاً للحكم  ؛ فقد اختار العراق النظام الديمقراطي  في إدارة الدولة ، لأنه أفضل الأنظمة السياسية التي تحقق العدالة والمساواة والحرية للمجتمع ، والطمأنينة والسلام والسعادة للفرد ؛ بالإضافة الى اقرار الدستور العراقي الثابت والذي يتماهى مع النظام الديمقراطي ؛  بينما كان يعتمد دستور طوارئ سابقا , و كان القانون يمثل ( جرة قلم ) بالنسبة لرأس النظام العفن  ليس الا ...!! 

وبما ان الدستور العراقي قد كفل الحريات الشخصية  ومنع تقييدها والتي لا تتعارض مع حقوق الاخرين او تتنافى مع الآداب العامة , وبما ان احدى فقرات الدستور تنص على : (( تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني  )) ؛ لذلك عد البعض : بأن منع استيراد  المشروبات الكحولية  يتناقض مع حقوق الإنسان ... ؛ بينما ندد مراقبون بما اعتبروه قرارات تحدّ من الحريات  الشخصية  , وتجعل المجتمع رهينة قوى دينية مسيطرة على مقاليد الحكم في البلد ... , واعتبر مزاحم الحويت  :  أن " منع دخول المشروبات الكحولية الى العراق جريمة بحق الأديان والمكونات ويحاسب عليها القانون الدولي " ؛ بينما ذهب الباحث في الشأن العراقي حمزة الحردان  الى القول :  بأن " مثل هذه القوانين لا تتناسب مع التنوع الديني والفكري في العراق، وهي محاولات لتأسيس دولة على غرار دولة خرافة البغدادي!" ، معتبراً أن  "هذه القوانين سوف تنعكس سلباً على المشرع والمجتمع، لأن الدستور كفل الحريات العامة والمدنية ... ؛ أنتم تدعمون انتشار المخدرات لا أكثر!".

وكتب الناشط علي المكدام  : أن "حظر المشروبات الكحولية يساوي بشكلٍ قطعي انتعاشاً لتجارة المخدرات والكريستال في ربوع العراق ... ؛ قرار آخر يضاف لسلسلة القرارات المجحفة التي تنتهك باب الحريات الخاصة والحقوق المدنية".

وأصدر النائب المسيحي يونادم كنا- رئيس كتلة الرافدين في البرلمان - ؛  بيانا بعد إقرار القانون، جاء فيه  : أن "هذه الفقرة (من القانون) تتناقض مع المواد الدستورية، التي تمنع أي تشريعات تتناقض مع الحقوق والحريات الفردية".

أما المهندس إبراهيم البهرزي فقال : "لأنني متأكد من جهالة غالبية أعضاء مجلس النواب بالتاريخ ، فضلًا عن أن أكثر من غالبيتهم هم ممن يجهلون تاريخ بلادهم تحديدًا ؛  أحب أن أقول :  إن أول كأس من البيرة شربه الإنسان في الكون كان إنتاجًا عراقيًا ، وإنه ومنذ زمن السيد الرئيس كلكامش كانت الحانات موجودة في العراق ، وإن معالي الآنسة سيدوري كانت تغني للشاربين ، وتقدم الكؤوس إلى الزبائن ، وإنه في ظل كل الأنظمة الوثنية والدينية التي حكمت العراق منذ فجر التاريخ حتى هذه الساعة فإنكم السلطة الوحيدة التي تحرم تحريمًا باتًا تعاطي الخندريس".

و أضاف : "إنكم أيها البرلمانيون بهذا القرار إنما تفتحون الباب مشرعًا لإنعاش تجارة المخدرات كبديل (ويبدو أن هذا مقصدكم من القرار) ؛  وربما تكون هناك رشاوى مقدمة من كبار تجار المخدرات، الذين تعرفونهم جيدًا، فبعضكم شركاء لهم، رشاوى قدمت إلى البعض منكم لأجل إقرار هذا القرار، وإنكم تعلمون مدى عناد العراقيين واتباعهم قاعدة كل ممنوع مرغوب".

و تابع : "إنكم تعلمون أن صناعة الخندريس ليست معقدة ، وأنكم لا تملكون القوة القادرة على منع تصنيعه وتداوله سرًا ، وإنكم بذلك تفتحون المجال واسعًا لتداوله في السوق السوداء ؛  وتخسرون البلاد قيمة الضرائب المتحصلة عن ذلك ، وإنكم لا تمنعون ما حرم الله حبًا بالله ، لأن الكثير من محرمات الله الأشد تحريمًا من شرب الخمر إنما تمارسونها بلا خوف من الله ، وإن الله سبحانه وتعالى سيحرم المؤمنين منكم من الموعودين بالجنة (وكلكم ما شاء الله منهم) سيحرمهم من شرب الخمر من أنهارها، كما حرمتم العراقيين الشرب من حانات الدنيا".

وأما الكاتب فلاح المشعل فأكد أن "الكارثة مقبلة" ؛ وقال : "قانون مجلس النواب العراقي اليوم بإغلاق نهائي لمحال بيع الخمور يعد بكوارث اجتماعية مقبلة، حيث سيفتح الأبواب واسعة لانتشار الحشيشة بدلًا منه، وكما هي الحال في إيران"... ؛ وأضاف : "نعم هي محاولة أخرى لإسقاط ما يحدث في المجتمع الإيراني على المجتمع العراقي ، وإذا ما عرفنا بأن انتشار الحشيش في الأوساط الإيرانية يمثل آفة مرضية وتفككًا أسريًا وويلات اجتماعية وخسائر تعد بمليارات الدولارات سنويًا للدولة الإيرانية، فإن هذا التشريع يعد إنتقامًا من المجتمع العراقي وتطبيعه إيرانيًا"... ؛ وتابع : "الدستور العراقي أقر بالحقوق والتنوع الديني والمذهبي، وثانيًا المادة 3 بالدستور تنص على عدم تشريع أي قانون يتعارض مع الديمقراطية، وثالثًا منع الخمر سيدفع الشاربين إلى الحشيشة ، كما في إيران ، وهذا فيه ضرر كبير، يستفيد منه رجال الدين فقط".

هذا ووصف الناشط المدني مهدي عباس  :  القرار  بالـتافه ، واضاف أنه  : "تم استغلال معركة الموصل لتمرير هذا القرار - عام 2016 -  ؛ نحن بالدستور دولة مدنية ، وليست دينية، وهذا القرار تعدٍ على الحريات الشخصية"... ؛ وأوضح أن 90% من البرلمانيين يشربون ، فما هذا النفاق الاجتماعي! ، بماذا يختلفون عن داعش ،  التي صادرت كل الحريات الشخصية ، الجوامع والحسينيات هي من خرّج المتطرفين ، وليس (البارات)، مئات الآلاف من العراقيين ذهبوا ضحية التطرف الديني، وليس الخمر".

في حين يرى المواطن رعد ستار أن :  "المشكلة ليست فقط بيع الخمور، وإنما القانون يشمل أيضًا تصنيعها واستيرادها وتصديرها ، ومن البديهي شربها وتداولها في الوقت الذي تنتشر فيه تجارة المخدرات وحبوب الهلوسة وحتى حبوب المهدئات للأمراض النفسية، التي تباع على الأرصفة"... ؛  وأضاف : "يتباكون على الدستور العراقي، وهم يدوسون عليه بالأقدام كل يوم ، وهم يدركون أن المجتمع العراقي مجتمع متعدد، وفيه أديان وقوميات وملل ونحل لا تحرّم هذه المشروبات ، فلماذا يصرّون على فرض "داعشيتهم"  بالقانون ، ومن تحت قبة البرلمان ، ثم من ناحية دينية ، ألم يحرم الله في قرآنه أشياء أخرى ، إما لكونها نجسة أو إثمًا أو رجسًا من عمل الشيطان ، إذًا لماذا لا يحرّمون الربى والزنا وأكل مال اليتيم ، والأهم أن يحرموا بقوانين الطائفية والمحاصصة والسرقات والتزوير والاستيلاء على أموال الغير وسرقة المال العام والاعتداء على الحريات العامة والخاصة ، أليست هذه جرائم يحرّمها الشرع والقانون ، ثم هل إن الإنسان المؤمن بهذا الضعف ونزع الإرادة،  بحيث إنه لا يستطيع منع نفسه من أن يشاهد الخمر ولا يشربه ... قانون معيب، ودوافعه معروفة".

اما الكاتب حامد المالكي قال : "هل سمعتم بانتحاري طلع من بار ؟ أو سيارة تفخخت في مخازن الشرب ؟، وهل سمعتم أن ثملاً دعا إلى قطع رأس إنسان ثانٍ حتى يدخل الجنة ؟" ؛ و أضاف  : "البرلمان العراقي يمنع بيع الخمور... يا ليتكم تصدرون قانونًا لتجريم الطائفية ، البلد أحوج إلى قرارات كتلك ".

وقال المواطن قيس حسن :  أن "حظر المشروبات في هذا التوقيت ، وعبر زجّه كقرار في قانون البلديات ، وليس في نسخة منفردة، هو فعل قام به برلمانيون عباقرة ، هم بالأساس تجار مخدرات" ؛ و  أضاف  : "المملكة العراقية الإسلامية تكتمل اليوم".

وقال المواطن مصطفى سعدون -  من المرصد العراقي لحقوق الإنسان –  : ((     انا لستُ من متناولي المشروبات الكحولية، ولا تُحدد هذه الحرية الشخصية علاقتي بالآخر، لكن أن نترك كل مساوئ الحياة التي صُنعت بأيدي من يُسيطر على البلاد، ونتجه لتقييد حرية شخصية، ليس فيها أي ضرر على المجتمع، فهذا ما يؤكد دعشنة البرلمان وتفشي وباء التفكير المتطرف في أعلى سلطة تشريعية عراقية" ؛ و رأى أن المادة 14 " لا تتطابق مع الدستور"، مضيفاً لفرانس برس أنها "تقيّد الحريات ... )) ... ؛ وأضاف أن "هذا القانون جزء من مجموعة كاملة من (القرارات) التي تقيد الحريات"، في وقت كانت السلطات اعتقلت صانعي محتوى على يوتيوب وتيك توك لنشرهم "محتوى هابط".

وقال المواطن علي حسن :  إن "العقل البرلماني العراقي يحتاج للمراجعة والنقدً... فالكثير من إجراءاته تدخل في سياق اللا عقل ، واللا تداول ... . 

