النصّ الأصلي والحرفي للحوار الذي أجرته وكالة الأسوشيتد الأمريكيّة للأنباء مع سيادة المشير خليفة أبو القاسم حفتر يوم 26-09-2016

 

كيف ترى تأثير الخطوات العسكرية الأخيرة للجيش الليبي المتمثلة في السيطرة على النفط، من حيث إعادة رسم الخريطة السياسية للبلاد؟

أولا الجيش لم يسيطر على النفط كما يشاع، بل أنهى سيطرة عصابة مليشياوية مسلحة، تعمل خارج شرعية الدولة والقانون، على موانئ تصدير النفط، والتحكم في العمود الفقري لاقتصاد البلاد، كما كانت تمنع التصدير منذ أكثر من عامين، وتشترط تقاضي إتاوات قبل أن تسمح بتصدير برميل واحد. والجيش الليبي انطلاقاً من دوره في حماية ثروة الشعب، قام بطرد تلك المليشيا، واستولى على الأسلحة التي كانت بحوزتها، ووجه الدعوة على الفور إلى المؤسسة الوطنية للنفط – الجهة المختصة بعمليات تصدير النفط – لممارسة مهامها، وبذلك مكّن الحكومة الشرعية من بسط هيمنتها على قطاع النفط، وعليها أن تديره بما يخدم المواطن مباشرة، ويرفع عنه المعاناة وضنك الحياة، هذا هو هدفنا الأساسي. العصابة التي كانت تسيطر على موانئ التصدير بقوة السلاح أوقفت تصدير النفط، وألحقت بالاقتصاد الوطني أضراراً جسيمة، ومارست أسلوب الابتزاز للحصول على أموال طائلة، لدعم مجموعات مسلحة تعمل على زعزعة الامن والاستقرار، حيث بيّنت لنا التحريات أن رئيس هذه العصابة على علاقة بتنظيم القاعدة. وإذا كان لتحرير النفط أي تداعيات سياسية فإنها بالتأكيد ستكون لصالح الشعب والمؤسسات السياسية العليا في الدولة، التي من حقها توظيف هذا الإنجاز الذي حققه الجيش الوطني في إعادة رسم الخارطة السياسية للبلاد بما يضمن مرحلة انتقالية تمر بسلام، وتقطع الطريق أمام المتطرفين الذي لا يؤمنون بالمسار الديمقراطي والتبادل السلمي على السلطة، ويعملون على إطالة أمد الأزمة. ما قام به الجيش الوطني ينبغي أن يكون داعماً للمؤسسات الشرعية – التشريعية والتنفيذية – في قمة هرم الدولة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات عاجلة لإنهاء حالة الفوضى السياسية التي أضرّت بجميع مناحي الحياة، واتخاذ قرارات جريئة وحاسمة تتناسب وطبيعة المرحلة، لتقطع الطريق نهائياً أمام التيارات المتطرفة التي تريد أن تحكم البلاد بالقوة والخداع، وأن تحسن استغلال إعادة سيطرتها على النفط تحت حماية الجيش لتنعش الاقتصاد، ويشعر المواطن أن ما قام به الجيش الوطني عاد على المواطن نفسه بالمنفعة، وأعاد له الأمل بأن القادم سيكون أفضل بكثير مما مضى. هذا هو ما يتطلع اليه الشعب الليبي، وهذا هو ما يجب أن يحدث على أرض الواقع، وبصورة عاجلة وبلا تردد، ليكون لتضحيات الجيش معنى. وكل من يسعى إلى توظيف انتصارات الجيش الوطني لمصلحته الخاصة، أو يعيق استفادة الشعب منها، سيجد نفسه في مواجهة الجيش والشعب معاً، ولن يجني الا الخسارة والندم، وكل من يسعى إلى مصلحة الشعب سيجد الجيش الوطني أول الداعمين له.

