كانت هذه الأيام يا جدتي سنواتي العجاف حقًا .. ولقد رحلتِ فهلك عزيز حياتي ولم يبقِ لي سوى الذكريات وعجزي حيال رؤيتها ..                                          

ضاقت الحياة بما رحبت .. هلك سلطاني ولم أدر ما بيّ ألقتني الحياة لأعتى هاوية .. 

لا أدرى كيف تراجعت عن قراري بالابتعاد خشية الظلم .. ماذا يحدث لي فور رؤياها .. تذوب كل سدودي المنيعة !لقد اقتحمتني كسهم مارق يعرف وجهته .. أصابت عقلي قبل قلبي لذلك كان محالاً مقاومتها .. ولكن ماذا بعد ؟! أنا مكتوف الأيدي يُقتل بين الحين والآخر .. هي قاتلتي ومنقذتي .. إن إكسير الحياة في إقبالها ووحشة الزمان في غيابها .. ليتها تعلم ذلك ! ليت الزمان يعود يومًا .. ليتها تشعر بتلك النار وتعد لها العدة مثلي ولكن ماذا بعد أيضًا ؟!

إنني مصاب .. عليل النفس وهذا يكفي .. عجزي بالكتمان وعجزي عن البوح وعجزي عن الفعل وحتى عجزي عن السير في الحياة .. لقد دُك جبلك يا جدتي .. الحفيد فقد جيشه وهام على وجهه .. لقد استهلكت كل طاقتي .. ما أزال أناوشهم بالكلمات ولا يزالون يستنزفون رُفات عظامي .. هل أبدو لهم خاليّ الوفاض من المشاكل ؟! إنهم أنانيون وحمقى .. ربما لم يتكبد أحدهم العناء يومًا ليحاول سؤالي عن حالي بجدية لينصت مثلما أفعل ؟ وأنا لا ولن أفعل ذلك كما تعلمين ! أنا لا أطأطئ رأسي لمخلوق .. لست شكاءً أو بكاءً أو أريد الحديث ليتم تحويله لمسار المستمع وأتكبد سماع أساطيره .. إنهم حمقى جهلاء مثلي تمامًا ! ماذا يرون فيّ وانا على فراش الموت ؟ 

ماذا يمكن أن يقدمه ميت حي ؟ ولماذا أصر على الحياة تلك ؟ هل هو وعدي لكِ ؟ لكنك رحلتِ ! 

لقد رأيتها اليوم في نومي .. بعد أيام قاحلة جدبت فيها الآمال والأحلام وتقطعت بي الأوصال في بئر مهجور يسكنه اليأس والظلمة .. لقد رأيتها بدرًا ! لقد عُدت وتأهلت لأكون بجوارها وتفوقت ونلت المكان .. فسألتني لماذا عُدت ؟ وكان هذا إيذانًا بالمسامحة التي لا أعرف دافعها الأصلي .. فانتفضت مجيبًا : أنتِ ! لتبتسم هي وتدير وجهها خجلاً .. لقد أحسست بتلك اللحظة بحلاوة أذهبت كل مرارة تجرعتها في تلك الحياة ! .. عشت اللحظة وكأنها حياتي بحق .. واستمرت بمشهد لا أذكر إلا اعترافي بحبها لتبتسم وتعضني من يمناي وانا أبتسم في حب .. ولقد شعرت بسعادة لم أشعر بها طوال تلك السنة القاسية الجرداء ! 

لكنني أدركت مع تفتح عيني أنه كان محض خيال سافرت فيه روحي إليها .. وتمنيت تلك اللحظة أن يتحقق تخاطر الأرواح لكن هيهات هيهات ! .. ومتى تمنيت شيئًا وتحقق من قبل ؟ 

إنني ألقيت درعي وسيفي وحربتي وأطلقت نفسي للأعداء وتوقعت الأسوأ .. وسترحل ككل شيء قبلها وستكون فصل النهاية .. 

لقد سررت بذلك الخيال .. طرت فرحًا بصدق لكن أشلاء عقل المحلل أيقظتني أنه محض حلم .. ولكن روحي المشتاقة الهائمة بها تقول إنها رؤيا لكن هل أبدو صالحًا لأرث من الأنبياء شيئًا ؟ ! 

لقد جمعت الحشد وقلت أفتوني في ذلك فاحترت أكثر .. أنا حقًا لا أعلم لكنني سأنتظر فقط .. لا حيلة لعليل سوى الدعاء ..