وكتب شوقي كريم حسن :  "بقرار منع بيع واستيراد الخمور أثبت البرلمان العراقي أننا دولة دينية لا علاقة لها بالحرية رغم تحدث الدستور علنًا عن الحريات الشخصية وعدم المساس بها".(2) 

أما المدعو فائق الشيخ علي -  النائب في البرلمان العراقي عن التحالف المدني الديمقراطي -  فقد أبدى اندهاشه من القانون ، متسائلاً  : إن كانت وردت رواية أو حديث واحد عن أن الإمام علي أراق الخمور الموجودة في العراق، حين نقل الخلافة من المدينة إلى الكوفة ؟!  ؛ وقد حشر انفه كالعادة في امور لا يفقهها وادعى ما لا يحيط به علما ؛ نعم هنالك روايات واحداث تاريخية مذكورة بهذا الخصوص الا انه يجهلها و مع ذلك يدعي العلم والاحاطة بالتاريخ والفقه والرواية ... !! . 

وأبدى آخرون تخوفهم من أن يمثل تمرير قوانين مثل حظر دخول المشروبات الكحولة ومسودة قانون الإعلام والاتصالات "بوابة لدخول العراق إلى هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرطة الأخلاق والولاية الدينية". 

وصرح البعض قائلا : (( الاغلبية السياسية التي انفردت بالبرلمان تفصل القوانين على مقاساتها واخر القوانين منع استيراد وتصنيع الكحول لتنتشي تجارة المخدرات لتفتك بالمجتمع تحت عنوان الحرمة والتدين ( كلمة حق يراد بها باطل ) وهم ابعد من معرفة حدود الله ... وعلى الطريق قانون المحتوى الرقمي لتكميم الافواه !!! )) .

وأبدى متخصصون بالقانون استغرابهم من تفعيل قانون "واردات الدولة" المقر عام 2016، والذي يتضمن فقرة بمنع استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية، دون استثناء الديانات الأخرى منه، وفيما أكدوا أن هذا القانون يتعارض مع الدستور الذي ضمن حق المساواة، بينوا أن قرار مجلس الوزراء بفرض ضريبة على هذه المشروبات سقط أمام هذا القانون ولم يعد له أثر ؛ ويقول الخبير القانوني جميل الضامن ، خلال حديث لـ"العالم الجديد" :  إن "التصويت على قانون يحمل فقرة تحظر المشروبات الكحولية بشكل نهائي يعد مفاجأة لم نعلم بها، فنحن نتحدث عن قانون، وليس قراراً يمكن إلغاؤه بسهولة" ؛ ويبين الضامن :  أن "هذا القانون يتعارض مع أحكام الدستور في العديد من بنوده، كونه يمس مواطنين عراقيين يشتركون مع المسلمين في المواطنة، ينتمون لديانات أخرى تبيح لهم استيراد وصناعة وتصدير وتناول المشروبات الكحولية، وبالتالي فلديهم مصالح اقتصادية وتجارية، والتزامات قانونية، سوف يتضررون بشكل كبير في حال تطبيق القانون" ؛ ويضيف  : أن "القانون يتعارض مع أحكام الدستور في جانب آخر، خلاصته أن الدستور ضمن حق المساواة، أي أن المواطنين العراقيين متساوون أمام القانون، متساوون بالحقوق والواجبات"... ؛ ويعتقد :  أن "هذا القانون سيكون عرضة للطعن في المحكمة الاتحادية العليا، التي أتاحت الطعن بالقوانين والقرارات والإجراءات التي تصدر عن الجهة التنفيذية والتشريعية على أساس الاعتقاد بعدم دستوريتها، فهي الجهة المخولة بتفسير النصوص القانونية، والتحقق من ملاءمتها للدستور العراقي، على أن يقدم الطلب من شخص ذي علاقة، يمثل الفئة المتضررة، أو الجمهور المتضرر من فقدان حقوقه في هذا القانون".(3) -      

و انتقد النائب  - في البرلمان عن المكون المسيحي  - فاروق حنا عتو  القانون، معتبراً أنه :  "منافٍ للحريات الفردية وأسس الدستور العراقي الذي أكد على احترام الحريات والديمقراطية"، موضحاً، في تصريح لمحطات إخبارية عراقية محلية ، أن : "القانون أُقر قبل ست سنوات، لكن بسبب حساسية الموضوع أُرجئ نشره في جريدة الوقائع العراقية وتنفيذه" ؛ وأشار إلى أن :  "العراق بلد يتصف بتعددية دينية، قومية ومذهبية، ولا يمكن فرض هذا النوع من القوانين على الجميع، لأن هناك من يتعاطى الكحول، فيما تعد هذه المشروبات محظورة لدى البعض الآخر وتمثل خطاً أحمر بالنسبة له، لكن يجب احترام جميع التوجهات والآراء والأديان والمذاهب"، مشدداً على أن  : "القانون مناف للدستور العراقي الذي أكد على الحريات، ولا يمكن المساس بحرية الأفراد، ويمكن أن تنظم إجراءات وتعليمات لهذا الموضوع بطرق أخرى" ؛ واعتبر أن : "حظر المشروبات الكحولية قد يؤدي إلى تداعيات سيئة أخرى ويدفع الشباب نحو المخدرات، وهي كارثة كبيرة".

وكانت الحكومة العراقية تفرض الضرائب الباهظة على المشروبات الكحولية ؛ اذ  وجهت وزارة المالية الاتحادية ،  هيئة المنافذ الحكومية ، بتطبيق قرار فرض الضرائب على السكائر والخمور... ؛ وألزم كتاب للوزارة ، هيئة المنافذ الحدودية ، بتنفيذ القرار ، استنادا إلى الفقرة ثالثا من المادة 18 في قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2021، المتضمنة فرض الضرائب على السكائر بنسبة 100% والمشروبات الكحولية بنسبة 200%، الداخلة إلى العراق ...  , وذلك في عهد وزير المالية المتهم بالفساد   علي علاوي ... ، وقد أقر المجلس موازنة 2015 بفرض ضريبة وصلت 300 بالمئة على المشروبات الكحولية ، وبعدها  شملت موازنة 2018 فقرة فرض 200 بالمئة ...   ؛ بالإضافة الى فرض الاتاوات من قبل بعض المافيات على تجار ومصنعي المشروبات الكحولية ... ؛ ومن الواضح ان فرض الضريبة على هذا النشاط التجاري والصناعي يمثل اعترافا حكوميا بشرعية وقانونية تلك الانشطة التجارية والصناعية , و هو اعتراف صريح بموافقة الدولة على هذه الأعمال  ؛ ومع ذلك كانوا يتعرضون للابتزاز من قبل رجال وزارة الداخلية والمافيات على حد سواء ...!! ؛ ومن المؤكد ان تلك الاجراءات كلها تصب في صالح شبكات الفساد ؛ بل ويتضرر منها المواطن اشد الضرر ؛ فكلما ارتفعت الضرائب وكثرة الاتاوات ارتفعت اسعار المشروبات الكحولية على المواطنين ؛ وحتى الضرائب التي تؤخذ من العراقيين عنوة وتحت مختلف الذرائع والاسباب  والتي من المفروض ان تصرف على البنى التحتية وتحسين الخدمات والمرافق العامة ؛  كإضاءة الشوارع وانشاء الطرق والجسور ومشروعات المياه والكهرباء والمجاري  وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وسائر المرافق الخدمية والتنموية والترفيهية العامة الاخرى ... ؛ تذهب الى جيوب الفاسدين والمحتلين والاجانب والغرباء ؛ ولعل سرقة القرن والخاصة بالأمانات الضريبية والبالغة (2.5 مليار دولار ) والتي جرى التخطيط لها وتنفيذها في عهد حكومة الكاظمي المشبوهة ؛ من اكبر الادلة على ما ذهبنا اليه ؛ بينما امارة  دبي تلغي ضريبة 30 بالمئة على مبيعات الكحول ؛ وذلك لتنشيط قطاع السياحة والنشاط التجاري والتخفيف عن كاهل المواطنين والسياح والزوار والمقيمين ...!!  

و قرر مجلس الوزراء، الثلاثاء المصادف 14- فبراير-2023 ، فرض ضرائب إضافية تصل بعضها إلى نسبة 200% على مواد وسلع ومنتجات من بينها الكحول والسجائر والمنظفات... ؛ وصوت المجلس في جلسته الاعتيادية ، وفق بيان لمكتب رئيس مجلس الوزراء، على جملة قرارات اقتصادية وأخرى تتعلق بالمساعدات إلى تركيا وسوريا، فضلاً عن ملفات أخرى .

وهذا نص البيان : (( ترأس رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الثلاثاء، الجلسة الاعتيادية السابعة لمجلس الوزراء، جرت فيها مناقشة تطورات الأحداث العامة في البلاد، والتداول في الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال وإصدار القرارات بشأنها .

فرض رسم جمركي إضافي بنسبة (200%) من وحدة قياس منتج (المشروبات الكحولية)، المستورد إلى العراق من الدول والمناشئ كافة، لمدة أربع سنوات بدون تخفيض، ومراقبة السوق المحلية خلال مدة تطبيق الرسوم الجمركية الإضافية )) .  

وخبط المشرع العراقي كالعادة خبط عشواء ؛ اذ شرع بعد ايام ؛ قانون واردات البلديات رقم (1) لسنة 2023” الذي نشرته جريدة الوقائع الرسمية في 20 شباط فصار نافذاً، والذي حظرت المادة 14 فيه “استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها”،  وإلا فالمخالف عقابه غرامة تتراوح من 10 إلى 25 مليون دينار عراقي ... ؛ علما انه قبل ذلك ،  اي في الرابع عشر من  شهر شباط  نفسه، صوت مجلس الوزراء بجلسته الاعتيادية السابعة برئاسة رئيسه محمد شياع السوداني على “فرض رسم جمركي إضافي بنسبة (200%) من وحدة قياس منتج (المشروبات الكحولية)، المستورد إلى العراق من الدول والمناشئ كافة، لمدة أربع سنوات ؛ كما مر عليكم انفا ؛ وهذا يمثل قمة التخبط السياسي والاقتصادي والثقافي والقانوني والاجتماعي وانعدام الرؤية الحكومية الواضحة وغياب فلسفة الحكم والادارة ... ؛ وقد اقر هذا القانون عام 2016 حين صوت مجلس النواب لصالح هذه الفقرة فيه ،  ولم يعمل به ولم ير النور بسبب   ضغطُ الرأي العام واعتراض الجماهير عليه ... ؛ و قبل تشريع هذا القانون، كان العراق يستند إلى قانون المشروبات الروحية رقم 3 لسنة 1931، بالإضافة إلى عدد من قرارات “مجلس قيادة الثورة” المنحل ؛ اذ  اشترط القانون في من يقدم طلب الحصول على إجازة لبيع المشروبات الكحولية أن يكون من الديانات غير المسلمة ... إذ أن القانون العراقي لا يمنح تراخيص بيع الكحول للمسلمين  ؛ حيث كانت السلطة بيد الفئة الهجينة , والثروات والاراضي بيد الطائفة السنية الكريمة  , والتجارة والزعامة الدينية بيد العجم  , وتجارة الخمور بيد الاقليات الدينية , والتهريب بيد الاكراد ... بينما كانت حصة الاغلبية العراقية من كل هذه المعمعة والقسمة الضيزى القتل والتعذيب والتجنيد الالزامي والسجون والافقار والتجويع والاقصاء والتهميش والمطاردة ومصادرة الاموال والممتلكات والتضييق والحصار الاقتصادي ... الخ ؛ هكذا كانت تجري المعادلة الظالمة بحق الاغلبية العراقية الاصيلة . 

