عُلّمنا أن معرفتنا باللغة العربية مرتبطٌ بمعرفتنا نحوها وإتقاننا إياه، وبهذا التصور الذهني صرنا نعتقد أن تعلّم اللغات الأخرى لن يتم إلا بتعلّمنا قواعدها. ولم أتوصّل حتى الآن لأسباب عدم إتقان طلبتنا النحو الأساسي بالرغم من تلقيهم إياه على مدى تسع سنوات في التعليم العام، أسباب تقنعني أقصد. أثّرت هذه الظاهرة على تعلّمهم -فيما رأيت-اللغة الإنجليزية. فتجد الطالب لا يعرف القواعد، وهي تشرح له بالإنجليزية، وليس لديه حصيلة لغوية تُمكّنه من فهم هذا الشرح وإدراكه. فيقف حيران يتنامى شعوره باللاجدوى؛ دخوله حصص الإنجليزية لا يزيده إلا بؤساً.

هذا الفصل بين القواعد والمفردات والمهارات اللغوية أوجد حاجزاً نفسياً صعّب على طلبتنا تعلّم اللغة خلال المرحلة الجامعية، لتنصدم به أساليب التعليم التي تواجه تحدياً في قاعة تضم ما لا يقل عن 40 طالباً، فيكون السؤال المُلح: ما الأجدى للطالب: إعداده للاختبار أم إعداده للحياة؟ إعداده للاختبار يعني تلقينه القرامر وتحفيظه الباراقرافات، وإعداده للاختبار يعني نحت الصخر معه وهو يحفظ المفردات ويفهمها ويتقن القواعد ويطبقها عبر المهارات. وأخبرك بما ليس بسرّ: عرفت من درّست طالبات في المرحلة الجامعية بطريقة غير تقليدية، فساءلنها يوماً: لماذا لا تشرحين القرامر كما في المدرسة؟ لماذا لا تضعين جداول؟ لماذا لا تسيرين وفقاً لترتيب الكتاب؟

أحسبُ أن معلّم اللغة الأجنبية يقف على ثلاث جبهات معاً؛ تربوية ومهارية وأخلاقيّة.

ليس سهلاً أن تتجاوز الحاجز النفسي الذي تطاول في بنائه معظم من درّسونا العربيّة لسماكته ولارتباطه بلغةٍ عظيمة أساؤا إليها من حيث أرادوا الإحسان. مهمتك أن تردمه دون أن تُقوّض مكانة العربيّة ولا أن تظهر مقتك الشديد لمن تسبب به، وتعززها في نفس المتعلم وأنه من رُسلها. لتعمل في الوقت نفسه على بذر المبادئ الأوّليّة اللغوية التي لا يصدمك وهنها الشديد أصلاً في لغته الأم، ولم يتسبب لنفسه بذلك إلى جانب جهله بمهارات التعلّم الذاتي إذ ارتبط في ذهنه أنه لن يعرف شيئاً ما لم يُعلّمه إياه معلّم. لتبقى -أولاً وأخيراً- متيقظاً لكل سانحة وشاردة تسمح لك بالمساهمة في صناعته كإنسان، فكراً وسلوكاً ومهارة. 

اللغة كُتلة واحدة، انظر لها كذلك ولا تفصّلها، إذ تقسيمها مواتها.

5 محرم 1438

آراك