هل تعتقد أن نجاحات الجيش الوطني ستجبر الأمم المتحدة استئناف محادثات السلام، وإعادة تشكيل مجلس رئاسي جديد لحكومة الوفاق؟

الجيش الوطني الليبي لم يكن يوماً طرفاً في الحوار السياسي، ولم يشارك في صياغة الاتفاق المنبثق عنه بحرف واحد، ونحن دائما نحكم على الأمور بنتائجها. وبصرف النظر عن ما حققه الجيش فان النتيجة التي نراها على أرض الواقع تعكس فشلاً ذريعاً في الوصول إلى تسوية للنزاع السياسي، وهو ما يدفعنا إلى دعوة الأمم المتحدة إلى مراجعة سياستها في معالجة الأزمة الليبية. الأمم المتحدة عليها أن تقيّم نتائج بعثتها للدعم في ليبيا وأداء القائمين عليها، بعد أكثر من سنتين من مباشرة عملها. وعلى الفور ستكتشف أن البعثة قد فشلت في حل الأزمة الليبية، بل زادتها تعقيداً. ومن هنا ينبغي عليها أن تعيد حساباتها بدقة وفقاً لحقيقة المشهد الليبي، وليس انصياعاً لرغبات طرف أو أطراف بعينها، وإلا فان الزمن قد يتجاوزها، ولا يصبح أمام الشعب الليبي إلا أن يتقدم لمعالجة قضيته بنفسه بالأسلوب الذي يراه مناسباً، وتجد الأمم المتحدة نفسها عندئذٍ في موقف المتفرج فقط. وفي جميع الأحوال نحن لا نتدخل في مسألة إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، والشؤون السياسية المحضة، وكل ما نحرص عليه هو الا تكون مخرجات أي حوار أو اتفاق على حساب المؤسسة العسكرية ووحدتها.

هل تعتقد أن الغرب قد تحالف مع الطرف الخطأ في ليبيا؟ وهل بعد تحرير النفط تم اثبات أنهم على خطأ؟

إذا كان الغرب يعتمد على العصابة التي كانت تسيطر على موانئ النفط، فلا شك انه كان مخطئاً في اختياره خطأً فادحاً، لأن تلك العصابة قد انتهت إلى الأبد، وأي محاولة لزرعها من جديد، أو خلق مثيل لها، سيتصدى لها الجيش بكل قوته. هذا أمر محسوم بالنسبة لنا. والفرصة مفتوحة أمامه الآن ليصلح خطأه، بأن يتعامل مباشرة مع مؤسسات الدولة الشرعية، وتحديداً التي تستمد شرعيتها من الشعب الليبي صاحب المصلحة الأولى والأخيرة، وهذا بالتأكيد أكثر ضماناً لتحقيق المصالح المشتركة. وإذا كان يعتمد على مؤسسة غير دستورية يكون مخطئاً أيضاً، ويتناقض تناقضاً صارخاً مع المبادئ التي يقول أنه يتمسك بها، وفي مقدمتها احترام القانون. أين هو القانون من تولي المجلس الرئاسي مهامه قبل أن يكون دستورياً؟ وقبل أن يؤدي اليمين أمام البرلمان، وقبل أن يمنح البرلمان الثقة لحكومته؟ ما يجري الان هو العبث بعينه، والشعب الليبي هو الذي يدفع الثمن.

هل تعتقد أن ليبيا مقبلة على انتخابات رئاسية في أي وقت في المستقبل القريب؟ وهل تنوي الترشح للرئاسة إذا كان هناك إمكانية لإجراء الانتخابات؟