و خلال عقد  التسعينات من  القرن الماضي ،  ارتفعت اسعار المشروبات الكحولية بشكل جنوني ؛ وبعدها اعلن المجرم صدام   الحملة الإيمانية التي ابتدعها بسبب التقارب العراقي الايراني السعودي كما قيل او بسبب تأثير الدجال المشعوذ عزت الدوري او بسبب ازدياد الجرائم الجنائية ضد ابناء الفئة الهجينة وازلام النظام في النوادي الليلية والملاهي والحانات ... الخ ؛ اذ أمر المجرم  صدام  - عام (1993 – 1994)   -  :  ب أغلاق النوادي والبارات بالإضافة الى محلات بيع الخمور ، مما أدى الى انتشار الخمور المحلية الرديئة والمغشوشة : ( كالعرق بنوعيه الزحلاوي والمستكي , والجن , والبعشيقه ... الخ )  ؛ و خلال  عقد التسعينات  : فترة الحصار والعزلة والموت ، وبسبب هذا القرار الخاطئ ؛  ورغم شدة تعامل النظام آنذاك مع كل ما له علاقة بالمخدرات بقسوة ، راجت : (( الكبسلة ,  و البلعة , والثنر , والحبوب , والصمغ , وشراب الكحه ... الخ ))   - ؛ مصطلحات تشير للحبوب والمواد  المخدرة والمسكرة  - وكانت تعتمد على مواد طبية تسرّبها الصيدليات إلى السوق السوداء، لكنها ظلت محدودة في السجون وبعض المناطق الفقيرة ؛  ولم يتسارع إيقاع تجارتها وتعاطيها الا بعد  الغزو الأميركي 2003 فتضاعفت بعدها، خصوصاً بين أعضاء الفصائل المسلحة والقوات الامنية الحكومية في بداية الامر مع انتشار الارهاب والفوضى والاجرام والعنف ... ؛  وشيئاً فشيئاً ، بدأت تظهر أصناف كالحشيشة  والترياك و التي لم يعرفها العراق من قبل، و من ثم الكريستال ميث ؛ وهو الأكثر فتكاً وخطرا ... ومن ثم انتشرت تجارة  وتعاطي المخدرات  في العراق ولاسيما في بغداد ومناطق الوسط والجنوب ؛ اذ يعتبر ادخال قنينة نبيذ او ( بطل عرق عراقي ) مهمة صعبة بل مستحيلة الى المحافظات الجنوبية ؛ فإدخال قنينة من الخمر يتطلب من المواطن الجنوبي المسكين تخطيطاً وحذراً مسبقين ... فقط من أجل تقليل المخاطر ، حيث يُعرّض من يجلب معه إلى بيته من خارج المحافظة قنينة خمر  لخطر كبير وابتزاز من قبل رجال الشرطة ، فلن يفلت من سيطراتها الرئيسية ، وإذا ما ضبط  سيُفضح ؛  بنشر صوره مع قنانيه الكحولية ؛ و كأنها أسلحة فتاكة ، ويُحتجز ويعرض نفسه الى الاهانة ؛ لذلك  يُضطر شبابها لتنظيم رحلات إلى بغداد وكردستان وتحمل عناء السفر وصرف الاموال الكثيرة من أجل كأس نبيذ او بيرة ...!! 

بينما تدخل المخدرات بكافة انواعها الى تلك المحافظات المنكوبة وبمباركة الهة السلاح والنفوذ والمخدرات , ،  اذ إن تجارة المخدرات باتت رائجة، وبلغت نسب التعاطي مستويات كبيرة تجاوزت الـ40 بالمئة، وخاصة في المحافظات الوسطى والجنوبية، وتحول تجار المخدرات إلى زعماء عصابات ودائما ما تدخل القوات الأمنية بمواجهات مسلحة معهم لغرض اعتقالهم ... ؛  وكل حملات القاء القبض على صغار التجار وضحايا التعاطي والادمان ومصادرة الكميات الكبيرة من المخدرات ... الخ ؛ ما هي الا مسرحيات مفبركة لذر الرماد في العيون , ولإيقاع اكبر عدد من شبابنا في فخ المخدرات ومن ثم ايداعهم في السجون وتدمير حياتهم ومستقبلهم وتحطيم اسرهم وعوائلهم ... . (4) .

و عندما كانت تتعرض  محال بيع الخمور للهجمات المستمرة من قبل مسلحين مجهولي الانتماء والهوية خلال السنوات الماضية ؛ لإخافتهم وترهيبهم ومن ثم استحصال الاتاوات الشهرية منهم بحجة حمايتهم والسماح لهم بممارسة نشاطهم التجاري ؛ وليس من أجل تطبيق شعائر الدين او  بغية إجبارهم على الإغلاق  ...!! 

تاريخ الخمر في بلاد الرافدين

(2)

تظهر الخمر في أقدم أساطير حضارات العراق، مشروبًا إلهيًا يرافق البشر منذ لحظة خلقهم ؛ اذ تحكي الأسطورة السومرية أن الآلهة أرهقوا من كثرة الأعمال الموكلة إليهم وضجوا بالشكوى، فدعاهم الإله «إنكى» إلى حفل كبير حضره كل الآلهة، وكان الحفل من أجل خلق الإنسان الذي سيحمل العناء عن الآلهة وسيقوم بخدمتهم، دارت الخمر في الحفل وشرب «إنكى» خمره المقدسة وعمَّ الحفل سُكْر لذيذ، انتشت له مكامن الآلهة وجوارحهم، وهتفوا باسم «إنكى» الذي فكر في خلق الإنسان ... ؛ و تعج آثار حضارات ما بين النهرين بمئات الألواح الطينية والقطع الأثرية التي تسجل طرق ووسائل صنع البيرة وشربها، وتصور مجالس الشراب، كما وُجدت أكواب وآنية لشرب الخمر وتصنيعه، ويعتقد علماء الآثار أن العراقيين هم أول من صنع البيرة وشربها في التاريخ قبل أكثر من 6 آلاف عام...؛ حتى ان شربها كان متعارفا في العراق  ؛ اذ كان  الفقّاع فقّاع بالوجدان و لا يندرج ضمن موضوع الخمر الذي ورد  فيه التحريم  ؛ الا ان البعض نسب روايات الى ائمة اهل البيت  حول الفقاع ؛ معلقا  : انه وان لم يكن خمرا الا انه الحق بالخمر حكما وتعبدا ؛ وان خرج موضوعا  ؛ وهذه بعضا من الروايات القليلة المنسوبة لائمة ال البيت حول الفقاع  -(البيرة او ما كان يطلق عليه لدى البعض : ماء الشعير  ) -  والتي تبين لنا انتشار ظاهرة شرب الفقاع بين الناس وتساهلهم في امره ؛ اذ كان يباع في الأسواق العامة  ... : ((خمرٌ استصغره الناس )) وفي بعض الأخبار هو : ((خمر مجهول )) . (5) 

ويُورِد جاي بروكس، وهو مدون وخبير في البيرة والخمور، في تدوينة عن آلهة القدماء المرتبطين بالخمر، ثماني آلهة وإلاهات لدى السومريين والبابليين والآشوريين لهم علاقة بالخمور، أبرزهم اﻹلهة «نينكاسي»، وهي الإلهة السومرية المسؤولة عن حفظ البيرة، المشروب القومي حينذاك. وقد اعتبر العراقيون القدماء شرب الخمر شرطًا للتحضر؛ فنجد في ملحمة جلجامش أن الرجل المتوحش أنكيدو (رفيق جلجامش)، في طريقه للحضارة، يتعلم شرب الخمر، إذ يقول النص: «لقد تناول الجعة سبع مرات، ما أدى إلى تحرر روحه، وراح يهتف بصوت عالٍ، وقد امتلأ جسمه بحسن التكوين، وأشرق وجهه».

وكانت مسلة حمورابي قد أولت اهتماما خاصا بالخمر فأوردت قوانين تفصيلية لتنظيم صناعتها وتوزيعها وطرق شربها، وقواعد لساقيات الخمر وبيوتهن، وعقوبات قاسية بحق من يغشها أو يخالف القوانين... .

والعراقيون  - بهذه الآراء حول الفقاع والنبيذ -  قد سبقوا ؛  كلا من هوميروس القائل : ((عندما يتعب الرجل ، يكون النبيذ معيدًا عظيمًا للقوة. )) ... ؛ و روبرت موندافي القائل : ((كان النبيذ مع الإنسان المتحضر منذ البداية. ))  . 

ولعلك تسال ما علاقة النبيذ بالفقاع ؟! ؛ البعض اخرج النبيذ من موضوع الخمر ايضا ؛ بل اخرجه البعض الاخر حكما وموضوعا  عن الخمرية ؛ لذلك اختلف فقهاء العراق عن جمهور فقهاء المسلمين في تحريم الخمر؛ فبينما حرم جمهور الفقهاء كل أنواع الخمر قليلها وكثيرها ، خالفهم الإمام أبو حنيفة العراقي النبطي  وتلميذه الإمام أبو يوسف -  قاضي القضاة لهارون الرشيد والمدفون في مرقد الامام الكاظم  - ، وجمهور الأحناف ؛ فقد كانوا يرون أن الخمر المحرمة هي نبيذ العنب المُسكِر فقط ؛ و البعض ادعى ان العرب كانوا يطلقون اسم الخمر على الشراب المسكر المتخذ من العنب فقط ، أما إذا لم يُسكِر أو كان من غير العنب ؛ كأن كان من الشعير أو العسل أو التمر أو القمح أو التين ... ؛  فليس حرامًا ؛  واشتهر هذا الرأي بأنه «مذهب أهل العراق في الخمر»...؛  وقد ذكروا مسألة شُرب نبيذ التمر والعنب والأشربة المصنوعة من الشعير والذرة والعسل وغيرها ؛  وإن كانت مشتدة ـ ( مسكرة ) ـ وجواز شرب هذه الأشربة ما لم يصل شاربها إلى حد السكر ، وأن القليل منها مباح ، وساق الحنفية أدلة كثيرة جدا على ذلك مبسوطة في كتبهم ... ؛ وهذا ما أكده  ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد ؛ اذ قال : ((  وأما الأنبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر، وأجمعوا على أن المسكر منها حرام فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين: قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام، وقال العراقيون: إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين: إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين، وسبب اختلافهم تعارض الآثار والأقيسة في هذا الباب... )) .

