Image title

سألتني صديقتي الرائعة يارا في برنامج الأسك، قبل سنة تقريبا، هذا السؤال الغريب: لو سمح لك أن تضعي قانونا، فما هو هذا القانون؟ بصراحة أحب هذه الأسئلة التي تستفز العقل والقلم، فكتبت:

القانون الذي أتمناه هو قانون (حرية الطبع)
على وزن (حرية الفكر)
في ظل هذا القانون يُجرَّم ويُعاقَب كل من يحاول مصادرة حق الآخرين في أن يكون لهم طباع خاصة مادامت (لاتضر أحدا) و (لا تخالف شرعا)

ما الذي يضرك لو بقي فلان صامتا؟
ما الذي يضرك لو كان متحدثا؟
ما الذي يضرك لو كتم فلان أخباره؟ وما الذي يضرك لو أفشاها؟
ما الذي يضرك لو لم يتواجد فلان في كل مناسبة وفضل المكث في بيته أكثر؟ وما الذي يضرك لو كان أغلب وقته مرتبطا مع الناس؟
ما الذي يضرك لو كان جادا أغلب الوقت؟ وما الذي يضرك لو فضل المزاح في كل حين؟
ما الذي يضرك لو كانت علاقاته محدودة؟ وما الذي يضرك لو صادق جلّ أهل الأرض؟

فعلا...
ما الذي يضرك؟ !
النفس تميل لمن يشابهها في الطباع ويشاكلها فيما تحب وماتكره، لكن هذا لايعني أن نعتقد دوما أن طبعنا هو الأفضل وقناعاتنا هي المرجع، هذه القناعات التي نطالب الآخرين بالالتزام بها بينما قد نغيّرها نحن في غمضة عين، وندافع عن ضدها باستماتة فيما بعد! ضيق الأفق هو الذي يحمل الإنسان على "نبذ" غيره لذنب واحد: "أنت لاتشبهني...!" بينما تعويد النفس على تقبل الاختلافات مع البشر وتقديرها والإيمان بأن كل إنسان له بصمة مختلفة عن الآخرين وأن الاختلاف هو الأصل وفي كثير من الأمور لايوجد صواب وخطأ واضح وقطعي، كل هذا يجعل الإنسان أكثر مرونة، ينبغي أن نرفض السلوك لسوئه وليس لنمطه، وأكرر الشرط: الناس أحرار في طباعهم مادامت (لاتضر أحدا) و (لا تخالف شرعا) بمعنى:

*حين أكون شخصا اجتماعيا، فليس من المعقول أن أنتقد النمط الانطوائي من الناس ولا أحترم اختلافهم عني، إلا إذا أدت انطوائيتهم لسلوك خاطئ كقطيعة الرحم مثلا، فيحق لي تخطئة هذا السلوك وليس نمط الطبع العام.

* والعكس صحيح، فلو كان من طبعي الصمت، فلايحق لي انتقاد من يحسن الكلام ويزين المجلس به لمجرد مهارته في الحديث وجذب انتباه الناس واختلافه عني، بينما لو استخدم نمطه هذا في التطاول على الناس بالكلام السيء أو إفشاء الأسرار أو الغيبة أو غيرها من الكلام الضار، هنا فقط يحق لي انتقاد السلوك الخاطئ وليس مجرد الحديث الذي لاأميل إليه بوصفي صامتا وهكذا.

وحين أقول: يحق لي تخطئة السلوك فأنا أعني تخطئة السلوك نفسه وليس غيبة الشخص الذي قام به، وينبغي على الآباء والأمهات الانتباه لهذا، فبعضهم مثلا يريد أبناءه نسخة من طباعه وطباع من يحبهم ويميل إليهم وهذا تسلط وجهل، احترم طبيعة ابنك وساهم في توجيه هذه الطبيعة للخير واستثمارها فيما ينفع لكن لاتحاول مصادرتها ومصادمتها، فالاختلاف سنة الحياة، بعضهم يصل به الأمر لعدم تقبل نفسه، فالمحيط الذي يعيش فيه يقدس طبعا معينا، بينما تجده فُطر على طبيعة أخرى مختلفة، يواجهه من حوله بالانتقاص والنبذ لطبعه (رغم محبتهم له) فيصدق ذلك ويحاول أن لايكون أبناؤه مثله أبدا، مثلا: الشخص الاجتماعي في عائلة يسودها التحفظ والصمت قد يظن نفسه مجنونا ومندفعا و غير سوي، والعكس صحيح حين يوجد شخص انطوائي في عائلة اجتماعية قد يظن نفسه معقدا وفاقد الثقة بنفسه، خصوصا إذا لم يكن لدى محيطه الوعي الكافي لتقبل الاختلافات واستشعار مزايا كل نمط وعيوبه.

لو هناك عقوبات لمن يحاول مصادرة طباع الآخرين لمجرد اختلافهم عنه، فإنني أقترح أن تشمل هذه العقوبات: كتابة مقال عن محاسن الطبع الذي انتقدته ومساوئ طبعي الخاص الذي أتعصب له،  وكيف يمكن أن يستغل كل واحد منهما في الشر؟ وما مجالات استثماره في الخير؟ وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام رغم اختلاف طباعهم؟ وكيف وجههم جميعا لاستغلال طاقتهم للخير دون مصادمة أصل طباعهم؟