لا أعتقد أن الظروف تسمح بتنظيم انتخابات رئاسية في المستقبل القريب، رغم اعتقادي برغبة المواطن في هذه الانتخابات. الانتخابات لها شروطها، وأول تلك الشروط هو الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي. وأنا على يقين بأنه لو افترضنا جدلاً إجراء انتخابات فإن أول من سيسعى لإفشالها هم قادة تيار الإسلام السياسي المتمثل في الاخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة ـ أحد فروع تنظيم القاعدة، ولن يترددوا في استخدام أساليب العنف والسلاح لإفشالها، لأنهم يدركون جيداً أن الشعب سيرفض مرشحهم. هذا التيار منبوذ ومرفوض شعبياً بالمطلق، وهو عدو الديمقراطية لأنها سترمي به خارج دائرة السلطة، التي هي هدفه الأول للوصول إلى الثروة. هؤلاء المتسلقون المخادعون المتسترون برداء الدين ليس لهم هدف إلا السلطة والمال فقط، أما تحسين المستوى المعيشي للمواطن، ومشاريع التنمية والنهضة الشاملة، والديمقراطية والحرية والبناء والعدالة واحترام القانون والشرعية وغيرها لا تجدها إلا في برامجهم الدعائية فقط. وعن ترشحي للرئاسة فإني أرجو تأجيل السؤال إلى حين فتح باب الترشح حتى يكون لإجابتي معنى.

هل تعتقد أن ليبيا ستنقسم إلى شرق وغرب؟

لا شك أن الاخوان المسلمين هم أول من يدعم هذا الاتجاه، ولا أستبعد أن يعلنوا ذلك صراحة، وربما في المستقبل القريب جداً، بحجة أن كل الحلول باءت بالفشل، وليس أمامنا إلا التقسيم، لأنهم يعتقدون بأن ذلك يحقق لهم على الأقل الحد الأدنى من أطماعهم في السلطة، وشعارهم في هذا أن شيئاً خير من لا شيء. ولا أستبعد أيضاً أن يعقب ذلك تصريحات من بعض الدول تؤيد مطالبهم بالتقسيم وبالمبرر ذاته. لكن من الناحية العملية فإن الشعب الليبي سيرفض هذا التوجه رفضا قاطعاً، وسيتمسك بوحدته الوطنية ولن يقبل التقسيم تحت أي مبرر. الشعب الليبي في شرق البلاد وغربها وجنوبها يشكل نسيجاً اجتماعياً غير قابل للتجزئة، وكل مساعي التقسيم ستنتهي بالفشل.

ما رأيك في مطالب بعض الفدراليين في الشرق الليبي الذين يطالبون بحكم ذاتي في إطار نظام فيدرالي؟

النظام الفيدرالي ليس وليد اليوم، وليس من اختراع الذين يطالبون بتطبيقه في ليبيا، وهو معمول به في دول عديدة في العالم، من بينها عربية ودول عظمى. ومن حق أي مواطن أن يطالب بما يشاء وبما يراه مناسباً مادام يمارس حقه بأسلوب سلمي، ليست هذه هي القضية. ولا يمكنني في الوضع الراهن أن اجزم بأنه سيكون نافعاً أو ضاراً بالبلاد، لأن التفكير فيه ليس الآن أوانه على الإطلاق، ولا ينبغي أن نشغل أنفسنا به في هذه الظروف. نحن الان نعمل جاهدين على استعادة الوطن الذي يتعرض لمخاطر تهدد وجوده من الأساس، والدولة التي تنهار مؤسساتها بشكل حاد. نحن نواجه موجة عنيفة من الإرهاب الذي يسعى إلى ابتلاع الأرض ومن عليها، ونواجه عصابات مؤدلجة تتربص بالوطن وثرواته. نحن نعاني أزمات تتوالى وتتراكم يوما بعد يوم في الشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ونتحسس الطريق نحو النجاة وإعادة الحياة إلى طبيعتها، ونعمل على أن تستقر الأمور ويعم الأمن والسلام. عندها وبكل هدوء يمكن أن ندرس مدى ملاءمة هذا النظام أو غيره. أما الجدل حول محاسن وعيوب الفيدرالية الآن، والمطالبة بتطبيقها، والوطن يكاد يتبخر بين أيدينا، فأعتقد أنه مضيعة للوقت، ولا يزيد إلا من حدة الخلافات بيننا.