 وقد ذهب أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى : ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حلال ... ؛ وكذلك ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف الى إباحة نبيذ العسل والشعير وغيرها مطلقا ولا يرون الحد على من سكر منها ... ؛ والسمرقندي صرح بالإباحة - أي أن من سكر منها لم يأثم بله الحد.( 6 ) 

وذهب ابن حزم الأندلسي  الى  أن شرب نقيع الزبيب إذا طُبخ، وشرب نقيع التمر إذا طبخ، وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، وإن أسكر كل ذلك، فهو حلال، ولا حد فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر... ؛ بينما يرى الحافظ الأندلسي، في التمهيد في شرح الموطأ، أن فقهاء أهل العراق قالوا إنما الحرام منها المسكر، وهو فعل الشارب، وأما النبيذ في نفسه فليس حراما، ولا نجسا، لأن الخمر من العنب... . 

بل جاءت روايات شيعية منسوبة لائمة ال البيت في كتب الشيعة الحديثية والروائية تكشف عن شيوع هذه الظاهرة بين العراقيين ؛ (( فقد جاء عن فرات بن أحنف قال : كنت عند أبي عبدالله عليه ‌السلام إذ دخل عليه رجل من هؤلاء الملاعين فقال : والله لاسوءنه في شيعته ، فقال : يا أبا عبدالله أقبل إلى ، فلم يقبل إليه ، فأعاد فلم يقبل إليه ثم أعاد الثالثة ، فقال :ها ... ؛ أناذا مقبل ، فقل ولن تقول خيرا .

فقال : إن شيعتك يشربون النبيذ ، فقال :وما بأس بالنبيذ ، أخبرني أبي عن جابر بن عبدالله أن أصحاب رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌و آله  كانوا يشربون النبيذ ... )) و كذلك ورد : ((عن أبي الصباح ، عن أبي عبدالله عليه ‌السلام قال : سألته عن النبيذ والخمر بمنزلة واحدة هما ؟  قال : لا إن النبيذ ليس بمنزلة الخمر ، إن الله حرم الخمر قليلها وكثيرها... )) . 

وانا هنا لست في صدد المناقشة لهذه الآراء و النظريات وتتبع الاحتمالات والتشعبات او حل الاشكالات الفقهية التي تخص هذا الموضوع  من حيث التحريم والاباحة  ... ؛  وإنما اريد  أن  ابين المراحل التاريخية  والمعطيات الأنثروبولوجية التي مر بها موضوع الخمر والفقاع والنبيذ ... .  

وقد عرف العراق الخمريات على يد المسلمين  - ايضا - منذ دخولهم إليه ؛ فروايات فتح العراق في عهد عمر بن الخطاب تحكي عن الفارس المجاهد أبي محجن الثقفي، الذي جلده الخليفة لشربه الخمر فأعلن توبته، ثم عاد إليها فمنعه قائد الجيش سعد بن أبي وقاص من المشاركة في معركة القادسية، وقد بلغت شدة تعلقه بالخمر أن أوصى ولده :

إذا مِتُّ فَادفِنِّي إلى جَنبِ كَرمَةٍ ... تَروِي عِظامِي بَعد مَوتي عُرُوقها

ولا تَدفِنَني بالفَلاة فإنَّني ...  أخافُ إذا مَا مِتُّ أن لا أذُوقَها

بل قد جاء في بعض الاخبار والروايات ان : (( ... ابن عباس والعباس كانا يصنعان النبيذ ويسقيانه للناس وشربه الرسول ... )) . 

و جاء اسم «الكحول» من الكلمة العربية «كحل»، وهو الاسم الذي ما يزال مستخدمًا إلى اليوم في معظم اللغات... ؛ وقد طوَّر العالم العراقي  جابر بن حيان ، الذي عاش وعمل في الكوفة ، آلة للتقطير ، واستخدمها في تقطير العطر والكحل ، ثم استخدمها العالم أبو بكر الرازي فيما بعد لتقطير الكحول ...  ؛ وجاء اسم «الكحول» من الكلمة العربية «كحل» ، وهو الاسم الذي ما يزال مستخدمًا إلى اليوم في معظم اللغات... ؛  وقد كان لهذا الاختراع أهمية كبيرة جدًا في تاريخ المشروبات الكحولية ؛ فقبل هذا الاختراع كان العالم يشرب الخمور (النبيذ، البيرة) بدلًا من المشروبات المقطرة (العرق، الويسكي، الفودكا...) ؛ و العراقيون كالعادة كانوا أصحاب فضل على العالم في اكتشاف المشروبات المخمرة ، وأصحاب فضل على العالم في اختراع التقطير الذي طور أنواع الخمور الأخرى المعروفة اليوم ... . 

و لقد أجمع  المؤرخون والمختصون على أن الحكام الأمويين  في الشام والعراق وباقي الامصار كانوا يشربون الخمر  ... ؛ ولعل العصر العباسي كان أزهى عصور الخمر في تاريخ العراق،  وذلك ﻷن تفاصيل مجالس اللهو فيه وصلتنا عبر عشرات المصادر ، ولم يُعرَف عن الخليفتين الأولين أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور منشئ بغداد ، أنهما شربا الخمر ، وإن وردت قصص عن تسامح الثاني مع الشاربين من الشعراء الذين استحسن قصائدهم مثل ابن هرمة، أما خلفاؤهما فعُرف عنهم جميعًا شرب الخمر، فاشتهر ذلك عن المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم ومن تلاهم... ؛ وسيكون بمقدورنا تصور ما بلغته الخمر في عصر العباسيين حين نقرأ شعر أبي نواس، الذي كان نديمًا للخليفة الرشيد ثم ابنه الخليفة الأمين من بعده، وله في الزندقة والمجون والتغزل بالجواري والغلمان أبيات كثيرة،  و منها :

دَعِ المساجِدَ للـعُبَّاد تَسكُنُها .. وطُفْ بِنَا حَولَ خَمَّارٍ لِيَسقِينَا

ما قَالَ رَبُّكَ وَيلٌ للذِينَ سَكِرُوا .. ولكن قال وَيلٌ لِلمُصلِّينَا

ويُكذِّب كثير من الإسلاميين كل ما يروى عن معاقرة الخلفاء عمومًا، والرشيد خصوصًا، للخمر، ويزعمون أنهم كانوا صالحين مجاهدين لا يمكن أن يشربوها، مع أن المصادر التي تروي سُكرهم هي المصادر ذاتها التي تروي جهادهم، وقد ثبت أن الصحابة أنفسهم ارتكب بعضهم الزنا وشرب بعضهم الخمر، فقد لا يتعارض أن يكون المرء مجاهدًا صالحًا مع ارتكابه بعض المعاصي، وروايات شرب العباسيين للخمر بالآلاف فلا سبيل ﻹنكارها.

ويمكن تتبع أخبار الخمر عند العباسيين بالذات في مئات المصادر الإسلامية، أشهرها على سبيل المثال: «الأغاني» ﻷبي الفرج الأصفهاني، و«تاريخ الطبري»، و«البداية والنهاية» لابن كثير، و«الأذكياء» و«أخبار الحمقى والمغفلين» لابن الجوزي، و«البيان والتبيين» و«الرسائل» للجاحظ، و«العقد الفريد» لابن عبد ربه، و«المستطرف» للأبشيهي ، وغيرها من كتب الأدب والتاريخ والسير والطبقات والمعاجم والتراجم. للاستزادة، ارجع إلى دراسة بعنوان مجالس اللهو في قصور الخلفاء في العصر العباسي الأول .

الخمر طريقًا إلى الله

عبر احد الكتاب عن علاقة الخمر ببعض الاديان والمذاهب و رمزيته الدينية  بالعنوان اعلاه - الخمر طريقًا إلى الله – ؛ فالخمر ليس  شرابًا  للعديد من العراقيين فحسب ، بل إنه يدخل في صلب أديان عريقة في بلاد الرافدين ، على رأسها المسيحية ، التي وُجدت في العراق منذ ألفي عام تقريبًا ، ويُعد سر «التناول» أحد الطقوس الأساسية التي تمارسها معظم الكنائس العراقية... ,  والتناول هو أحد الأسرار الكنسية ، إذ يُتناول الخبز والنبيذ ليختلط جسد المسيح ودمه بجسد ودم المُتناوِل .

