د. علي بانافع
في شهر واحد تتابعت هذه الأحداث، الأولى وفاة شمعون بيريز مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي، في نفس يوم وفاة جمال عبد الناصر قبل 46 سنة، فإذا كنا سعداء بما وصلنا إليه من توازن القوى بين العرب وإسرائيل فاذهبوا إلى قبرهوضعوا الورود وإن كان تفوق واستبداد إسرائيل يؤرق ضمائركم فاذهبوا وضعوا ما ترونه مناسبا، والثاني ذكرى حرب أكتوبر وتحرير سيناء، أو نكبة استرداد سيناء كما يراها الناصريون الذين تخصصوا في تسليم سيناء لإسرائيل، ويعز عليهم أن تسترد لأن ذلك في حد ذاته تشهير أو تعريض بالزعيم الخالد، والثالث تصويت مصر في مجلس الأمن الدولي لصالح مشروع القرار الروسي حول الوضع في سوريا، الذي لم يلق تأييدا إلا من أربع دول، فحقد الروس متأصل ملةحاقدة على المسلمين وبلاد العرب ..
المتأمل لأحوال مصر، والجدل الحاصل بعد الإنقلاب يصل إلى حقائق ثابته منها: أن المصريون ساهموا بحسن أو سوء قصد في الانقلاب على الشرعية، وجلبوا وهللوا للسيسي بل أغدقوا عليه الألقاب والنتيجة معروفة هي تخريب مصر واقتصادها ولا نمو اقتصادي في ظل العسكر أو الناصريين الجدد الذين ما زالوا يتحدثون عن إنجازات التأميمات وسيئات النظام الرأسمالي، وأول حديث لوكيلهم السيسي هو مهاجمة الفساد والرأسمالية، وإعلانه أنه يهدف لإعادة توزيع الثروة، أي أخذ أموال الذين معهم وتوزيعها على الفقراء، والذين يتصورون إمكانية ازدهار اقتصاد حر في ظل العسكر أو الناصريين الجدد أذكرهم بحكاية جحا عندما تحرش به الأمير وأمره أن يأخذ خروفاً ويطعمه أفضل طعام لمدة سنة بشرط ألا ينمو الخروف ولا كيلو واحد، وأيقن جحا بالهلاك ولكن زوجته طمأنته وقالت: عندي الحل؟! وربطت الخروف في شجرة ووضعت أمامه أطايب الطعام وأعذب الماء، ثم ربطت في مواجهته ذئباً ضارياً، وقالت لجحا: لا تهتم مادام بوز الإخص هذا أمامه فلن يزيد جراماً واحداً لو أكل الدنيا وما فيها؟!
فمن جنى على مصر، التي يحكمها اليوم حاكم الجميع يتفق أنه غير صالح لها؟! ومن أين جاء هذا الحاكم؟! ومن الذي زكاه، ورفع قدره، ومن قال أنه صاحب دين، ليكون ملاكاً طاهراً واختياراً موفقاً؟! فانقلب بين ليلة وضحاها عميلاً غارقاً في وحل الخيانة ودماء شعبه، واختار السيسي نوع من الرجال ينسجمون معه في مخططه فكان منصور والببلاوي ومحلب والزند ...الخ، عينة من هذا اللون المسرف في الشطط والجريء على كل خلق ودين، وها هو -الآن- يحاول الهرب إلى الروس ليتمتع برؤية ذبح السوريين، ولا عزاء للعملاء الذين أيدوه في مصر وشاركوه في العار أبد الدهر، فكلهم عناصر مأجورة عن وعي، وعناصر تحركها أحقاد رخيصة تسيطر على مقدرات مصر وتجندها لمحاربة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها غير محققة غير هدف واحد وهو إزالة دور مصر وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي ..
فهل يُعقل أن يعود نفس الجيل الذي هَزم مصر في جميع معاركها وحولها من أغنى دولة إلى أفقر دولة في الشرق الأوسط وبنى إمبراطورية إسرائيل التي تحولت من حفنة مستعمرات أقل من مليون إلى ثالث أو ربما ثاني قوة ضاربة في العالم خلال 18 عاماً من حكم عبد الناصر؟!وكم كان زعيم الناصريين المرخص له صادقا وبارعا عندما عدد بطولات عبد الناصر فلم يشر بحرف لإسرائيل..
وها هي رمة تاريخية ظهرت منذ 2013 ويرفض البعض أن يفتح ملفها السري ليعرف المصريين والعرب سر ما حاق بأمتهم سر هذه المعجزة الكارثة!! ففي 31 أكتوبر من عام 1999 كانت طائرة البوينج 767 عائدة الي مصر قادمة من أمريكا، وكان على متنها 50 راكب منهم 35 ضابط مصري و 3 علماء ذرة وغيرهم، وقد كانوا في دورة تدريبية في أمريكا، بينما تخلف الراكب رقم 51 وهو الضابط ال 36 عن هذه الرحلة، بسبب أمر عاجل جاءه في الفندق بالبقاء في أمريكا، وعدم ركوب الطائرة مع باقي زملاءه، وتحجج لهم بأنه سيبقي في أمريكا لأمر شخصي؟!أُسقطت الطائرة بعد 55 دقيقة من إقلاعها على شاطئ ماساتشوستس بصاروخ أمريكي متطورلسبب غير معلوم؟! وقُتل كل من كان علي متنها، ولم ينجو منها الا ضابطاً واحداً فقط وهو من بقي في الفندق ولم يلتحق بزملاءه؟! هذا الضابط يدعى: عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسي، الذي غير وجه مصر المشرق وحسم الصراع لصالح اعدائها ..
فهل عاد ذو الوجه الكئيب؟! ذو النظرة البكماء والأنفِ المقوّس والندوب
هل عاد ذو الظفر الخضيب ذو المشيةِ التياهةِ الخيلاء تنقُرُ في الدروب
لحناً من الإذلالِ والكذِبِ المرقّشِ والنعيب ..
ورحم الله صلاح عبد الصبور كان شاعراً عظيماً ومبدعاً..