من هو الشخص الذي تحمله المسؤولية عن إهدار مليارات الدولارات من عائدات النفط منذ سقوط القذافي؟

المسؤول بالدرجة الأولى هو تيار الإسلام السياسي الذي أحكم قبضته على مقاليد الحكم ومفاصل الدولة، وأكثر فيها الفساد، بعد سقوط النظام السابق والمرحلة التي تلت ذلك، وسخّر إمكانيات الدولة إلى تدميرها، وأنفق من ثروة الشعب المليارات على تشكيلات مسلحة لحمايته والقضاء على خصومه، وسمح بتهريب المليارات إلى الخارج لحسابات أعوانه وعملائه، وأنفق مليارات أخرى لأجل استجلاب خصومه من قيادات النظام السابق من الخارج، بدافع الحقد وبغرض الانتقام منها. ومليارات أخرى لدعم التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في البلاد، وأموالاً طائلة لا تحصى على خطابه الإعلامي الذي يدعو إلى العنف والفتنة والكراهية. الذي أهدر المال العام لم يكن شخصاً بعينه، بل تياراً متطرفاً يحكمه الحقد والجشع والطمع والجهل والتخلف، ولا يحمل في أجندته إلا منطق السيطرة والتمكين، ونهب الثروات والانتقام، وإقصاء الخصوم والقضاء عليهم، ولا يخجل ولا يتوانى في أن ينفق ثروات الشعب الليبي بأكملها لتحقيق أهدافه الشيطانية.

ما هو وضع الحقول النفطية والموانئ في جميع أنحاء البلاد؟

الحقول النفطية هي إحدى أهم المغريات التي يسيل لها لعاب التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها؛ لأنها تدرك دور المال في الهيمنة وبسط النفوذ. ولولا الثروة النفطية التي منّ الله بها على ليبيا لكانت ليبيا في آخر قائمة أهدافها. والنفط بالنسبة لليبيين هو مصدر رزقهم الوحيد، والعمود الفقري لأي مشاريع إستراتيجية تنموية تسهم في زيادة الدخل المحلي والانتعاش الاقتصادي، والمساس به يلحق الضرر بكافة الشؤون المعيشية للمواطن. ويكفي للدلالة على ذلك ما أصاب البلاد من شلل، وما يعانيه المواطن من حياة معيشية قاسية، نتيجة إغلاق الموانئ، وانخفاض الصادرات النفطية إلى ربع مليون برميل يومياً في الوقت الحالي من مليون وستمائة ألف برميل يومياً في عهد النظام السابق. لذا فإن من أولويات الجيش الوطني الليبي هو حماية الحقول النفطية وموانئ التصدير، وتمكين المؤسسات الشرعية المختصة في الدولة من تشغيلها لدعم الاقتصاد الوطني. والجيش الوطني حالياً تقع تحت حمايته جميع موانئ الهلال النفطي من الزويتينة إلى السدرة ومعظم الحقول النفطية المنتجة.

من منظوركم ما هو شكل الجيش المثالي لليبيا وما هو تكوين قيادة الجيش؟

الجيش الليبي تعرض لمؤامرة قادها الإخوان المسلمون ومن على شاكلتهم كادت تقضي عليه نهائياً، لكنه استطاع أن ينجو ويستعيد قدراً كبيراً من قواه، ويثبت وجوده على الأرض بما حققه من انتصارات على الإرهاب في شرق البلاد، وقدرته على فرض وجوده في مساحات شاسعة، وهو في حركة تصاعدية إلى الأفضل من حيث الأداء والتدريب والخبرة القتالية والانتشار الأفقي وعدد أفراده من ضباط وجنود بمختلف الرتب. لكنه يظل بحاجة إلى إعادة تنظيمه وتطويره وفقاً لجملة من الاعتبارات، أهمها مساحة الدولة والكثافة السكانية والثروات الطبيعية والموقع الجغرافي للبلاد، ويضاف إلى ذلك عنصر هام هو انتشار التنظيمات الإرهابية في الإقليم الذي تقع فيه ليبيا، التي تعتبر القوات المسلحة النظامية العدو اللدود رقم واحد. وبالنظر إلى هذه العوامل مجتمعة، ودون الدخول في التفاصيل، فإننا نتطلع إلى بناء جيش يتراوح حجمه ما بين 2% إلى 2.5% من عدد السكان مضافاً اليها قوة الاحتياط. ونتطلع أيضاً إلى رفع حظر التسليح الظالم الذي يفرضه مجلس الأمن على الجيش الوطني منذ سنوات، رغم المعارك التي يخوضها ضد الإرهاب، حتى يتسنى لنا تسليحه بما يحقق واجبه الدفاعي عن الوطن ومقدراته. وأهم ما يمتاز به الجيش الوطني الليبي أنه يصنع نفسه بنفسه من خلال المعارك الضارية التي خاضها ويخوضها ضد الإرهاب، لتمنحه خبرة وكفاءة قتالية تفتقرها معظم جيوش العالم، والجيش الذي يصنع نفسه من تجربة ميادين القتال ومعارك التحرير وفي أقسى الظروف يستطيع أن يعتمد عليه الشعب في حماية الوطن ومقدراته. أما عن القيادة العامة للجيش الوطني فهي تعمل وفقاً للقانون، ولها هيكل تنظيمي معتمد، وملاك إداري متكامل، وتضم القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الأركان العامة ورؤساء الأركان النوعية وآمري المناطق العسكرية، وبعض الهيآت والإدارات.