أما الإيزيديون فيصومون ثلاثة أيام في شهر ديسمبر ، وفي نهايتها يفطرون بشرب الخمر مع رجال الدين الذين يطلق عليهم «البير» ، كما يمارسون طقسًا مشابهًا للتناول ، فيأكلون الخبز مع النبيذ... ؛ ويستخدم الصوفيون المسلمون الخمر رمزًا لله والسكر في حبه؛ فقد شبهوا الغياب في الوجد بالغياب في السكر، واستعاروا كثيرًا من مصطلحات الشراب وما يدور حوله لقصائدهم. يقول الإمام العراقي عبد القادر -  الجيلاني او الجيلي  - و المشهور بلقب «قطب بغداد»  - أحد أعلام المتصوفة وإليه تنسب الطريقة القادرية - :

شَرِبتُ كَأسينِ كَأسٌ مِن مَحَبّتَكُم .. وَكأسُ صَرفٍ عَلَى مَصروفِ أَدنانِي

وقد ذكر الخيام الخمر في رباعياته كثيرا ؛ اذ قال فيها : 

سمعتُ صوتاً هاتفاً في السّحَر ××× نادى مِن الحانِ: غُفاة البشَر

هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن ×××  تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر

وقال : 

أفق وهات الكأس أنعمُ بها ××× واكشف خفايا النفس مِن حُجبها

وروّ أوصالي بها قَبلَما ×××   يُصاغ دنّ الخمَر مِن تُربها

وقال : 

هات أسقنيها يا مُنى خاطري ××× فغايةُ الأيام طولْ الهجود

هات أسقنيها أيهذا النديم ××× أخضَب مِن الوجهِ اصِفرار الهموم

وإن أمُتْ فاجعَل غسولي الطلى ××× وقدَّ نعشيَ مِن فروعِ الكروم

وقد ذكرها الشيخ النراقي – احد علماء الشيعة -  في كتابه الاخلاقي ( جامع السعادات ) ؛ اذ استشهد بقول الشاعر : 

رقَّ الزجاجُ وَرَقَّت الخمرُ ××× وَتشابها فَتَشاكل الأَمرُ

فَكَأَنَّما خمرٌ وَلا قَدحٌ ××× وَكَأَنَّما قَدحٌ وَلا خمرُ

كما تغنى بها السيد المجاهد  والمرجع الديني العراقي محمد سعيد الحبوبي ؛ وذكرها في 27 قصيدة – الخمريات – في ديوانه الشعري ؛ ومما قال فيها : 

ايّها الساقي ومن خمر اللمى ××× نشوتي فآذهبْ ببنت العنَبِ

أين هذا الخمر من ذاك الرضاب ××× وهو عذب للمعنىّ وعَذاب

فآسقنيها من ثناياها العَذاب

ومما مر عليكم ساداتي ؛ تبين لنا استمرارية  شرب الخمر والبيرة واحتساء النبيذ  في بلاد الرافدين ؛ و في كل العصور و العهود والحقب ؛ ولم ينقطع هذا الامر الى يومنا الحاضر ، ولم نسمع يوما بمنعه عن العراقيين او امتناع العراقيين عنه ؛ باستثناء القرارات المنكوسة التي صدرت من الارعن التافه العميل صدام وعزت ابو الثلج اثناء فترة الحصار ... ؛ وها نحن نسمع  من جديد هذه النغمة النشاز  خلال السنوات القليلة المنصرمة وفي هذه الايام والتي تريد تكرار تجربة الحملة الايمانية الصدامية واعادة القوانين الداعشية ؛ مرة اخرى في ربوع بلاد الرافدين . 

فلا يُعقل في بلدٍ يحوي تنوعًا دينيًا ومذهبيًا وثقافيًا ويحمل تاريخًا غنيًا وممتدًا مثل العراق أن يتم حظر الخمر، وبخاصةٍ أن الحظر في حقيقته مرتبط بمصالح ضيقة لنواب البرلمان المتشددين، بل إن المفارقة أن هؤلاء النواب يزعمون أنهم يحاربون داعش كونه فصيلاً متشددًا يصادر الحريات، لكن ممارستهم على أرض الواقع لا تبعد كثيرًا عنه . (7)  .

(3)

قلناها وسنكررها : بلاد الرافدين تعج بمختلف الاقوام والعشائر والاديان والمذاهب والآراء والافكار والعادات والتقاليد والاتجاهات ... ؛ بل ان العائلة الواحدة العراقية بحد ذاتها جمهورية مصغرة ؛ فالأب في واد والام في اخر , والاولاد بأحزابهم وعقائدهم المختلفة فرحون ... ؛ وعليه لابد للمشرع العراقي وفي هذا العهد الديمقراطي الجديد مراعاة كل الاديان والفئات والأشخاص الذين لا يحرمون شرب الخمر وفقا لأديانهم او توجهاتهم الفكرية والعقدية ... ؛ بل حتى المسلمين انفسهم مختلفون ؛ اذ نشأ الخلاف فيما بينهم حول حرمة الفقاع ( البيرة ) ,  والنبيذ ؛ لذلك ذهبت الحنفية الى جواز شربه ... ؛ بل أن كثيراً من المسلمين باتوا مسلمين بالاسم فقط ؛ ففيهم : الملحد , واللاديني  , والعلماني , والشيوعي , واللا ادري , واللامنتمي , واللا ملتزم دينيا  , و ( المضيع صول جعابه ) ... لذلك نلاحظ كثرة تناول شرب الخمور في العراق ذي الغالبية المسلمة  وعلى الرغم  من تحريم الاسلام  ... ؛ ناهيك عن كثرة الاجتهادات فيما بين المتدينين انفسهم ؛ فمنهم من يحرم هذا الامر ومنهم من يجوزه ... وهكذا دواليك ؛  وليس من اللائق بالأمة العراقية ان يحدد مصيرها طبقة محددة من الساسة او شرذمة من المؤدلجين ؛ بينما ينفتح العالم على الأفكار الجديدة والحريات وإعطاء الإنسان حق الاختيار ... ؛ ومن البلية ما يضحك فها هي بلاد الحرمين تفتح الملاهي والنوادي الليلية في جدة  , وتسمح ببيع الخمور في الرياض ؛  بل اصبح المواطن السعودي يأخذ معه امرأة ويحجز غرفة لهما في احدى  الفنادق من دون ابراز هويات شخصية تثبت علاقة الطرفين ...!! ؛ بينما نحن نتراجع القهقرى ونركض الى الوراء ؛ ولا ادري كيف سمح المشرع العراقي لنفسه انزال نفس العقوبات بحق المسيحي واليهودي والصابئي والايزيدي الذي يبيح له دينه شرب وبيع الخمر ...؟!  

الحكومات الوطنية الراقية تخصص اماكن مختلفة ومتنوعة لكل اصناف البشر والمواطنين  ولكل الاعمار واصحاب الميول  ؛ وكل شخص منهم  يمارس هوايته او متعته في هذا المكان المخصص له والمجاز قانونيا ؛ اذ تجد في تلك البلاد : ملاعب لكرة القدم ولعبة الغولف والتنس ... الخ ؛ والساحات المليئة بالأجهزة والآلات والالعاب الرياضية , ومدن العاب الاطفال , والمسارح ودور السينما والرقص والموسيقى  ؛ والحدائق العامة والعامرة بمختلف الاشجار والورود والازهار والنباتات والنافورات  , وبحيرات السباحة الاصطناعية , ناهيك عن تهيئة المرافق العامة عند شواطئ البحار وضفاف الانهار ... , وتوفير المراسم لهواة الرسم , وانتشار الملاهي والنوادي الليلية  , وصالات القمار ,  وجزر العراة المغلقة , واماكن تناول المشروبات الكحولية وممارسة الجنس ... الخ ؛ وللمرة الالف اقولها واصدع بها لمن يحاول الاصطياد في الماء العكر : شتان بين حياتي الشخصية وهذه المواضيع العامة ؛ فليس كل امر ادافع عنه افعله وامارسه ولا كل امر اعارضه شخصيا ولا ابيحه لنفسي احرمه وامنعه على الاخرين ؛ وكما قال فولتير : (( قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك )) ؛ فقد تبيح القوانين الوضعية والاديان أمرا ما ؛ ولكنني اجد  نفسي تعافه و وجداني يرفضه وعقلي يعارضه ... ؛ وقد تمنع القوانين وبعض الاديان والمذاهب والاجتهادات الدينية أمرا ما ؛ الا انني في قرارة نفسي اقره واجيزه واعمل جاهدا  على تغيير وجهة نظر المشرع القانوني والديني تجاهه ... ؛ وقد يلجأ العاقل  الى بعض القرارات من باب : بعض الشر اهون   ؛ وقد ورد عن  محمد ابن ادريس الشافعي : " رأي مخالفي خطأ يحتمل الصواب ورأيي صحيح يحتمل الخطأ"... ؛ وكما انني شخصيا  افهم من هذه  الآية القرآنية  : " الذين يستمعون القول ويتبعون احسنه" ... ؛   ان تستمع الى كل الاقوال  والآراء والرؤى ... و من ثم تقارن بينها  وتعرضها على بسط البحث العلمي والمنطق ؛ كي تتبع احسنها وافضلها ... ؛  ولا تجعل سمعك  حكرا على طائفة معينة من الآراء والافكار والمعتقدات ... ؛  بل تستمع  الى الكل الثقافي والمعرفي والفكري ... ؛  و تتبع  الذي تراه جيدا ... ؛ ولكن هذا البحث عن الحق والسعي خلف الحقيقة لا يعطيك الحق في فرض اراءك بالقوة على الاخرين او تضييق الخناق عليهم او تسفيه آرائهم بالطرق الهمجية والبدائية ... نعم من حقك ابداء رأيك ومناقشتهم بالتي هي احسن .

وأعتقد أننا ك امة عراقية عريقة وكبيرة ؛  يجب أن نكون واضحين مع أنفسنا بشأن العقد الاجتماعي المرتقب والدستور الذي يحميه ويصونه ،  ولابد لنا عند البدء بهذه المهمة الشاقة دراسة التاريخ العراقي بإمعان و معرفة الادوار التاريخية التي مرت بها اقوام العراق والشخصية العراقية وما هي النتائج الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية ...  الخ ؛ التي تمخضت عن تلك الادوار ... ؛  وعليه هل تنشد الشخصية العراقية الحرية الكاملة – من دون قيود وشروط – ام لا حرية منقوصة او بتعبير اخر محددة ومشروطة بعدة ضوابط وشروط قانونية ودينية ؟ ... الخ ؛ وكم هي نسبة المواطنين الذين يطالبون بالحرية المطلقة والاخرين الذين ينشدون تطبيق الحرية المشروطة ؟ ؛ وهل يجوز ويصح فرض ارادة الاغلبية على الاقلية ؟ ؛ ولماذا لا تشرع قوانين عادلة تضمن حريات الجميع وكلا حسب توجهه وعقيدته وتنظم تلك الحريات بقوانين صارمة ؟! .

