للقرآن الكريم منزلة عظيمة عند المسلمين، فهو أكثر كتاب اعتنوا به عناية فائقة منذ بزوغ فجره إلى يومنا هذا وإلى أن يأذن الله برفعه، وما أكثر التالين له، بل ما أكثر الحافظين له، وإن كان هناك هجر من بعض المسلمين بأنواعه الخمسة وهي: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، هجر تحكيمه والتحاكم إليه، هجر تدبره وتفهمه، هجر الاستشفاء والتداوي به.[1]

 إذن من أنواع الهجر هجر التدبر، والتدبر هو:( النظر إلى ما وراء الألفاظ من المعاني والعِبَر والمقاصد، الذي يثمر العلوم النافعة والأعمال الزاكية)[2] ، ومعلوم أن التدبر يحتاج لمعرفة المعنى، وهنا يأتي دور التفاسير، والتفاسير أنواع كثيرة وأجناس جمة، منها الطويل جدا ذي المجلدات الكثيرة، ومنها المختصر جدا الذي يهتم بالمفردات، وينبغي للقارئ أن يجعل له وردا من أحد التفاسير حتى يفهم كلام ربه، ويتدبره ليصل إلى العمل به، والتفاسير المختصرة الموجودة بهامش المصحف كثيرة، فهذه تمكنك من القراءة والنظر في معاني ما تقرأ دون الحاجة لفتح كتاب تفسير مستقل، وهنا سنذكر أهم هذه التفاسير المختصرة القيمة التي تعين المسلم في فهم كلام مولاه عز وجل:

