بقلم: محمود خليفة
الحاكم القزم، هو كل حاكم لم يأتِ بإرادة الجماهير عن طريق صندوق الانتخابات الحرة النزيهة، إنما جاء على أَسنة الرماح، أو من فوق الدبابة، أو بتزوير الانتخابات، وتاريخ الأمم مليء بمثل هؤلاء الحكام الأقزام.
والحاكم القزم، ينقض على الحكم في صورة ديكتاتور، أو في صورة حاكم عسكري، أو في صورة حاكم مستبد، أو في صورة طائفية فاشية مستبدة، ويأتي أيضا في صورة نظام حكم «جمهوري أو ملكي»، أو بلا هوية سوى «التسلط» على البلدان والشعوب.
وعندما يحكم القزم، فإن دولته تتقزم، ويتقزم شعبه، وتتقزم مؤسسات الدولة، وتتقزم حتى التطلعات والأماني والأحلام، ويتقزم كل شيء لدرجة سحيقة من الانحطاط!
وعندما يحكم القزم، تخرج دولته خارج الحضارة والتاريخ.
ولو تأملنا في حال الدولة القزمية، فمن الممكن أن نجد سيادة اللامعقول، والمتضادات، والجنون أحيانا.
ومن الممكن أيضا، أن نرى النور ظلامًا، والظلام يبدو نورًا، والحق يمسي باطلًا، والباطل يمسي حقًا، والجلاد يبدو وديعًا، والمقهور يبدو ظالمًا، والضحية يتحول إلى جانٍ، والجاني يتحول إلى ضحية!
صورة للدولة القزمية في إدارة الأزمات
في أزمة غرق مركب رشيد يوم الأربعاء الماضي 21/9/2016، فوجئنا «بالكَلَبشات» توضع في يد الضحايا الذين نجوا من الموت بالغرق.
هل يعقل في أي دولة في العالم، ولو في «دول الموز»، أو دولة «الواق الواق»، أن يُقبَض على ضحية فر من الموت الثاوي في كل بر بلده إلى الموت في لجة البحر هربًا من واقعه الأليم البائس؟!
وإذا كان اللامعقول هو المعقول، والجنون هو التعقل؛ فإذن يجب أن يُشكَر البحر الذي انقض على مركب الجناة الذين فروا من «الفردوس القزمي» إلى «الجحيم الأوروبي»!
لقد انتشلت حوالي 162 حتى الآن، والغالبية العظمى من الستمائة فرد الذين كانوا على ظهر المركب، مفوقدون في لجة البحر أو في بطن الأسماك المفترسة.
أليس من الواجب أن تعلن الدولة صاحبة حضارة 7000 سنة، الحداد حزنًا على هؤلاء الضحايا؟
حتى لو كانت أي دولة بلا حضارة، لأعلنت الحداد الرسمي بسبب فقد هذه الأرواح الذين اختطفهم الموت في دقائق معدودة.
ومن المعقول والواجب لأي «ربع دولة» في إدارة هذه الأزمة، أن تأتي الحكومة بالطعام والشراب لتعوض أجسام الناجيين ما فقدوه في مجابهة الموت في لجة البحر اللجي، ولكن في البلد القزمي، يُقبض عليهم، ويودعون في السجون، وحتى يُعذبوا؛ بسبب تركهم «للفردوس القزمي»، وهجرتهم للجحيم الأوروبي.
ومن الواجب أيضًا، أن تأتي الحكومة «برجال الدين»؛ لبث الأمل في نفوس الناجيين، وترميم نفوسهم المبعثرة والمحطمة، وأرواحهم اليائسة، وعقولهم الطائشة من مجابهة براثن الموت وهو ما انفك يحاول بكل جهد أن يبتلعهم في جوفه إلى الأبد، ولكن هذا لا يجب أن يحدث في البلاد القزمية؛ لأن اللامعقول هو السائد، واللامبالاة هي الموجودة في كل شيء، والإهمال هو شعار دولة القزم العتيقة.
ومن المعقول والواجب أيضًا، أن تأتي وزارة الصحة «بأخصائي أمراض نفسية» لكي يحاول أن يتعامل بحنكة علمية وخبرة طبية كبيرة مع «الصدمة العصبية» التي ألمت بالضحايا الذين نجوا من الموت وفقدوا أبناءهم وزوجاتهم وأموالهم، ولكن الجنون هو السائد في البلاد القزمية؛ لذلك وُضع «الكَلَبش» الحديدي في يد الناجي من الغرق، وربط الكَلَبش بسرير الناجي «المتعثر الحظ»، حينما لم ينقض عليه البحر، ويبلعه في جوفه العميق!
ومن الواجب أيضًا في أية دولة محترمة، أن تأتي الحكومة «بأخصائيين اجتماعيين»؛ لترميم نفوس الضحايا الناجيين، وضمهم إلى مجتمعاتهم التي لفظتهم ولفظوها، وعلاج نَزقهم وتهورهم، وقيامهم بالمخاطرة، ومجابهة الموت في البحر أو غيره، بلا مبالاة.
في أية دولة سوى الدول القزمية، يدرس النظام الحاكم كل المشاكل ويحاول أن يحلها بكل جهد، وتوفر الحكومة فرص عمل، وتبث في نفوس الشعب الأمل والمستقبل الباهر في بلدهم.
وفي أية دولة محترمة، تجب محاسبة كل منْ سهل عملية الهجرة «غير المشروعة» وبالذات العاملين بسلاح حرس الحدود؛ وخاصة أن هذا الحادث متكرر منذ تسعينات القرن الماضي، وتجب محاسبة المقصرين في هذا السلاح؛ حينما تأخروا كثيرًا في إنقاذ الضحايا.
منشور في موقع ساسة بوست في هذا الرلبط:
http://www.sasapost.com/opinion/dwarf-ruler/