هذا الهواء اللطيف لتشرين الأول وهو يعبر طرقات شَعري وداخل ثقوب جلدي ككرنڤالٍ ملون ومرح، يلمحُ ما وراء هاتين العينين المأخوذتين بالنعاس وبالأسرار المنطفئة ليمسح ما خدشها من مشاهد صيفية رمادية وضجرة بنفخةٍ واحدة مبللة وناعمة.

والآن، ماذا لو نفذ الهواء فجأة؟ ماذا سيحدث في الدقائق الأخيرة لهذا العالم لو شفط جسمٌ كونيٌّ غريب هواء هذه الأرض؟

سيهتز كل شَيءٍ لوهلة، سيرتفع ضجيج الأضواء والأصوات والتحركات السريعة ودرجات الحرارة، سيخرج البشر من منازلهم ويستيقظون من أحلامهم البهيجة ويتركون أعمالهم في رعبٍ واحد وبنظراتٍ غير مصدقة، ستتشابك الأذرع وستُعتصر الأعناق وستبرز الأعين حتى تكاد العروق أن تتفجر فيها، الألسنة الجافة ستلهث والعويل الحاد سيرتفع ونباح الكلاب المسعورة والبكاء المنقطع للرضع، وستتحول الأجساد لكتلٍ لزجة ومتعرقة ترتمي بعضها البعض بثقلٍ بائس. ستنكمش الأشجار والنباتات وتذوي كأعواد ثقابٍ محترقة، ستتساقط الطيور من علوها كموجة انتحارٍ سماوي في مشهدٍ لن يُنسى، بهدوءٍ ستنام القوارض في حفرها بأعين نصف مفتوحة وبأطرافٍ لينة وخيوط اللعاب تسيل برقة كما لو أنها مهيأة للتآلف مع هذه الكارثة الصادمة. ستعتم السماء سيبدو لو أن الشمس قد تعبتْ أخيرًا فقررت أن تنزوي في ركنٍ بعيد لتستقيل من الضوء والحرارة وفضول الشروق ورومانسية الغروب. وهذه الأرض كقطع بازل تنشق لتبتلع صدى الآثار فتطوي صفحة من حياةٍ طويلة جدًا لكائناتٍ حلمية امتدت كما لو أنها الأبد. ماذا قد يتبقى لو نفذ الهواء؟