كلنا نعاني  من التعصب و مشكلة فرض رأينا الشخصي على مخالفينا ، او فرض راي الاقلية على الاكثرية , او الحزب الفلاني او الفئة الحاكمة على الاخرين بقوة السلاح والقانون والسلطة ... الخ ؛   فالبعض يمنع دخول الفنانين والمطربين والمطربات الى العراق بحجة التحلل الاخلاقي ... ؛ بينما يعارض البعض الاخر دخول الدعاة ورجال الدين الى العراق بحجة الطائفية وتأجيج الفتنة ,  وعندما يمنع دخول الكتب الالحادية او التي تحمل بين مضامينها اراء جريئة ومخالفة لما هو سائد  الى العراق ... ؛  يستميت الليبراليون  والعلمانيون والشيوعيون في الدفاع عن حرية الرأي وقانونية دخولها ، بينما نجدهم غير مهتمين حين  تمنع كتب دينية من الدخول الى مكتبات العراق ... ؛ و من يمانع وجود قناة تلفازية  وفضائية مثيرة للجدل تجده يؤيد وجود قناة أخرى مثيرة للجدل برأي مخالفيه ... ؛ وعليه يجب  الاتفاق على العقد الاجتماعي والميثاق الوطني ومن ثم كتابة دستور يترجم ما جاء في العقد الاجتماعي وما اتفق عليه العراقيون بمختلف مشاربهم واقوامهم وعقائدهم ... الخ ؛ وعندها لو اتفق القوم كما فعلت الاقوام المتحضرة قبلهم على مبدأ رعاية حقوق الانسان واطلاق الحريات الشخصية والعامة كاملة من دون قيود او شروط – طبعا باستثناء الشروط الدستورية ومراعاة القوانين الوطنية - ؛ يجب على المواطن العراقي الدفاع عن معتقدات المواطن الاخر المختلف معه  بالراي كما يدافع عن معتقداته ... ؛  باختصار يجب على المواطن العراقي عندها عدم محاربة واقصاء  الآراء والافكار والمعتقدات التي تتعارض مع افكاره ومعتقداته ... ؛ و وقتذاك يصبح شعار : ((الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية )) واقع معاش وتجربة اجتماعية حية وملموسة في كافة مرافق  واماكن الدولة والوطن العامة والخاصة ... ؛ فعندما تؤمن بأن كل شخص يختلف عن الاخر ليس في بصمة ابهامه فحسب بل في كل شيء ؛ وتدرك انه من الصعب ارغام الجميع على العيش  وفق نمط معين من الحياة او اعتناق عقيدة ما ... او اجبارهم على سلوك نهج فارد والاعتقاد بفكر واحد  ... ؛  وتعترف بتغير الانسان المستمر – اذ دوام الحال من المحال كما قيل قديما - ؛ بالإضافة الى انتشار مفهوم النسبية بين بني البشر ؛ فكل ما حولنا في هذه الحياة هو نسبي، فالجمال والقبح، الذكاء والغباء، القوة والضعف، السيادة والعبودية، المعرفة والجهل، والسعادة والضنك، وحتى القيم الإنسانية والمُثل كلها نسبية، وباختصار فإن كل ما هو ضمن حدود إدراكنا البشري المتواضع يعتبر نسبياً ؛ فعلى سبيل المثال مفهوم السعادة في نظر الناس نسبي، فربما تكون لأحدهم في الحصول على المال والثروة، وبالنسبة للآخر في المركز والجاه، ولثالث في راحة البال أو الصحة، ولرابع في العيش مع مَن يحب، وهناك من يرى أن قمة السعادة في المعاناة التي يتكبَّدها ليصل إلى نجاح أو إبداع كالأديب والفنان والعالم .‏..  ؛ حتى أعمارنا كبشر يعتبرها البعض نسبية، تُحسب بمقدار إحساسنا بما فيها من سعادة وجمال وانسجام وتفاعل مع المحيط والأفكار، وليست بمقدار ما نحياه من أيام وسنوات.

حتى بعض  القيم الثابتة والمُطْلقَة في الاسلام والاديان الاخرى ، تتغير بتغير الزمان أو المكان ، أو باختلاف الظروف والأشخاص ، و وفقا للاجتهادات الدينية والفقهية ... ؛ وان ادعوا ان المفاهيم والتصورات ثابتة وكما هي الا ان مصاديقها الخارجية وتطبيقاتها الواقعية تخضع للعناوين الفقهية الاولية والثانوية او دائرة توسيع او تضييق مصادق هذا المفهوم او ذاك ... ؛ فالمثالية ليست واقعا , و كل هذه القيم ستراها في الدنيا نسبية،  وتختلف من جهة لأخرى ، فلا تتعب نفسك بالبحث عن المثالية المطلقة ؛  قطعاً لن تجدها على وجه الأرض... ؛  فمَن منا يستطيع أن يكون نزيهاً أو حيادياً 100% في حياته ومعاملاته ؟!  ... ؛ لا أعتقد بوجود إنسان يتمتع بصفات خالصة، فهي طبيعتنا كبشر، خُلقنا من تراب، وليس فينا ملائكة، فنحن مزيج من الخير والشر، المهم ألا تكون الغلبة للشر دائماً، وأن يكون لدى الإنسان القدرة على ضبط الشر الذي يكمن بداخله ولا يظهره، حتى إن تعرَّض للاستفزاز أو للظلم ... ؛ ولأن عالمنا يفيض بالاختلافات والتناقضات، لذا فالحكم بالمطلق القطعي لن يجلب لك إلا مزيداً من الشقاء والتعاسة، أما النظر والحكم بالنسبي فسيجلب لك الراحة والرضا، ويجعلك أكثر منطقية وواقعية وانسجاماً مع محيطك ... ؛ فما كان مألوفاً ومقبولاً في أزمنة ومجتمعات معينة أصبح محظوراً ومرفوضاً أو مستهجناً في أزمنة ومجتمعات لاحقة، فظاهرة العبيد التي كانت طبيعية ومقبولة وجزءاً من النسيج المجتمعي في عصور سابقة، وحتى في عصر النبوة، أصبحت غير مقبولة على الإطلاق في أيامنا هذه، ومن جميع الديانات، ووفقاً لكل القوانين ... ؛ إن البشر لم يتفقوا يوماً ولن يتفقوا في الحكم على الأشياء والأفكار، ذاك أن منطلقاتهم الدينية والفكرية والثقافية وظروف البيئة مختلفة ومتنوعة، لذا فمعايير ومقاييس الأحكام لن تتشابه، وعليه سيظل الاختلاف هو سيد الموقف . (8)   لذا اصبح داء الحكم على الآخرين داء عضال، ساهم في تقسيم المجتمع ونخره ، كما ساهم في تصنيفه إلى فئات متعدِّدة متناحرة ، ولذلك نحن في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى أن نوعِّي  ابناء المجتمع العراقي  بأضرار إطلاق مثل هذه الأحكام على الآخرين ، وتعريفهم بالآثار السلبية  المترتبة على مثل هذه التصرُّفات للتوقُّف عنها وحماية المجتمع من آثارها المدمرة ؛ فليس كل من احتسى كأس من الخمر صار : (( عفطي ,  وساقط , وعركجي  , ويطوطح بالشارع , وسكران ما يدري بنفسه , ومخربط , ومسربت , ودايح  ... الخ )) بل على العكس قد تجد الشهامة والشجاعة والكرم ومكارم الاخلاق في بعض الذين يحتسون الخمر والتاريخ والواقع مليء ب الاف الشواهد التي تؤكد ما ذهبنا اليه ... ؛ فلا تستنقص من احد ولا تستهزئ بفكر وسلوك مواطن ما ؛ بل حاول تفهم ظروف الناس وادرس دوافع السلوك البشري ... ؛ واعلم بأننا لو نشأنا في نفس ظروف الاشخاص الذين تنتقدهم وتسخر منهم ؛  وتعرضنا لما تعرضوا اليه ؛ لفعلنا كما فعلوا ... ؛ وعليه ان كنت خائفا على ابنك من شرب الخمر انصحه وراقبه وتابعه ؛ فليس من المقبول ان يكون خوفك مبررا لغلق مصانع ومعامل انتاج الخمور ومحلات بيعها وحرمان الناس من مواردهم الاقتصادية ومن سعادتهم و التدخل في حرياتهم وشؤونهم الشخصية لأجل سواد عيون ابنك الذي لا تستطيع كباح  جماحه في شرب الخمر  .

(4)

مبررات ومسوغات القرار :

1-وقال محمد الحسن  - النائب في البرلمان  ورئيس اللجنة القانونية في البرلمان -  : ((هذا القانون ضروري من أجل المحافظة على هوية العراق كبلد إسلامي  ))  ... منذ صدر الاسلام الاول وبعض المسلمين يشربون الخمر ؛ حتى ان ابن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان يشرب الخمر ؛ وكذلك شاعر اهل البيت النجاشي كان يشرب الخمر وهو ساكن  في عاصمة حكم الامام علي  في الكوفة و كذلك شاعر اهل البيت الفرزدق  كان يشرب الخمر ؛ وقيل ان العالم العراقي الكوفي الكبير الكسائي كان يشرب النبيذ و يأتي الغلمان! ؛ ناهيك عن حكام بني امية وبني العباس وحكام الدولة العثمانية والصفوية والقاجارية ... الخ  ؛ ومع كل ذلك لم تنتف هوية الاسلام عن تلك المدن والدول ... ؛  اذن لماذا عندما يشرب بعض المواطنين العراقيين – ( المكاريد ) -  الخمر تتهدد هوية البلد الاسلامية ؛  بينما البلد غارق في المعاملات الربوية المجحفة والفساد والرشاوى والمحسوبية والظلم في كافة دوائر الدولة ؛ ناهيك عن عشرات الظواهر السلبية والموبقات الاخلاقية ؛ فضلا عن العمالة والخيانة ... الخ ؛ كل هذه المثالب لا تهدد هوية العراق الاسلامية فقط ( بطل البيرة ) ...؟!  ؛ وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية نشرت إحصائية عام 2014، حل فيها العراق في المرتبة الـ12 عربياً في استهلاك الكحول بمعدل 9.1 لترات سنوياً ؛  وقد تصدرت الإحصائية تونس والإمارات العربية المتحدة... ؛ كل هذه الدول العربية  - 11-  والتي تستهلك الخمر اكثر منا لم تخاف على هويتها الاسلامية الا نحن فقط ؟! 

2-وقال النائب عمار طعمة لفرانس برس: "وفقا للدستور، لا يمكن سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام" ؛ وأضاف أن "أضرارها (المشروبات الكحولية) كبيرة جدا على المجتمع، من خلال الفساد والإرهاب وجور متعاطيها على عوائلهم، أكثر بكثير من منافعها"... ؛ وفي ما يتعلق بمخاطر توجه البعض نحو تعاطي المخدرات، قال طعمة إن "المخدرات ممنوعة"... ؛ وعن تأثير القانون الجديد على نسبة البطالة، أوضح قائلا: "يمكن أن يتم معالجة ذلك من خلال توفير فرص عمل".

اما فيما يخص الاسلام فقد اجبنا عن ذلك انفا ؛ ناهيك عن الاجتهادات والتفسيرات المختلفة والتي تخص مواد الدستور العراقي  ؛ بالإضافة الى ان مشهور علماء الشيعة يذهبون الى تعطيل الحدود في عصر الغيبة ؛ وكذلك مشهور علماء الشيعة يذهبون الى الولاية الخاصة للفقيه ؛ فليس من وظيفته اغلاق محلات بيع الخمور ونشر عقائد واصول وفروع واحكام الدين بالقوة والسلطة والاكراه ... .