  • المختصر في تفسير القرآن الكريم، لجماعة من علماء التفسير، وبإشراف مركز تفسير للدراسات القرآنية، وهو من أفضل وأجود التفاسير المختصرة المعاصرة، وكان نتيجة جهود حثيثة ومشتركة لثلة من علماء التفسير في العالم الإسلامي، ومن أهم مميزاته: (وضوح العبارة وسهولتها، والاقتصار على تفسير الآيات وبيان معانيها دون دخولٍ في مسائل القراءات والإعراب والفقه ونحوها، شرح المفردات القرآنية الغريبة، اتباع منهج سلف الأمة رضوان الله عليهم في التفسير -وفي بيان معاني آيات الصفاتِ خصوصًا- باتباع ما دلَّ عليه القرآن والسنة دون تأويل أو تحريف، تحرِّي المعنى الأرجح عند الاختلاف مع مراعاة ضوابط التفسير وقواعد الترجيع، ذكر بعض هدايات الآيات وفوائدها في أسفل كل صفحة؛ بما يُعِين على تدبُّرها وتمام الانتفاع بها).[3]
  • التفسير الميسر، لنخبة من أساتذة التفسير، ونشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهذا التفسير ميسر ومختصر، فهو سهل العبارة، مناسب لطالب العلم والعامي، ومن مميزاته:(تفسير الآيات وَفْق مذهب السلف الصالح في الاعتقاد، الاقتصار في النقل على القول الصحيح أو الأرجح، إبراز الهداية القرآنية ومقاصد الشريعة من خلال التفسير، كون العبارة مختصرة سهلة، مع بيان معاني الألفاظ الغريبة أثناء التفسير).[4] 
    • تفسير المدينة المنورة، إعداد نخبة من العلماء، هذا التفسير الرائع يقع في مجلدين كبيرين، وهو جهد مشترك لعدد كبير من أساتذة التفسير، ويتميز بأنه يقدم مقدمة بين يدي كل سورة ويذكر فيها مقاصد السورة، كما أن كل مقطع من الآيات يتم تفسيره يليه مباشرة فقرة الفوائد والاستنباطات، ومن مميزاته أيضا:(إيراد إعجاز القرآن العلمي والبياني في الفوائد والاستنباطات، العناية بالاستنباطات التربوية والطبية والفلكية والمستقبلية وعلوم أخرى، إضافة إلى الفوائد العقدية والفقهية والدعوية والتاريخية والبلاغة، اعتماد مذهب السلف باجتناب التأويل في تفسير آيات الأسماء والصفات )
  • تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشهير بـ تفسير السعدي للعلامة عبد الرحمن السعدي (ت:1376هـ)، ويوجد بعدة أشكال أفضلها بهامش المصحف في مجلد واحد، والتفسير هذا غني عن التعريف فقد انتشر انتشارا واسعا،  واشتهر  بين عوام المسلمين فضلا عن طلاب العلم والعلماء، وكتب الله له القبول فانتفع به الجم الغفير، (حيث جاء هذا التفسير سهل العبارة، واضح الإشارة، وصاغه على نمط بديع بعبارات قريبة لا خفاء فيها ولا غموض، فهو يعتني بإيضاح المعنى المقصود من الآية بكلام مختصر مفيد، مستوعب لجميع ما تضمنته الآية من معنى أو حكم سواء من منطوقها أو مفهومها، دون إطالة أو استطراد أو ذكر قصص أو إسرائيليات ...  بل يركز على المعنى المقصود من الآية بعبارة واضحة يفهمها كل من يقرؤها مهما كان مستواه العلمي فهو في الحقيقة سهل ممتنع يفهم معناه من مجرد تلاوة لفظه، وقد اهتم بترسيخ العقيدة السلفية، والتوجه إلى الله، واستنباط الأحكام الشرعية، والقواعد الأصولية، والفوائد الفقهية إلى غير ذلك من الفوائد ...  مع اهتمامه بتفسير آيات الصفات بمقتضى عقيدة السلف خلافا لما يؤولها بعض المفسرين)[5] وقال عن هذا  التفسير تلميذ المفسِّر العلامة العثيمين رحمه الله: (أشير على كل مريد لاقتناء كتب التفسير أن لا تخلو مكتبته من هذا التفسير القيم). 
    • زبدة التفسير بهامش مصحف المدينة المنورة للشيخ د. محمد سليمان الأشقر رحمه الله، وهو عبارة عن اختصار لتفسير الإمام الشوكاني المسمى: فتح القدير الجامع بين فني الدراية والرواية من علم التفسير، ومما جاء في مقدمته: (... وقد أردت خدمة الكتاب العزيز باختصار تفسيره هذا، لتقريب النفع به لعام المسلمين. فاختصرته على قول واحد في تفسير الآية غالبًا ...)، والتفسير مليء بالفوائد الجمة والتوضيحات حيث أنه يذكر جزء من الآية ثم يذكر معناه وهكذا، ولأهمية هذا التفسير فقد ضُمِّن بهامش الكتاب الشهير الموسوم بـ (تفسير العُشر الأخير ويليه أحكام تهم المسلم). 
    • التفسير الميسر للشيخ د.عائض القرني، الداعية المشهور والأديب المعروف، ولْندعه يبين لنا منهجه في تفسير بقوله:(...فهذا تفسير يسير سهل قريب، قدمت فيه المعاني بأسلوب مفهوم، ولغة واضحة ... وقد أعرضت عن الأقوال والخلافيات وعمدت إلى الراجح والظاهر من الآية ... وإنما اقتصرت على زبدة القول، وخلاصة الكلام، وربما أذكر بعض الحِكَم واللطائف والفوائد والأسرار ... وقد التزمت منهج السلف أهل العلم والإيمان، وجانبت مذهب المخالفين لهم). وطريقة هذا التفسير أنه يأتي بالآية كاملة ثم يشفعها بشرح مختصر لطيف، بكلام سلس عذب واضح. 
    • تهذيب تفسير الجلالين لـ د.محمد لطفي الصباغ، وتفسير الجلالين أشهر من نار على علَم، وكثير من دور طباعة القرآن جعلته في حاشية المصحف، وطبعاته اكثر من أن تحصى، وقد أوضح المؤلف سبب اختياره لتفسير الجلالين فقال:(ومن أجل كتب التفسير الموجزة (تفسير الجلالين)، وهو مع صغر حجمه من أفضل كتب التفسير فقد كتب بإيجاز محكم، وعبارته عبارة علمية مركزة، جمعت لباب ما في كتب التفسير)، وأضاف أيضا (وكلما رجعت إليه زاد حبي له وإعجابي به؛ لما أرى من دقة عبارته، وجمعه الفوائد والأحكام التي يحتاج إليها طالب العلم، مع اختصار موفق) وقد قام المؤلف -وفقه الله- بتجريد تفسير الجلالين من بعض المآخذ مثل:(التأويل في آيات الصفات، إيراد بعض الإسرائيليات الباطلة، اختيار قول مرجوح في التفسير).
  • وبعد إيراد هذه الباقة العطرة من التفاسير المختصرة يحسن بنا ذكر بعض الأمور:
    • للاستزادة عن كل تفسير يُرجع إلى مقدمته.
    • بعض هذه التفاسير مسجل صوتيا مثل المختصر في تفسير القرآن الكريم.
    • تطبيقات الهاتف تحتوي على هذه التفاسير، فمثلا تطبيق (آية) يوجد به المختصر في تفسير القرآن، والتفسير الميسر، وتفسير السعدي.
    • التفاسير المختصرة كثيرة جدا ومن أراد التوسع فيمكنه الرجوع لمقال على شبكة الألوكة بعنوان:(عرض لبعض الكتب المختصرة في تفسير القرآن) للشيخ عبدالرحمن بن معاضة الشهري، حيث ذكر 18 كتابًا، أما كتاب (التفاسير المختصرة اتجاهاتها ومناهجها) لـ محمد راشد البركة، فموسع جدا، فهو مجلد ضخم يقرب من الألف صفحة.

 فحري بالمسلم أن لا يفارقه تفسير مختصر يكشف له ما خفي عليه، ويساعده في تدبر ما يتلو، ويرشده للعمل بما يقرأ، فيحقق بذلك الغاية العظمى التي من أجلها نزل القرآن والتي ذكرها المولى في قوله:(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).

[email protected]


[1] أنواع هجر القرآن الكريم – موقع الكلم الطيب.

[2] الخلاصة في تدبر القرآن الكريم. د.خالد السبت.

 [3] بتصرف من مقدمة: المختصر في تفسير القرآن الكريم، تصنيف: جماعة من علماء التفسير. 

 [4] التفسير الميسر. نخبة من أساتذة التفسير. (بتصرف)  
 [5] من مقدمة الشيخ: عبد الله بن عقيل المطبوعة ضمن التفسير.