هل تقبل أن تضم القيادة العامة للجيش شخصية مدنية؟

القيادة العامة للجيش تتسم اختصاصاتها وطبيعة عملها بالطابع العسكري المهني البحت، وتتعامل مباشرة مع أركان الجيش بمختلف تخصصاتها، وغرف العمليات، والسيطرة، وجميع المكونات العسكرية في الهيكل التنظيمي لمؤسسة الجيش. وهي مصدر الأوامر والتعليمات لجميع الوحدات التابعة للقوات المسلحة والجبهات ومحاور القتال، باستثناء ما يختص به القائد الأعلى. وتعتمد على تعاليم المدرسة العسكرية في الضبط والربط، والحزم والحسم، ولا تحتمل وجود شخصية مدنية بينها تشارك في صنع قراراتها، دون أن تكون قد تشبعت بخبرة الحياة العسكرية، ودراسة علوم المدرسة العسكرية، وهي لا تعتمد على العلوم والدراسات النظرية فقط، بل يشترط أن يكون أعضاؤها قد كسبوا خبرة عالية في العمل العسكري الميداني، وخاضوا تجارب الحياة العسكرية بكل أنواعها، ولهم القدرة على تقييم الموقف العسكري، بما يمكنهم من إصدار الأوامر والتعليمات المناسبة، وفي التوقيت المناسب.

هل تؤمن بأن يصبح رجل عسكري رئيساً للدولة، المشير السيسي مثلاً؟

المدني والعسكري كلاهما إنسان، وكلاهما يملك حق المواطنة، وفي جميع الأحوال فإن طبيعة المرحلة واستحقاقاتها هي التي تحدد المعايير المناسبة لرئاسة الدولة. ومن حيث المبدأ، ومن الناحية الموضوعية البحتة، لا أرى أي مانع من أن يتولى رئاسة الدولة شخصية عسكرية إذا رأى الشعب أنه يمتلك الكفاءة والقدرة والاستعداد لمواجهة تحديات المرحلة، وتحقيق طموحاته. ولدينا في العالم أمثلة عديدة – فرنسا وبريطانيا وأمريكا على سبيل المثال – انتخب فيها الشعب عسكريين لقيادة الدولة، وحققوا نجاحات باهرة. وخلاف ذلك هو تعسف وإجحاف في حق العسكريين، وتمييز لا مبرر له على الإطلاق. المهم أن يكون الاختيار للشعب، في ظروف ملائمة لتطبيق القواعد الديمقراطية المتعارف عليها. ولا ننسى أن المشير السيسي رئيس منتخب من الشعب.

