لون السماء اليوم أزرقٌ كالبحر .. يحاول القمر فيه هلالاً أن يختفي .. ! لكن عبثاً ، فهذا الجُرم الصغير يجيدُ الظهور في كلِّ وقتٍ متى شاء ..!
كنتُ أظنُّ أنّ عصافيرَ الرّيف تخافُ الأصواتَ العنيفة .. ههه بدتْ أشدّ احتمالاً ممن له عقلٌ وقلب .. لكنها على الأقل تحملُ جناحين تطير بهما إلى حيث أرادت ..
كلُّ ما حولي مهيأٌ جداً للكتابة ، الجوُّ يميل إلى البرودة ، والدّيكُ المبتدأ بالصياح يحاول جهده أن يثبتَ صوته في معمعة الأصواتِ حولنا ! وقلبي المتوفزُ يلملمُ شتاته من هنا وهناك ، يمرُّ بين الأزقة الخالية من المارّة بسبب حظر التجوال .. يلتقطُ نظرةً في زقاق صغير .. طفلةُ ذاتُ شعرٍ غير ممشط ، ترتدي لباس النوم .. قد سرقتها قطةٌ صغيرة إلى خارج المنزل .. تنظرُ إليها بفضولٌ عميق .. تحاول إمساكها ، تلتفتُ إلى قلبي المتسلل إليها بين الفينة والأخرى .. ثم تعودُ لفضولها مصممةً على الإمساكِ بقطتها التي أرغمتها مغادرة فراشها الصباحي الدافئ !
ماهذا ؟! .. لماذا تتجوّلُ هذه البراءة السماويّة في بلدةٍ ممتلئةٍ بالرصاص ؟!
من سمحَ لها بأن تنازعني إبتسامة من داخل شرياني ! !
كيف امتلكتَ - على ضعفها - أن ترغمني على الأمل .. على تفحصِّ الجمال بعينِ الرضا ! .. كيف استطاعتْ أن تخترقَ جدران روحي المتهشّمة والمرصوفة طوابيراً كثيرة كثيرة !!
وددتُ لو أني أغلق باب الزقاق على كلينا .. أداعب قطتها معها بودٍّ متناسيةً أحلامي التي بعثرتها في طريق تجوالي ! .. أنسى للحظاتٍ أنّني كنتُ يوماً أميرةَ إحساس أكتب عن الجمال بتفاصيله ! ، أيُّ قدرٍ ساقني إليكِ يانديّة الشَعرِ لذيذة الثغر ؟!
انتزعتُ روحي من براثن جاذبية عينيها السوداوين ، وأهدابها المكتحلة بلون البارود .. وتركتها
في طريق عودتي إلى جسدي لملمتُ بعض فوارغ الرصاص هنا وهناك .. قد أجدُ يوماً ما .. فرصةً ما .. لأجلس على حافَّة قلبي وأشتمَّ رائحة الوطن في هذه الفوارغ ..
لستُ خائفةً مما سيأتي ، لربما بات ديدنه معهوداً مكرراً جداً .. لكنّي خائفة من أنني سأفقد رغبتي في الحب مرة أخرى .. متيقةٌ أنا من أنّ الحبَّ هو الدافعُ الأول للتنفس في عالمنا هذا .. وواثقةٌ جداً بأنّنا حين نفقد الحب .. سنلفظُ آخر شهقةٍ .. وبعدها لاشيء إلا الموت
جرحْ