مقدمة :

لست أنكر أن الانسان الأمريكي يعيش حرية ما شممنا لها رائحة الرائحة نحن المسلمين القابعين تحت ملك الجبر والعض قرونا طويلة . ولست بصدد المقارنة بين حكم الجبر المدعم أمريكيا وأوروبيا وبين من هي سيدة العالم وقاهرته  .اذ لا مقارنة بين السيد وعبده .كما لست أقارن بين الشورى والعدل الاسلاميين المتجليين أشد التجلي في الخلافة على منهاج النبوة الأولى والثانية الموعودة وبين ليبرالية لائيكية متوحشة تأسست بالدم والنار وتلاحقها لعنات السود والحمر قديما ولعنات شعوب العالم المستضعف المستنزف حديثا . لكنها قراءة للديموقراطية الامريكية تكشف الفرق بين حريتين وانسانين و عالمين .

قراءة للتاريخ والحاضر غير بعيدة عن توجيه القرآن وبيانه ونوره وهداه .

أولا : حضارة أساسها الدم والنار : 

قبل مجيء السيد الأبيض كان هناك ابن آدم .ذاك الذي كرَّمه الله خالقه ورازقه وليس كما يذله اعلام الغرب حين يصور الهنود الحمر أصحاب الأرض وحوشا ضارية .حضارات من الهنود عمرت قرونا طويلة .حتى وصل كولومبس سنة 1492 م وتبعه الأوروبيون يغريهم  الذهب الوفير في الأرض الجديدة ويشجعهم أيضا بساطة الهنود الحمر وسلميتهم وكرمهم أيضا فان  المصادر تذكر كيف ساعدوا الاوروبيين في أوقات المجاعة وكما اعترف بذلك كولومبس نفسه في رسائله . بيد أن هؤلاء تنكروا للجميل  .وشنوا عليهم حروب الابادة .واستعملوا في حربهم تلك أقذر الأساليب بما فيها توزيع المساعدات  السامة من ألبسة وأطعمة ونشر الأمراض الفتاكة .وتلويث الابار .وحفلات القتل وسلخ فروة الرأس وغيرها .حتى تغيرت ملامح البلاد وصار السكان الأصليون قلة مطاردة .وليست مأساة السود الأفارقة بأقل من مأساة الهنود حيث كانت تجارة الرقيق عبر الأطلسي رائجة . هُجِّر الملايين من افريقيا عبيدا للعمل في مزارع البن ومناجم الذهب  وألقي بالملايين في البحر وظل الرق شائعا حتى بعد تأسيس الولايات المتحدة بل كان سببا في الحرب الأهلية الأمريكية التي كانت ستتفكك على اثرها الولايات حيث ساند الشمال قانون منع الرق الذي أصدره الرئيس ابراهام لينكون وعارضته ولايات الجنوب فاندلعت الحرب 1861_1865 . أربعة ملايين عبد حرص أهل الجنوب على ابقائهم عبيدا وعدم الاعتراف بهم كمواطنين فكانوا سببا في اعلان ثلاث عشرة ولاية جنوبية انفصالها عن الفيدرالية . ولازال الهنود والسود وباقي الأقليات في القرن الحادي والعشرين يعانون التمييز العنصري في البلد الذي نصب نفسه أستاذا للعالم في الحرية والديموقراطية .واحتجاجات السود العنيفة أحيانا تكشف جزءا من المعاناة .

كانت هذه الجرائم قبل تأسيس الولايات المتحدة وبعد التأسيس في مرحلة الضعف .أما وقد صارت قوة عسكرية عالمية فان اجرامها تخطى الحدود .هل أتحدث عن قنبلتي هيروشيما وناكازاكي أم عن حرب فيتنام أم عن غزو العراق وأفغانستان أم عن فلسطين أم عن سوريا حاليا .....

أية عقيدة هذه التي صنعت هذا الوحش وسلخت منه انسانيته ؟ وجعلته يفعل أفاعيل الشياطين مقابل المصلحة والمال . انها الروح اليهودية حين تتحالف مع المكر والمال .

ثانيا : نصرانية يهودية صهيونية : 