بعد تحرك المليشيات في سرت، هل ترى أن المدينة ستقع تحت مصراتة؟ كيف ستتعاملون مع ذلك؟

مصراتة وسرت كلتاهما مدينتان ليبيتان، ولا يجوز إطلاقا أن تقع إحداهما تحت سيطرة الأخرى، وهذا ينطبق على كل المدن الليبية بلا استثناء. وإذا حدث هذا فإن التضحيات التي يقدمها الشباب لتحرير سرت من قبضة الدواعش ستضيع سدىً وتفقد معناها، وينقلب التحرير ليصبح احتلالاً. ولا أتصور أن أهالي مصراتة أو سرت وباقي المدن الأخرى سيقبلون ذلك، بل أنني لا أتصور أن المقاتلين الميدانيين أنفسهم يقدّمون كل هذه التضحيات فقط ليطردوا داعش ويحلّوا محله. المدن الليبية بصرف النظر عن حجمها السكاني أو الجغرافي أو الاقتصادي لا تخضع إلا لسلطان الدولة وقوانينها. هذا إذا كنا حقا نريد أن نتجنب النزاعات والحروب وسفك الدماء، ونختصر المسافة نحو المستقبل الذي ينشده المواطن، لنطوي فيه صفحات البغض، ويعود فيه الوئام بين أبناء الوطن الواحد، ويعم الأمن والسلام.

إلى أي مدى يمكن إشراك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في مكافحة الإرهاب في شرق ليبيا؟

الإرهاب في الشرق الليبي يحتضر ويلفظ أنفاسه الأخيرة، بعد معارك شرسة خاضها الجيش الوطني الليبي والقوة الشعبية المساندة له، دامت ثلاثين شهراً وتجاوزت في عددها مئتي معركة، كان العالم خلالها يلعب دور المتفرج، ويحرمنا حق التسلح للدفاع عن أرضنا. نحن الآن لا نحتاج دعماً إلا في أمرين، نزع الألغام التي زرعها الإرهابيون عشوائياً بكميات هائلة في الأحياء السكنية والمساحات المفتوحة، والمساعدة في توفير الاحتياجات الطبية والتقنية للجرحى، وكلاهما عمل إنساني يتحتم على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاهه.

ماذا تريد من الغرب أن يفعل الآن؟

إذا كان الغرب حقاً جاداً في مساعدة الشعب الليبي على النهوض، وتجاوز محنته بسلام، ووضع حدٍّ لمعاناته، ويريد أن يسجل له التاريخ موقفاً إنسانياً مشرفاً، فعليه ألا يساند من يكنّ للشعب الليبي العداء، ولا يجعل من تنافسه على ثروات ليبيا سبباً في شقاء شعبها، بل عليه أن يقف إلى جانبه، ويساعده في تحقيق طموحاته التي لم تتجاوز يوماً حدود العيش بحرية وسلام، وفي أمن وأمان، مستفيداً من ما رزقه الله في تحسين مستوى حياته المعيشي، في الصحة والتعليم والمواصلات وغيرها من الخدمات المتعلقة بشؤون الحياة، وسيكون الغرب أول من يجني ثمار ذلك. وعن الجيش الليبي نطالب هذه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن برفع حظر التسليح، حتى نتمكن من إعداد جيشنا بما يضمن أداء دوره الدفاعي عن الوطن والمواطن، ودعم الاستقرار في المنطقة. ونذكّرهم بأن الحظر لا يلحق الضرر بليبيا فحسب، بل بجميع بلدان العالم التي يستهدفها الإرهاب، لأننا بالسلاح نحاربه نيابة عن العالم، وبالسلاح نحقق الاستقرار الذي يقولون أنهم يسعون إليه. هذا كل ما نريده.

ما هي الدول العربية في ظنكم التي تعوق المصالحة في ليبيا؟

جميع الدول العربية تقف إلى جانب المصالحة في ليبيا، مع تفاوت في درجة تفاعلها مع الحالة الليبية لأسباب مختلفة، باستثناء دويلة لا تُرى بالعين المجردة على خارطة العالم تسمى قطر، يقودها بيدق ومن ورائه أمه.

هل يمكنك أن تعطينا تقديراً لعدد المليشيات في ليبيا؟ وما هي خطتكم لدمجها تحت قيادة واحدة؟ ماذا ستفعلون مع ذوي الانتماءات السلامية؟

المليشيات لا تتأسّى وفقاً لإجراءات قانونية حتى يمكن مراجعة السجلات لحصرها. بل بالاتفاق بين أعضائها. وتختلف في أدوارها وحجمها، وفي أهدافها ومنطلقاتها، ولكن تجمعها جملة من القواسم المشتركة، أهمها امتلاك السلاح وافتقارها الشرعية القانونية، وعدم الخضوع لسلطة الدولة. وأخطر هذه المليشيات على الإطلاق تلك التي تحمل تطلعات سياسية على أسس دينية، وتمثل جناحاً مسلحاً لتنظيمات تسعى للقفز على السلطة، وتعمل جاهدة لتحل محل المؤسسة العسكرية النظامية. وأقلها خطراً، أو أفضلها إن صح التعبير، تلك التي تظهر لتملأ الفراغ الأمني، وتحمي الأهالي في نطاق محدود المساحة من العصابات الإجرامية. ويتركز انتشار المليشيات بمختلف أنواعها وبالعشرات في العاصمة طرابلس وضواحيها، وهي التي تسيطر على كافة شؤون الحياة فيها. أما في شرق البلاد فقد تم التخلص من ظاهرة انتشارها نهائيا، بعد أن تمكن الجيش الوطني والشرطة وأجهزة الأمن من بسط نفوذها وممارسة مهامها، ولا تكاد تذكر في جنوب البلاد. ووفقاً لهذا التصنيف يمكن إصدار تشريعات عن طريق مجلس النواب تحدد سياسة وآلية معالجة مسألة المليشيات بأفضل الوسائل، وهو ما نعمل عليه حالياً، وفي جميع الأحوال فإن حجم وعدد المليشيات سيتناقصان تلقائيا مع تنامي حجم وفاعلية الجيش وفاعليته على الأرض. وهذا ما أثبتته التجربة في كل المناطق التي يبسط فيه الجيش نفوذه.

بعد سقوط داعش في سرت، هل تتوقع أن يستمر خطر الإرهاب على ليبيا وأوروبا في المستقبل؟

خطر الإرهاب سيظل يهددنا ويهدد أوروبا والعالم بأسره سواء بعد تحرير سرت أو بنغازي أو حتى تحرير ليبيا بأكملها؛ لأن خلاياه النائمة منتشرة حول العالم. الإرهاب ليس عمارة يمكن تدميرها بصاروخ أو قذيفة مدفعية وينتهي إلى الأبد. إنه أشبه ما يكون بورم سرطاني، ما أن تقضي عليه في خلايا حتى يفاجئك بالظهور في خلايا أخرى. ولا نستبعد وجود منظمات سرية عالمية كبرى تدعم الإرهاب وترعاه. وعلى مستوى الأفراد هو منهج حياة لنماذج بشرية خرجت عن طبيعة الطور الإنساني وانحرفت عنه، إلى درجة أفقدتها الشعور بقيمة الحياة ذاتها. وله القدرة على مواصلة الاستقطاب بوسائل مختلفة، تعتمد على أسلوب الإغراء بمختلف أنماطه، وعلى عمليات غسيل المخ. وقد تختلف دواعي ممارسة الإرهاب بين مادية دنيوية وأخرى روحانية غيبية، وهو يتطلب معالجة فكرية وتربوية على المستوى العالمي، إلى جانب التصدي له بقوة السلاح. وقد يتطلب هذا الأمر عقوداً متتالية من تكاتف الجهود حتى يتخلص العالم من هذه الظاهرة الدموية التي أفسدت على البشرية طعم الحياة.

هل تؤيدون خطط الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا؟ وما هو تصوركم للحل الأمثل لأزمة الهجرة؟

معظم الهجرة غير الشرعية على ساحل شمال أفريقيا تنطلق في اتجاه أوروبا من الساحل الغربي الليبي الذي تسيطر عليه المليشيات ويعاني من غياب سلطة الدولة، وهي مصدر أموال طائلة للعصابات التي تشرف عليها. أما في شرق البلاد فهي إلى حد كبير تحت السيطرة نتيجة استعادة الأجهزة الأمنية مكانتها، لكنها تكلف هذه الأجهزة مجهوداً كبيراً وأموالاً طائلة في وضع اقتصادي شبه منهار. وما يؤسف له أن دول الاتحاد الأوروبي تسعى لمعالجة مسألة الهجرة غير الشرعية بما يحقق مصالحها دون أي اعتبار لمصلحة ليبيا. فهي تعتزم وفق ما يعرف بخطة “صوفيا” نشر أساطيل بحرية تابعة لحلف الناتو في مياه ليبيا الإقليمية لإعادة المهاجرين إلى السواحل الليبية. وهو انتهاك صارخ لسيادة الدولة، ومعالجة على حساب الهوية الوطنية، ولا يخفى تأثير تكدس المهاجرين في ليبيا على الوضع الديموغرافي في البلاد، ولا يخفى أيضاً الأثر السلبي على الصيادين الليبيين وحركة الملاحة البحرية من والى ليبيا. ولا يمكن أن تتحمل ليبيا مسؤولية الهجرة غير الشرعية بمفردها. وفي اعتقادي أن الحل يكمن في تبنّي المجتمع الدولي معالجة الأسباب التي تدفع مئات الآلاف من البشر، بل الملايين، إلى ترك أوطانهم، والهجرة إلى المجهول، وتعريض أنفسهم لخطر الموت الرخيص.

خصومك السياسيون يتهمونكم بأنكم تعملون لصالح وكالة المخابرات الأمريكية. ما ردكم على هذه التهمة؟

أولاً الذين يصفون أنفسهم خصوماً سياسيين لخليفة حفتر يرتكبون خطأ فادحاً، لأنني لا أخوض صراعاً سياسياً مع أحد. والسؤال الذي طرحته يجب أن يسبقه سؤال موجه لهم لتقديم الأدلة حتى يمكن الرد على سؤالك. ولو كنت أعمل لمصلحة المخابرات الأمريكية لكانت الولايات المتحدة أول الداعمين لي بالسلاح والأموال، والمساندة على مستوى القرارات الدولية. وأنت ترى – على سبيل المثال لا الحصر – إصرار أمريكا على استمرار فرض حظر التسليح على الجيش، وموقفها الأخير المندد بتحرير الجيش لموانئ النفط، ومحاولة فرض هيمنة مجلس رئاسي متشرذم على المؤسسة العسكرية. هذه التهم لا تحرك فينا ساكناً، والمواطن الليبي يقابلها بالسخرية والازدراء. أنا لا أعمل إلا لمصلحة بلدي وشعبي، ولا هدف لي إلا أن أراه في أفضل حال.

هل لديكم رسائل تودون توجيهها لأي طرف من الأطراف، أو للمواطنين في مناطق لا تخضع لسيطرة الجيش؟

رسالتي إلى الذين يعتقدون أن القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية تقف ضد الحوار والوفاق والمصالحة، بأنهم مخطئون. نحن أول الداعمين لأي وفاق حقيقي متأسس على حسن النوايا، ويدفع إلى السلم الاجتماعي، ويضع مصلحة البلاد العليا فوق كل اعتبار، ولا يفسح المجال للتطرف والإرهاب ليسيطر على مقاليد الحكم، ولا يعرّض سيادة الدولة للمساس، ولا يلحق الضرر بالجيش الوطني. نحن ندعم وبقوة هذا النوع من الوفاق، ونحن أول المستفيدين منه، لأنه يحقق السلام الذي نسعى إليه، ويمهد الطريق لاستقرار دائم. أما رسالتي إلى المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات فقد وصلت إليهم في صورة إنجازات على الأرض حققها الجيش الوطني، الذي لا يدخل أرضاً إلا وقابله أهلها بالعناق والترحيب لأنهم يرون فيه الأمل، ولله الحمد. ( وال – بنغازي) ع م