السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تنشغل العديد من الخريجات هذه الأيام بالتقديم على الوظائف التعليمية، وكلهن أمل بالحصول على وظيفة آمنة، ومرتب ثابت، وعمل تقضي فيه وقتها، كل هذا جميل، لكن قرار الوظيفة -كأي قرار مصيري آخر- ينبغي أن يدرس بعناية قبل الإقدام عليه، بمعنى أن تجلسي مع نفسك جلسة هادئة وصريحة وتسأليها هذه الأسئلة:
١- لماذا أريد الوظيفة؟ هل لدي هدف واضح؟
٢-ما متطلباتها؟ هل تتوفر لدي هذه المتطلبات؟
٣-ما صعوباتها؟ ما التحديات التي قد تواجهني؟
٤- هل لدي القدرة والاستعداد الكافيين لمواجهة هذه الصعوبات والتحديات؟
٥- ما التنازلات التي ينبغي علي تقديمها؟ وهل لدي الاستعداد لتقديم هذه التنازلات؟
٦- ما مزايا الوظيفة؟ هل سأستشعر هذه المزايا فيما بعد؟
٧- هل لدي تصور واقعي أم رومانسي عن الوظيفة؟
الهدف من هذه الأسئلة والإجابة عليها هو تكوين التصور الواضح عما أنتِ مقدمة عليه، حتى لاتتكرر المآسي التي نراها من بعض المعلمات حين تتحمس جدا للوظيفة وتركز على مميزاتها فقط وتسرف في الخيالات الإيجابية، ثم بمجرد حصولها عليها تصطدم بالواقع وتواجه عدة مشاكل لم تكن مستعدة لها، ومن ثمّ تبدأ في التضجر والشكوى والتظلم والإحباط ومايتبع ذلك من قلق ومشاكل نفسية وأسرية لاحصر لها، فطبيعة الإنسان أنه يسرف في تخيل مزايا مايفقده، لكن بمجرد حصوله عليه تنقشع الغشاوة وتتبدى له الأمور على حقيقتها فإذا هو كثير الشكوى وغير مستعد لدفع الثمن! بعكس من يحمل تصورا واقعيا فهو إما أن يحجم عما لايستطيعه أو يقدم بنفس راضية مستعدة، فالمعلمة التي كانت تحلم بوظيفة ولو على الحدود تكتشف مثلا:
١-أن مسألة الذهاب اليومي للقرية أمر في غاية الصعوبة.
٢-أن الجمع بين التدريس والقيام بحقوق الزوج والأبناء مسألة معقدة جدا.
٣-أن ترك الأبناء عند الخادمة يولد قلقا ومشاكل لاحصر لها.
٤- أن انتظار النقل وعدم حصوله لسنوات متتالية أمر ممكن الحدوث ومعتاد ولاغرابة فيه.
لكن عليها أن تتذكر جيدا الحقائق التالية:
أولا:أن أحدا لم يهددها بالسجن أو القتل والتعذيب إن لم تتوظف، فالوظيفة خيارها الشخصي البحت وعليها أن تتحمل نتائجه أو ببساطة: تتخلى عنه.
ثانيا:أن الزوج والأبناء والأسرة يريدونها زوجة وأما، وأن المدرسة ووزارة التعليم تريدها معلمة، وليس لدى أي طرف الاستعداد للتنازل عن حقه، فهي التي ورطت نفسها في الأمرين معا وادّعت أنها تستطيع القيام بالدورين في آنٍ واحد.
ثالثا: أن مسألة الكسب وجلب المال للأسرة ليست وظيفة المرأة، ولم تُكلّف بها، بل هي وظيفة الرجل، لأن الله عز وجل يعلم طاقة العبد ولايكلف نفسا إلا وسعها.
وهذه النقطة الأخيرة بالذات هي مربط الفرس، فالكثير من النساء تخرج للعمل بحجة أن الأمر بات ضرورة، مع أن باستطاعة زوجها أن يوفر لهم عيشا كريما وإن لم يكن مترفا ومرفها، لكن طموحاتها تجعل من الترف ضرورة ومن الكماليات ضروريات، فتخرج للوظيفة وهي كارهة، وغير مستعدة، وليس لديها الحماس الكافي فهي منهكة جدا، مقصرة في المنزل بحجة التعب في العمل، ومقصرة في العمل بحجة ظروف وأعباء المنزل، فتنتهي بكونها أما محبطة، وزوجة مرهقة، ومعلمة غير منتجة، لماذا؟ كي تتمكن من شراء حقيبة باهظة الثمن، أو بناء قصر منيف في نهاية العمر بعد أن تضيع أجمل سنواته، وهي تظن أنها مجبرة ومكرهة مع أنها من اختار هذا كله!
أنا هنا لا أقول لك لاتتوظفي، لكنني أطلب منك أن تقيمي الوضع جيدا، وتوازني بين المصالح والمفاسد، وتعلمي أنك حين تختارين الوظيفة فأنت تقبلين ضمنيا مميزاتها وعيوبها وتبدين استعدادك لدفع الثمن، فإن رأيت في نفسك قدرة على قبول التحدي والصبر على المشاق، والاستعانة بالله، فأنا أشد على يدك وأشجعك وأهنئك مقدما وأهمس في أذنك أنك ستستمتعين بتجربة التدريس أيما استمتاع، أما إن كنت ستملئين الدنيا شكوى وضجيجا ونحيبا على ماجنته يداك، وما اختارته نفسك، وتظنين نفسك ضحية، فاتركي الأمر لأهله، فربما شغلت الوظيفة من هي أجدر منك وأكثر تفرغا وأقل انشغالا وأكثر استطاعة على حمل الأمانة وأداء الرسالة.