يعتنق معظم الأمريكيين المذهب البروتستانتي وهو مذهب نصراني متمرد على المذهب الكاثوليكي البابوبي وقريب جدا من اليهود .لئن كان الكاثوليك ناقمين على اليهود لاعتقادهم أنهم هم من صلب المسيح وقتله فظلوا حينا من الدهر يهينون اليهود ويحتقرونهم _كان هذا قبل أن توحدهم عداوتهم للمسلمين ولو الى حين _  فان البروتستانت أقاموا عقيدتهم على تقديس اليهود وتمجيدهم وخدمتهم  حتى أن مؤسس العقيدة البروتستانتية مارتن لوثر أصدر كتاب "عيسى ولد يهوديا" سنة 1523 وقال فيه : "إن اليهود هم أبناء الله وإن المسيحيين هم الغرباء الذين عليهم أن يرضوا بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات من مائدة الأسياد " ودعا الى الرجوع الى كتاب اليهود "العهد القديم " وقراءته وتعلم اللغة العبرية  والى صلوات اليهود بدل صلوات الكنيسة .وهكذا اتحدت اليهودية مع النصرانية . يدين بها الأمريكيون سيما حكامهم الا ما كان من  الرئيس "جون كينيدي " الكاثوليكي الوحيد بين رؤساء الولايات المتحدة والمقتول في فترة رئاسته .لعل كاثوليكيته لم تُرق للحكام الحقيقيين ولعل كاثوليكيته تُكِنُّ بعض العداء لليهود فقد صرح بضرورة مراقبة بعض المواقع النووية الاسرائيلية .

بعد هذا لا غرابة أن تجد هذا الدعم العجيب من أمريكا لابنتها "اسرائيل "بل الصواب لسيدتها كما صرح بذلك لوثر فالأمريكيين رضوا بأن يكونوا كالكلاب يخدمون الأسياد حسب قول ملهمهم الروحي .ولا غرابة أن يشنوا الحروب ويسفكوا الدماء قربانا للسيد .

ثالثا : الماسونية هي الحاكم الفعلي : 

تتخفى الماسونية  وتدير شؤون الدول من خلف أستار الحكومات والجمعيات والهيآت والمؤتمرات وتنفذ مخططاتها الجهنمية في الناس بمكر شيطاني خناس .ظاهره فيه الحرية والقيم وباطنه فيه العذاب . عذاب تسعى اليه سعيا وتجر اليه الانسانية جرا وتعمل له جاهدة . روح اليهودية حافزها وثراء المنافقين داعمها وجهل الشعوب سمادها وترابها .

حروب يشعلونها هنا وانقلابات يدبرونها هناك واباحية يشيعونها واعلام فاجر ماكر ملكوه واحتكروه  ونظريات إلحاد يدرسونها وأفكار شاذة يمجدونها .ويسقط الضحايا من المسلمين وغيرهم .

هذا يفعلونه في الخفاء بَيْدَ أنهم في أمريكا يعملون في العلن وتحت مظلة القانون .  "لجنة العلاقات الأمريكية الاسرائيلية أيباك " أكبر لوبياتها هناك . تأسست في خمسينيات القرن الماضي إلا أن عمل الماسونية كان أسبق بذلك بكثير تحت مسميات أخرى . فقد فطن اليهود مبكرا الى أهمية الدولة الجديدة وقوتها فهاجروا اليها واستولوا على ركائز الاقتصاد ومفاصل الدولة وكونوا اللوبيات فسيطروا على الدولة كخطوة اولى تسبق السيطرة على العالم كما يخططون وينفذون .

ليس الرئيس الأمريكي المنتخب الا خادما مطيعا للماسونية وليس الحزبان المتنافسان الا أداتان لها أَمْلَتهُما ضرورة التنويع والتمويه واستغفال الشعوب وقبلها المواطن الأمريكي . 

ينتقد الناس نظام الانتخاب الأمريكي ويذكرون عيوبه أو يشيدون به وينبهرون ويجيش المواطنون ويهتفون لهذا الحزب أو ذاك وتعقد المناظرات وتكثر النقاشات وتذاع التوقعات وقل أن ينتبه الناس أن العملية كلها تجرى تحت سقف اللوبيات الماسونية وأن النتائج كيفما كانت لن تخرج عن ارادتها ومخططاتها .

ويحصل من ورائها المواطن الأمريكي على " حقوقه  الدوابية " من مأكل ومشرب وجنس ولا خبر له بما يجري في السياسات الكبرى التي تشعل حروبا يدفع لها أبناؤه دفعا وهم يروجون له كذبة كبرى أسموها  "محاربة الارهاب " .ولا يدري المسكين أن  حريته الحقيقية  أن يعبد ربه  رب العالمين وهم أوهموه أن هذا الكون وليد صدفة غريبة عجيبة بليدة . ولا علم له بالنبإ العظيم نبأ الآخرة والجنة والنار وقد أقنعوه أن ليس ثمة إلا حياة دنيا . لا خبر له أيضا بكرامته عند ربه وهي من أعظم حقوقه وهم علموه أن أباه كان قردا يقفز في الأدغال . 

خاتمة :

ليث شعري أية حرية تلك التي تنزع من الانسان انسانيته وتجعله عبدا لشهواته وهواه يتشاكس فيه الشركاء .يبحث عن السعادة فلا يجدها في المال والجنس . من يخرجه من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ؟ من ينتشله من ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والاخرة؟ من يحرره من جور الأديان الى عدل الاسلام ؟ من لها وهو يرى كل  "ربعي " رث الثياب قصير الفرس ليس الا ارهابيا جاهلا فقيرا . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .