تابع سَيرَّه والعَبرة ما تنفَكُ عن مُقلتيه..

ارتجافةُ صدره أثقلت قدميه وكأنها ما تودُ مفارقة الزعفران ذي اللون الأحمرِ البرتقالي..

وحتى حين تتعثرُ بالحصى الذي هو من اللؤلؤ ما تبرحُ أن تثْقُل على تلك الأرض التي من أجلها يعيش هو..

أشجارَ الجنة وحدها فطرت قلبه..

شادَت عيناه وهي تُطالع سيقانها الذهبية ومحلقت عيناه على الذهب الخالص الذي لم يتخيل يوماً أن تكون سيقانُ أشجار الجنة منه..

وأوراقها الخضراء وظِلُّها الممدود حتى أنه ما شعر بأن هناك غير الظِلّ طوال طريقه الذي ساره..

تزحزحت أفكاره لحديث حبيبِ قلبه محمد حين قال "إنّ في الجنة شجرةً يسير الرّاكب في ظلِّها مئة عامٍ لا يقطعُها اقرؤا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [سورة الواقعة 30] "

تَلّهَجَ لسانه بِعُمق {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ }..

رأى أخيراً شجرة طُوبى ..

كم مرةً قرأ عنها وذهب ذهنه لتخيُلها ..  

اقترب منها وإذا بها حقاً كما وصفها صلى الله عليه وسلم بأنها تشبه الجوز وهي بالغة العِظَمِ في حجمها..تناوب عقله ليُذَكِّره أن ثمارها تتفتق عن ثياب أهل الجنة..في كل ثمرة سبعين ثوباً ألوانا ألوان من الإستبرق والسندس..

كان ينظر للثمرة وهو يتخيل أن بها وحدها سبعين ثوباً من الحرير ..

تساءل في داخله ماذا عن ثياب أهل الدنيا ..

إذا اشتاق أهل الجنة للهو أهل الدنيا من الثياب..

كان في قرارةِ نفسه يعلم الجواب فكم مرةً قرأ عن طوبى..

ولعله أراد بتساءله أن يُطاوع نفسه على تشوّقها فتزداد منه..

يبعث الله ريحاً من الجنةتحرك الشجرة بكل لهوٍ كان في الدنيا..

ماألطف الله !!

يسمع أهلَ الجنة يتحدثون عن لهو الدنيا وهم في النعيم المقيم فيبعث ريحاً تحرك الجنة بكل لهوٍ كان في الدنيا!! "طوبى لمن رآني و آمن بي "

"وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني "

"فطوبى للغرباء " ..

شارك قلبُه عينيه ..

وكأنما أحسَّ بفيضان الدموع فرَاحَ هو الآخر يضُخ الدم بجوادةٍ إلى كل أنحاء جسده ..

واستطرد فِكره مُتأملاً : أيُّ نعيمٍ يتملك تلك الجنة حتى سماها الله بجنةِ النعيم وبدار الخلود وبالمقام الأمين! تابعت خطاويه التقدم..

وتابعَ قلبه الطيران وتابعت أنفاسه النشيج

ويكأنه كان ميتا من قبل

وازدان بالحياة أو ازدانت الحياةُ به !