 ولا ادري ماذا يقصد بالفساد وما علاقته بالخمر ؟! ؛ ان كان  يقصد بالفساد ما يعرفه العالم والعراق الا وهو الفساد المالي والاداري فلعل اشهر الفاسدين هم من المصلين  ومن اعضاء الاحزاب الدينية ؛ وان كان يقصد بالفساد قضايا الاخلاق فهذه الاشكالية عويصة وليس  طعمة وامثاله  من  يحدد للمواطنين الاخلاق الجيدة من السيئة ... ؛ والاعجب من ذلك ربطه  للإرهاب  بالخمر ؛ علما ان  الارهابيين والدواعش هم من الذين يذهبون الى تحريم شرب الخمر بل وانزال اقسى العقوبات بحق بائعها وشاربها ... الخ ؛ ومن قال لك كل من شرب الخمر ظلم عائلته ؛  وان كل من حرمها ولم يشربها عامل اهله بالحسنى ؟! 

لا علاقة للخمر بما تتدعي وسوء الخلق لا يمت بصلة للخمر ... ؛ واما بخصوص خطر المخدرات فجوابك لا يقنع الطفل العراقي ؛  لان القوانين عندنا حبر على ورق , وانت تعلم والكل يعلم ان المخدرات تنتشر انتشار النار في الهشيم بينما الحكومة لا تحرك ساكنا لاقتلاع المشكلة من جذورها والقضاء عليها بصورة نهائية وحاسمة ؛ اذ لم نر من الحكومة سوى التصريحات الاعلامية المستمرة وعمليات القاء القبض على صغار التجار ومصادرة اطنان من المخدرات وامتلاء السجون بالشباب العراقيين الضحايا ؛ بينما الحدود مفتوحة وحيتان المخدرات تسرح وتمرح ؛  بل وصل الامر بالبعض انه اتهمكم  - النواب - بان اصدار هذا القرار جاء بسبب ضغوط لوبي تجار المخدرات لانعاش تجارتهم بصورة اوسع واكبر ... ؛ واما بخصوص توفيرك لفرص العمل عن اي فرص تتحدث وعن اية بطالة تتكلم ؛ انت في واد والشعب في واد اخر ... . 

(5)

  و في  هذه الأثناء وخلال هذه المعمعة والقرارات الحكومية المركزية  ، فإنّ حكومة (( اقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي ))  في شمال العراق غير مشمولة بهذا القانون الصادر عن الحكومة الاتحادية ... بينما من  المفروض ان تفرض الحكومة المركزية سيطرتها وهيبتها على كافة ربوع الوطن وبلا استثناءات عنصرية او قومية او طائفية او مناطقية او فئوية ؛ لكننا نرى الغبن الفاحش والتمييز الظالم بين مناطق الشمال وشمال وغرب بغداد وبين مناطق الوسط والجنوب العراقي المظلوم ؛ اذ تطبق القوانين الحكومية بحذافيرها وبالقوة والصرامة على  مناطق الاغلبية العراقية بينما نرى ان الحكومة المركزية تغض الطرف عن محافظات الشمال وغيرها احيانا  وتسمح  لها بممارسة كافة الاعمال التي تتنافي مع قوانين وقرارات الحكومة العراقية  المركزية ؛  فالمفروض بالإدارة المركزية  والحكومة العراقية ان تضع  انماطا متشابهة من القوانين والإجراءات الحكومية والتي   تطبق على كافة المواطنين في جميع انحاء البلاد على قدم المساواة ، وذلك لان الجميع يعيشون على ارض الرافدين ويأكلون من خيراتها ؛ والاختلاف في مناطق السكن او في الانتماء القومي والديني لا يشكل خرقا لهذه القاعدة الاساسية في حفظ كيان الحكومة والدولة والوطن ... ؛ ومع ذلك اراد المحتل الامريكي تمزيق العراق من خلال اقلمة وتجزئة العراق بصورة منكوسة وخبيثة تضر بجميع الاطراف , وان كان المتضرر الرئيسي منها هم  ابناء الاغلبية والامة العراقية الاصيلة ؛ فالمراد من هذا الامر عدة اهداف منكوسة ومشبوهة ولا تصب بمصلحة الامة والأغلبية العراقية – كما اسلفنا -  ومنها : 

  • حصر التجارة والعمل والتصنيع وحركة الاموال في محافظات شمال العراق ( كردستان) .
  • تحويل محافظات شمال العراق ( كردستان ) الى متنفس لممارسة مختلف الحريات الشخصية وتشجيع السياحة والاقامة فيها ؛ وبالتالي سحب مليارات الدولارات من  محافظات الوسط والجنوب العراقي وتجفيف ثرواته بمختلف الطرق المنكوسة وغير النزيهة .
  • كسر هيبة الحكومة المركزية واضعافها من خلال الاستهزاء بقراراتها ومخالفة قوانينها ومعارضة سياساتها ؛ مما يصير محافظات شمال العراق ( كردستان ) وكرا للتخريب والتدمير – والخارجين عن القانون -  والعمالة والخيانة والتآمر ضد مصالح الامة والاغلبية العراقية . 
  • افقار مناطق الوسط والجنوب من خلال هذه التشريعات والقوانين المشبوهة والتي تمنع تصنيع الخمور وبيعها وتصديرها ؛ فلو تحولت تلك المناطق الى مناطق تصنيع وتصدير لدول الجوار المتعطشة لتلك المنتجات الكحولية ؛ لتطورت تلك المناطق وانتعشت اقتصاديا من خلال المردودات المالية الكبيرة ؛ بالإضافة الى بيع تلك المنتجات في محافظات الوسط والجنوب بأسعار زهيدة ؛ مقارنة بما يتم الان من استغلال بشع للمواطن الجنوبي والفراتي بشتى الاعذار الواهية والقوانين الخاطئة . 
  • التضييق على اهالي الوسط والجنوب وكبت حرياتهم ودفعهم للسفر الى المحافظات الاخرى و بذل الاموال وتحمل عناء السفر  من اجل  شرب كأس من الخمر ...!! ؛ او حثهم لشراء المخدرات والقضاء عليهم بصورة اجرامية قذرة لا تقل بشاعة عن العمليات الارهابية  المرعبة والجرائم الجنائية المروعة . 
  • قتل السياحة في مناطق الوسط والجنوب العراقي ؛ لان السواح عادة ما يطلبون الخمور وينشدون ممارسة الحريات الشخصية  ؛ لكن هذا لا يعني شمول المدن الدينية المغلقة بذلك . 
  • تشجيع قيام السوق السوداء في مناطق الوسط والجنوب العراقي لاستغلال اهالي تلك المناطق وابتزازهم من قبل التجار ومافيات وزارة الداخلية وغيرها . 
  • تشغيل الايدي العاملة في محافظات شمال العراق ( كردستان ) ونشر البطالة بين ابناء الوسط والجنوب العراقي . 
  • ان السماح للاكراد  المسلمين والمسيح والصابئة واليهود والايزيديين وغيرهم  - في السابق وحاليا بالنسبة للكرد -  ؛ بممارسة تصنيع وبيع الخمور ؛ وتجريم هذا الامر على مسلمي باقي المحافظات العراقية ؛ يؤدي الى احتكار تجارة وتصنيع المنتجات الكحولية بيد تلك الاقليات وحرمان المسلمين منها , مما ينتج عن هذا الامر حصول تلك الاقليات على الثروات الطائلة جراء هذه التجارة وخسارة المسلمين لأموالهم وذهابها الى جيوب الاخرين . 
  • دفع الشباب للالتحاق بالحركات والفصائل المسلحة او اتخاذ قرارات خاطئة  كالهجرة وغيرها ؛ نتيجة لكبت الحريات الشخصية والعامة  وتضييق الخناق عليهم , وتقليل مساحات الترفيه والاسترخاء والراحة والاستجمام  في بلادهم ومناطقهم  . 
  • افراز معامل محلية بسيطة في البيوت والزوايا بعيدا عن انظار السلطة ؛ تفتقر لأبسط الشروط الصحية الواجبة توفرها في الصناعات الكحولية , مما يؤدي الى انتاج منتجات كحولية  رديئة تطغى على مكوناتها الحبوب المخدرة والمنومة ... ؛ وقد تؤدي هذه السموم الى وفاة وتسمم العديد من المواطنين ؛ كما هو الحال في ايران وبعض الدول العربية ؛ فقد تعرض اكثر من 100 مواطن ايراني في احدى المرات الى التسمم بسبب الخمور المحلية الايرانية الرديئة . 
  • اهانة الشباب والمواطنين  الذين يشربون الخمر ويحاولون ادخاله ... ؛ وابتزازهم من قبل العناصر الفاسدة في جهاز الشرطة وباقي الاجهزة الامنية ؛ مما يؤدي الى الاحتقان الاجتماعي والكبت الجماعي , وعدم شعور المواطن بالطمأنينة في بلده ومدينته  ... ؛ وكل هذه النتائج السلبية تصب في صالح الاستعمار والاعداء الاجانب وقوى الخط المنكوس الحاقدة على الامة العراقية . 
  •  تشجيع تجارة وتعاطي المخدرات في مناطق الاغلبية والامة العراقية ولاسيما الجنوب والوسط ؛  فالبعض يهدف من وراء اختفاء الخمور لكي  لتحل محلها الأدوية المخدرة التي يطلق عليها العراقيون اسم  : «الكبسلة» مثل «سيدوبيك» و«آرتين» و حبوب الهلوسة والامراض النفسية ؛ فضلا عن المخدرات بكافة انواعها . 
  • يؤدي اغلاق المصانع والمعامل ومحلات بيع الخمور والمرافق السياحية الاخرى الى تسريح الاف العاملين في هذا القطاع ؛ مما يرفع من معدلات البطالة .
  • يؤدي هذا القرار الى انعاش عمليات تهريب الخمور عبر الحدود ؛ مما يؤدي الى تعريض حدودنا للخطر وتهريب العملة الصعبة من العراق وتكوين شبكات ومافيات تهريب خطرة ؛ تتجرأ فيما بعد على ارتكاب العديد من المخالفات القانونية . 
  • ان اقرار مثل هكذا قرارات تخص الحريات الشخصية ,  و التي تتعارض مع قرارات اغلب دول العالم الكافرة والملحدة والاسلامية والمسيحية والهندوسية واليهودية والبدوية والهمجية والنطيحة والمتردية ... بخصوص هذا المجال ؛ ان دلت على شيء فإنما تدل على التخبط و افلاس الساسة والمسؤولين في ملفات الخدمات والامن الوطني والسيادة والاقتصاد ... الخ ؛ وعلى خلو الساحة السياسية العراقية من ملامح اية فلسفة حكم , فهل من المعقول ان تغض الحكومات العراقية  المتعاقبة الطرف عن الاعتداءات الاجنبية  الخارجية المستمرة ضد الاراضي العراقية ؛ فضلا عن التدخلات السافرة في شؤونه الداخلية , وعن مشكلة السكن العويصة والتجاوزات , ومشكلة التصحر وقلة المياه وجفاف الانهار والاهوار وتردي الاحوال الزراعية , وانتشار البطالة وتعطل الصناعة الوطنية , وانعدام الخدمات والبنى التحتية والكهرباء ... الخ ؛ وتناقش قضايا ( البيرة والعرق ) الوطنية المصيرية ...!! . 
  • نتيجة الى هذا القرار ستتحول البيوت إلى بارات ونوادي ليلية وملاهي ؛ وبالتالي تكون النتائج عكسية , وينطبق علينا المثل العراقي الشعبي : ((اجه يكحلها عماها )) . 
  • بما ان العراق يعمل على جذب الاستثمارات الاجنبية والاجانب واحيانا الايدي العاملة الاجنبية ؛ والكل يعلم بان هؤلاء الوافدين يشربون الخمر كالماء ؛ فهل نعطل مصالح العراق والامة العراقية العليا ؛ من اجل تشريع برلماني لا يميز بين الناقة والجمل ولا يعرف الهر من البر . 

(6)

الحلول المقترحة

  • 1- تنظم تجارة وتصنيع وتعاطي المشروبات الكحولية بقوانين صارمة تضمن الحرية الشخصية للفرد العراقي ؛ ومراعاة الجوانب الصحية والامنية والاجتماعية ؛ والمحافظة على حرمات بعض الاماكن الدينية المقدسة . 

2- تحديد ضوابط البيع والتصنيع والتصدير القانونية  او منع استيراد بعض منتجات المشروبات الكحولية الاجنبية ؛  بما يساهم في رفد عجلة الاقتصاد العراقي  ؛ فلابد من اقرار تشريعات قانونية عادلة تضمن مشاركة كافة العراقيين الراغبين في العمل في هذا المجال بغض النظر عن دياناتهم  ؛ في عمليات التجارة والتصنيع والتعاطي .

3- تحديد اماكن بيع وصناعة المنتجات الكحولية وفقا لبعض الاعتبارات الاجتماعية والدينية التي تخص هذه المدينة او تلك ؛ بشرط عدم حرمان اية محافظة من هذا النشاط ؛ وكلنا يعلم علم اليقين ان بعض سكان المحافظات التي تتواجد فيها المراقد الدينية المقدسة هم من اكثر الناس شربا للخمور ... ولكن كما اسلفنا يجب ان تكون بعيدة كل البعد عن مناطق المراقد الدينية المقدسة 

4- منع من هم دون السن القانوني من العمل في مصانع ومعامل انتاج الخمور او دخول الملاهي والنوادي الليلية او محلات بيع الخمور او ممارسة اي نشاط تجاري يتعلق بالخمور ؛ فضلا عن تعاطيها ... ؛ و التأكيد على التوعية الصحية والثقافية بهذا الخصوص ؛ وان ارتكب احد المراهقين مخالفة قانونية في هذا المجال تعرض للمسالة القانونية البسيطة بما لا يسبب له او لذويه ضرر مادي او معنوي ؛ والتأكيد على الارشاد والتوجيه النفسي والاجتماعي في كافة مرافق الدولة العامة  .

5- سن قوانين صارمة تحاسب البالغين من الذين يشربون الخمر حد الثمالة ويرتكبون احدى المخالفات القانونية وهم في حالة سكر شديد ؛ فحرية شارب الخمر تقف عند خصوصيات وحريات الاخرين ؛ وسلامة المواطنين تعتمد على مقدار كمية الخمور التي يشربها المواطن الاخر  ؛ وسلامة أرواح المواطنين اولى واهم من سعادة وسكر بعض المواطنين الاخرين ؛ فالاعتدال مطلوب في كل شؤون الحياة المدنية . 

6- تعطى اجازات الترخيص لإنشاء الملاهي والنوادي الليلية ومحلات بيع الخمور ومصانع ومعامل انتاجها وفقا لشروط وضوابط قانونية عديدة ؛ ومنها : الابتعاد عن المدارس والمنشات التربوية والتعليمية , وكذلك دور العبادة , و المناطق و الدور والشقق السكنية  , والدوائر الحكومية العامة , والاهم من ذلك كله تحديد العدد المطلوب بدقة متناهية ؛ فليس من المعقول السماح لإنشاء 100 محل لبيع الخمور في منطقة محددة لا تتجاوز مساحتها ال 10 كيلو متر مربع ... ؛ اذ لابد من مراعاة مساحة المنطقة وعدد سكانها وتوجهاتهم الدينية والاخلاقية ... ؛ وانزال  العقوبات القانونية بحق المخالفين في هذا المجال او غيره ؛ فلا فرق في المخالفات القانونية ؛ لأننا ندعو الى دولة يكون فيها القانون والدستور هو الحاكم والفيصل الاول والاخير .

(7)

وكما قال المثل العربي : السعيد من اتعظ بغيره , والشقي من اتعظ بنفسه ؛ اذ لنا في تجارب الشعوب الاخرى عبرة ؛ واليكم تجربة الولايات المتحدة الامريكية في هذا المضمار ؛ ففي بداية القرن العشرين سعت بعض المنظمات الدينية المسيحية المتعصبة جاهدة الى منع تواجد المشروبات الكحولية على الأراضي الأميركية ... ؛ حيث لم يتردد هؤلاء في مناداة الكحول بالخطيئة الكبرى لأميركا مؤكدين أن حظر هذه المشروبات سيساهم في تراجع نسبة الجريمة وزيادة التقارب بين العائلات وارتفاع نسبة الوطنية... .

وفي سنة 1917 وعلى إثر دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية الأولى، أصدر الرئيس الأميركي وودرو ويلسون بعد موافقة الكونغرس قراراً مؤقتاً بوقف إنتاج الكحول ... ؛ و خلال شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 1917 اقترح أعضاء الكونغرس الأميركي وضع قانون يهدف لحظر المشروبات الكحولية على التراب الأميركي، وفي الأثناء لقي مشروع هذا القرار استحسان العديد من كبار السياسيين... ؛ و حال دخوله حيز التنفيذ تسبب القانون رقم 18 في نتائج كارثية على الاقتصاد الأميركي، حيث أجبرت مصانع المشروبات الكحولية على إتلاف منتوجاتها وإغلاق أبوابها وقد أسفر ذلك عن تسريح العديد من العمّال مما تسبب في تزايد نسبة البطالة ... ؛ وبسبب غياب المشروبات الكحولية أفلست العديد من المطاعم الأميركية وأغلقت أبوابها. طيلة فترة العمل بالقانون رقم 18 خسرت الولايات المتحدة الأميركية حوالي 11 مليار دولار على شكل ضرائب ورسوم جمركية فرضت سابقاً على المنتجات الكحولية، فضلاً عن ذلك أُجبرت الإدارة الأميركية على إنفاق ما يقارب 300 مليون دولار من أجل تدعيم قرار حظر المنتوجات الكحولية ... ؛ و في أثناء ذلك وتزامنا مع بداية العمل بقانون حظر الكحول، شهدت الأنشطة الإجرامية ارتفاعاً مذهلاً حيث تزايد نفوذ رجال العصابات والذين عمدوا إلى تصنيع الكحول وبيعها بطريقة غير قانونية محققين أرباحاً خيالية. ولعل أبرز هؤلاء الخارجين عن القانون "آل كابوني" والذي كان يحقق بمفرده أرباحاً سنوية بلغت قيمتها 60 مليون دولار ... , إضافة إلى كل هذا ارتفعت نسبة الفساد بين رجال الشرطة الأميركية الذين لم يمانعوا من أخذ الرشوة مقابل غض النظر عن الأنشطة غير القانونية لرجال العصابات ... ؛ وخلال إقدامهم على صناعة الكحول وترويجها بشكل غير قانوني، لم يتردد رجال العصابات في استخدام مواد سامة ومضرة بالصحة، وبسبب ذلك سجلت نسبة الوفيات بسبب التسمم عن طريق الكحول ارتفاعاً واضحاً خلال فترة العمل بالقانون رقم 18 حيث تم الحديث حينها عن وفاة ما لا يقل عن 1000 أميركي سنوياً بسبب الكحول السامة ... ؛ وزادت ظاهرة  تفشي المخدرات  وراجت تجارتها التي لا زال المجتمع الامريكي يعاني منها الى هذه اللحظة ... ؛ و  ضاق الأميركيون ذرعاً من قانون حظر المنتجات الكحولية حيث تسبب الأخير في نتائج كارثية على الاقتصاد والمجتمع لترتفع تدريجياً أصوات نادت بضرورة إلغاء القانون رقم 18... ؛ وتم الغاءه عام 1933 . (9)

..............................................................................................

  • 1-فلسفة الحكم : بناء المجتمع السياسي لعراق ما بعد العام 2003 / خميس حزام والي / بتصرف  .    
  • 2- حظر الخمور خرق للدستور / عبد الجبار العتابي  / بتصرف . 
  • 3-بعد أعوام على تشريعه... تفعيل حظر المشروبات الكحولية هل يعارض الدستور؟ /بغداد – العالم الجديد  
  • 4-أيها الساقي.. وزع الكريستال / علي خنجر  / بتصرف  .
  • 5- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية المؤلف : الشهيد الثاني   / الجزء : 9 / صفحة : 197.
  • 6-فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير المؤلف : محمد بن علي الشوكاني جزء 1 - صفحة 335 / بتصرف قليل .
  • 7-أيها الساقي إليك المُشتكى: تاريخ الكحول في العراق منذ اختراع البيرة إلى منع البرلمان / أحمد سمير / بتصرف . 
  • 8-أحكامنا بين النسبي والمطلق «تجربة حياة» / أكرم رضوان / بتصرف . 
  • 9- كيف أقدمت أميركا على حظر الكحول خلال القرن الماضي؟ / طه عبدالناصر رمضان / بتصرف. 
  • 10-حول قانون منع تصنيع واستيراد وبيع الخمور قي العراق / نبيل رومايا .